ثقافة

عن صورة المرأة في الرواية اليمنية

This post is also available in: English (الإنجليزية)

 

لماذا الرواية؟

 إن الحياة الإنسانية هزيمة، والشيء الوحيد الذي يبقى لنا في مواجهة هذه الهزيمة “الحتمية التي تُسمّى الحياة، هو محاولة الفهم، وهنا سببُ وجود فن الرواية”. ميلان كونديرا

:الرواية والمجتمع

بغض النظر عن نسبة مقروئية الرواية في اليمن، فقد اتسع هذا الفن، وتكاثر كتّاب الرواية، وصار للرواية أسماء معروفة تثابر على الكتابة الروائية، وبغض النظر أيضاً عن مساءلة هذه الروايات عن المستوى الفني؛ فإن مضامين عددٍ من هذه الروايات عالج قضايا  مجتمعية، وساجل المخيال الشعبي، واقتحم الثقافة السائدة المسوّرة بعادات وتقاليد
.شائكة

  وفي ظل التحولات التي مَّرَّ بها المجتمعُ اليمني، تَصدَّر كُتَّاب الرواية محاولات التوثيق للتحولات، ومحاولات التغيير والتنوير. وقدَّموا مقترحاتٍ متخيلة لعصرنة المجتمع، وإزاحة التصورات المعيقة لحركته المدنية، وبعض الروايات حاولت فضح المسكوت عنه مجتمعياً. ولخصوصية وضع المرأة في المجتمع اليمني كانت المرأة موضوعاً لعددٍ من
.الروايات، وكانت أيضاً ضمير السرد في عددٍ من الروايات التي كتبتها أقلام نسائية

:صورة المرأة في الرواية

في سياق البحث عن صورة المرأة في الرواية اليمنية على سبيل التمثيل لأكثر الصور شيوعاً، لا الإحصاء والاستقصاء، تحضر روايات بعينها نماذج كاشفة عن تلك الصورة وأبعادها، وأنماطها، ولا يعني هذا أن تلك الصورة تطابق صورة المرأة في المجتمع، كما لا تعني البعد عنها كلياً؛ فالمعروف أنّ الكتابة حصيلة مؤثراتٍ متعددة، بعضها مرتبطٌ بقناعاتٍ أيدولوجية معينة، ولكنها لا تقتصر عليها ولا تحصر بها، ويعني هذا أيضاً أن بعض ما قد يتراءى في النص الروائي قد يكون دالاً على منظورالكاتب أو الكاتبة أكثر من دلالته على الواقع.

في الروايات التي أبطالها شخصيات نسائية، أو بطولات نسائية بالشراكة مع بطولات ذكورية نجد الرواية تعيد تمثيل المرأة، من خلال تقديم نماذج نسائية في سياقات حياتية متفاوتة، ومتابعة ما يقع عليها وما يقع منها.

 فمثلاً، في رواية “حمار بين الأغاني”(2004م)لوجدي الأهدل، نجد المرأة في نماذجها الثلاثة” ثائرة، وزينب وأروى “مستلبةً ومقموعة، وليس لها أي قيمة اعتبارية أمام القانون الذي يمثله ذكرٌ متسلط، يعمل على استغلال ضعفها، ويستغرق في تمثيل المخيال التمييزي ضد المرأة. و بدلاً من أن يكون حامياً للقيِم العامة بوصفه” ضابط شرطة” يتحوّل إلى حالة عدوانية تلغي الاعتبار الإنساني وتتحايل على القانون، وتوظفه لإذلال المرأة، و تكبيلها بما يُمكِّن من استغلال جسدها، وبهذا المنظور الذكوري ببعده الاجتماعي، تصبح سلطة القانون امتداد لسلطة العُرْف، واشتهاء رجل القانون لجسد الانثى محركاً ودافعاً لتوظيف سلطته القانونية ضد المرأة

 العمل الفني بإذن من لونا الوادعي
العمل الفني بإذن من لونا الوادعي

والمرأة في رواية “حرمة”(2011م) لعلي المقري، ترد مُسيّجةً بنمطيةٍ معكوسةٍ من المخيال الديني الذي يرى فيها مركبَ فتنةٍ وغواية، وهي عورة يعمد لحجبها عن عالم الذكور الآخرين، كأنَّ لا ثقة له بها، ولا إدراك لها أو تمييز لما يضرها وينفعها، فهي تابعة خاضعة، وقاصرة عن فهم مصلحتها، وعليها أن تظل مطيعةً مستسلمةً لكل ما يمليه عليها ذويها من الذكور، فهم وحدهم الأقدر على تصريف أمورها، بما في ذلك ملكية جسدها، وتحويلها إلى أداة متعة، ووسيلة ترفيه عن الذكر الآخر الذي  يختارونه لها زوجاً، وهي تتلقى هذه الأبوية بخضوعٍ تام. غير أن ذلك ما يلبث أن ينقلب إلى سخطٍ و رفض، بمجرد اصطدامها باحتياجٍ عاطفي، ما لبث أن تحوَّل إلى بحثٍ عن شريكِ يملأ فراغها العاطفي، بعد أن اكتشفت أن الذكور الذين تم اختيارهم أزواجاً لها مصابون بالعنة، وربما هذا ما يومئ إلى شعورهم الدائم بالنقص وينعكس ذلك على عدم الثقة بها، وممارسة الوصاية عليها، ووضعها تحت المراقبة

 وامتداداً لذلك التحوّل الذي استجد على وعيها، تبدأ برفض محاولات محو كيانيتها، وتلجأ لشق عصا الطاعة التي طالما رضخت لها باطمئنان و تسليم، وتبادر لتغيير اتجاه حياتها. وتكون المفاجأة أن المجتمع الذكوري المتسلط المتظاهر بالتقوى والدين و والمعرفة والقوة ليس أكثر من مجتمع منافقٍ تنخره الهشاشة و الادعاء والزيف، وكل ما كانت
.تخشاه من سلطته ليس أكثر من أوهام ذاتية تسللت إلى وعيها عبر التنشئة المجتمعية والمحفوظات الدينية

و المرأة في رواية” خلف الشمس” ( 2012م)لبشرى المقطري، ضحية من نوع خاص، فهي ضحية بالتبعية، فما يصيب الذكور في محيطها بفعل الحرب، والقمع السياسي ينعكس على حياتها وخياراتها وتقع عليها آثاره اقتصادياً ونفسياً، ومع ذلك يتجاهل المجتمع الذكوري تضحيتها، ولا يرى فيها أكثر من ” حرمة” بما تعنيه هذه الكلمة من دلالات تهوين وإدانة. بل أكثر منذ لك يخيّل أحياناً لزوجها أنها تستغل غيابه القسري لتخونه. وهو ما يكشف عن تصوّر نمطي للمرأة، ما يزال يستبطن المخيال الشعبي الذي يضعها في خانة الريبة والشك بدلاً من أن يمنحها التقدير والعرفان، إنصافاً وامتناناً لدورها الشجاع. وهذا الظلم في نهاية المطاف يتسبب بفقدانها لاتزانها النفسي.

 وفي رواية “عقيلات”(2009م) للكاتبة نادية الكوكباني نماذج نسائية يجمعها الإحساس بالقهر والظلم من المجتمع الذكوري، وهذه النماذج لا تملك إلا أن تتعاطى مع تلك المسميات المجتمعية التي تختزلها في تصنيفات مأخوذة من زاوية علاقتها بالرجل: “معكِ حق! لا شيء يشفع لنا في مجتمعنا مهما كان منطقياً سوى تلك المسميات التي يبحثون عنها: “زوجة” مسمى يعشقونه! “مطلقة” مسمى يمقتونه! “عانس” مسمى يختلفون عليه! هم لا يبحثون عن جوهر تلك العلاقات التي تكّون سيرورة الحياة. قد تؤدي المطلقة التي قهرتها الظروف ومع ذلك تؤدي واجباتها تجاه أبنائها أفضل من الزوجة المهملة لهم ومع ذلك فهذه المهملة هي الأفضل في كفتهم غير العادلة وفي مسمياتهم الغبية”. ولكن ” روضة” المرأة التي أرادت تحرير نفسها بحكاية أبعاد المأساة، بحسب طلب صديقتها ” جود”، تُقدِم بعد ترددٍ على كسر تابو المجتمع، ومواجهة بطريركية الذكر، بهتك ستر المسكوت عنه من معاناتها، وعرض صور المعاناة وأشكالها، من خلال تلك النماذج النسائية، التي تقدّم صوراً لمكابدات المرأة في المجتمع اليمني بتقاليده وعاداته التي تتحوّل إلى قيودِ على حركة المرأة، وخياراتها في الحياة، وحاجتها الى عملها للاستقلال عن الحاجة المادية للذكر. والروائية الكوكباني بما تقدّمه من نماذج نسائية متعددة تحاول أن تعرض صوراً للأعم الأغلب في المجتمع الذي يشكل ظاهرة السلطة الذكورية، ويجعل من كل امرأة صورةً من الأخرى في معاناتها، ” جميعنا متشابهات وإنْ اختلفنا في جزئيات صغيرة” وغالباً ما تكتفي الروائية بتقديم نماذج نسائية مضطهدة لتحمّل الذكر مسئولية اضطهادها، وبهذا يتحوّل الخطاب الروائي إلى خطاب تعبئة ضد الرجل لا خطاب توعية بضرورة تغيير معوقات العلاقة السليمة بين الذكر والأنثى، قبل كونها معوقات حياة المرأة.

ونساء رواية “زوج حذاء لعائشة”(2012م) للكاتبة نبيلة الزبير، كلهن ضحايا ثقافة مجتمعية ذكورية، لا ترى فرقاً بين قاصرٍ وأخرى، ولا ترى أي دورٍ للمرأة مالم تقترن برجل، و”زينب وأماني ونشوى ورجاء” وإن مثَّلن صورة المرأة المغوية، فهن لسن أكثر من ضحايا تكالبت عليهن الظروف القاسية، و ثقافة المجتمع المتربص بجسد الأنثى، المجتمع الذي نخره الفساد وما يزال يتظاهر بالطهارة والوجاهة. وليست زينب إلا نسخةً من نساءٍ كثيرات يعانين المسكوت عنه، وهنَّ نماذج في خدمة الذكر جنسياً، نماذج تؤدي دور آلياً لإمتاع الرجل، ولا تستحق حتى أن تسمَى نساء، كما تقول بعض سطور الرواية:” أقلتها سيارتها ومضت، من دون تبخترٍ أو حتى تركيز يذكر، في مشوار يبدو يومياً أو أشبه باليومي لشقة برجال كثيرين، الرجل الواحد لا يملأ الوقت، بعد الدقائق العشر الأولى لا يجد ما يقوله أو حتى ما يفعله، انفتحت الشقة، ثم رجال كثيرون، ونساء، هؤلاء لسن نساء، إنهن شراميط لزوم ” الطيرافة”.وهذا الوصف الذي يرد على لسان ساردة أنثى تظهير لما يتم تداوله في عالم الذكور.

و في رواية” إنه جسدي”(2000م ) تتبدى سكينة عمر” بطلة الرواية شاعرة فنانة، تحاول أن تنتصر لأعماقها وتعمل من خلال موهبتها وإحساسها على أن تكون كما تُحسُّ لا كما يُراد لها.

 العمل الفني بإذن من ايكليكتك يمني
العمل الفني بإذن من ايكليكتك يمني

 وهي ـ أي سكينةـ تعيد صياغة هويتها الذاتية، أو ولادتها لنفسها، وتعمل بشجاعةٍ على كسر الصورة النمطية لها، وتدافع باستماتة عن قناعاتها، و لكنها تدفع كلفة إشهار الذات، وتضطر للمواجهة مع ثقافة مجتمعية يتسلط فيها الذكر على الأنثى لا في حدود أسرتها فحسب؛ فهذ التسلط الذكوري في كل مكان؛ في البيت وفي العمل وفي الحياة
.بعمومها. وذلك الذكر لا يعترف بأهلية الانثى لشيء، رغم تفوقها و جديتها في إثبات مقدرتها الفكرية والعملية

 ومن ثَمّ تنتبه ” سكينة” لذلك الحكم غير المعلن على المرأة بكونها ليست أكثر من جسدٍ. وتعلن “سكينة” الخوض في المسكوت عنه، بإعلان استقلال جسدها عن جسد المجتمع، صارخةً: ” إنه جسدي”، في محاولة لاسترداد ملكيتها لجسدها. وتحييده عن أي تقييم لها، وهي تالياً تعمل على توظيف الجسد للتعبير عن الذات لا حاجباً لها، ومُلغياً لعقلها ووجدانها.

 وبناءً على ذلك الوعي بأهمية الإعلان عن الجسد لا قمعه و التواطوء على حجبه؛ تُقدِّم ” سكينة” منطقاً لم يألفه المجتمع اليمني في تلك العلاقة بين الذكر والأنثى؛ حيث تأخذ الأنثى قرارها بيدها إلى النهاية، وتتحمل تبعات ذلك القرار، وما يترتب عليه من الآثار النفسية والثقافية والحياتية. و تستنفر قلمها في تشريح وعي المجتمع، وتعلو نبرة السخرية من كل ما هو ذكر ردةَ فعلٍ على الظلم الذي وقع عليها،  ويعكس انشقاقها النفسي عن المجتمع صورةً من صور التمزق المجتمعي، والتفكك الأسري والعلاقات الشائكة. و نموذج “سكينة” يعبّر أيضاً عن كون المرأة في هذا المجتمع تستطيع أن تكون ما تريد، إذا أرادت أن تكون، وتلك هي قصة الصراع بين ذات المرأة والواقع بقيوده وعاداته وتقاليده

و أروى بطلة رواية” أروى” (2013م)لحبيب سروري، تعيش مأزق المرأة المنقسمة على ذاتها بين أربعة عشاق ترى في كل منهم اتجاهاً تحبه أحياناً وتمارس عليه صوراً من التعالي والاحتقار أحياناً، وتحرص على ألا تفقد أحداً منهم. وهي حين تختار أحدهم زوجاً، لا تستطيع تجاهل مشاعر البقية منهم، ولا تدري كيف توفق بين حبهم جميعاً،
.ولا تعرف أين تضع نفسها في هذه العلاقة الملتبسة بحب الذات

 ومأساة “أروى” تبلغ ذروتها حين يضعها الزوج” منيف” بين خيارات بمواجهة نساء أخريات يقع في عشقهن، فتختار نفسها بعد صراع مع مشاعر الغيرة، ومحاولاتها المواءمة بين الذات والواقع. ويكون التحدي أن تذهب للبحث عن ذاتها في مكانٍ آخر، فيكون طلب العلم في لندن وسيلة الخلاص من جحيم المشاعر. وهو ما يعني أن الهروب من المكان ببعده الثقافي قد يكون حلاً لطبيعة هذا الصراع بين الذكر والأنثى، وكأنَّ مخيال المكان يلعب دوراً في تأجيج الصراع وتثبيت سلطة الذكر، وتقويته على إلغاء المرأة. كما قد يكون التحصيل العلمي حلاً لاستعادة المرأة لتوازنها النفسي.

و”حنايا” في رواية “عرق الآلهة” (2008م )لحبيب سروري، على الرغم من كونها مشغولة بالبحث العلمي والتفكير العقلاني بالأشياء والحياة، لا تغفل عن مشاعرها التي تدفع بها إلى القبول بدور العشيقة لزميلها شمسان. وهو الدور الذي يلغي المنطق العلمي، ويدفع بها إلى محاولة الجمع بين فضولها البحثي وحاجتها العاطفية، فيكون العمل مع شمسان توفيقاً بينهما، وشمسان ذلك الذكر المتحضر في علاقته بكلٍ من زوجته ” فردوس” وعشيقته” حنايا”، ينجح في الجمع بينهما إلى حين، غير أنه ما يلبث أن يفقد إمكانية الاستمرار، وهذا الجمع بين العشيقة والزوجة يأخذ بُعد الصراع بين الاحتياج والمعرفة، وتحضر فيه صورة المرأة تابعةً لرغبة الرجل، ومستلبةً لرغبته التي لا ينجح العلم في ترشيدها، وتقنينها وضبط إيقاعها وفق التكافوء النفسي والفكري لا الشهوة والرغبة في الاستحواذ على الجسد. وحنايا صورة من صور اغتراب المرأة، في دوامة مجتمعٍ تنشأ فيه المشاعر الأنثوية محاصرةً ومدانة، ومقموعة.

والمرأة في رواية “في تابوت امرأة”( 2014م) لسيرين حسن، تعاني الصراع الحاد مع مجتمعٍ لا يعرف لها حقاً ويستوي فيه ظلم القريب والغريب، وكما عبرت عن ذلك بالسؤال:” لِمَ يحمل كل الرجال رائحة أبي..لماذا؟

و” سارة ” بطلة الرواية، ليست امرأةً سلبية؛ فهي تعمل جاهدةً على تغيير واقعها، تارةً بالهرب منه، وتغيير اسمها أكثر من مرة، والبحث عن واقعٍ بديل، وتارةً بمواجهة هذا الواقع؛ وتقع في شرك الأمومة التي تضعها بين خيار التضحية بالذات حمايةً لوليدها، وبين التضحية بوليدها استرداداً لذاتها.

 العمل الفني بإذن من ايبي ابراهيم
العمل الفني بإذن من ايبي ابراهيم

 وبعد صراعٍ مرير بين العادات التي تدعي الفضيلة والممارسات التي تنتهك المحرمات، تقرر” سارة ” بطلة الرواية أن  تهادن الظروف التي كانت أكبر منها، وأن تبحث عن أدنى مستوى من الحياة يحفظ لها ولطفلها استقراراً و سلامة. غير أن الظروف القاهرة سرعان ما تتكالب عليها وتجرها إلى الدوران في فلك المجتمع، والقبول بشروط ارتهانه، لتصبح فرداً مستلباً، ويتعمّق شعورها بأن لا جدوى من الاحتفاظ باسمها ” سارة” أو تغييره إلى” أزهار”، أو روزا”، أو تغيير الأمكنة؛ فكل عنائها بسبب جسدها ؛وجسدها تابوت دفنتْ فيه حيّة. كما قد يومىء عنوان الرواية”.

وهذا الجدل بين ثنائية الذكر والأنثى في الرواية اليمنية ملتبسٌ بين الذات الروائية ببعدها الاجتماعي والذات الروائية ببعدها الثقافي، ففي الصور المأخوذة عن الواقع، فيما يخص الروايات المكتوبة بأقلام نسائية مثلاً، يغيّب صوت الراوية  في سياق السرد، و يتراجع إلى الخلف أمام اتهامات جاهزة وشائعة، تتساوى في إطلاقها الشخصية المثقفة بغير المثقفة، والعاملة بغير العاملة، والأمية بالمتعلمة، وبائعة الهوى  و تلعب الساردة في الرواية دور التعبير بنبرة واحدة عن حالة كل شخصية، وبمستوى وعي واحد؛ مما يعني أن تلك التهم هي قناعات الروائية أو الروائي. ويفقد السرد حيويته في الحجاج والإقناع.

 وفي معظم تلك الروايات لا نجد تفسيراً موضوعياً لتلك العلاقة المتوترة بين الذكر والأنثى عبر تقديم نموذج الذكر في سياقه الاجتماعي وظروفه التي لا تقل قهراً له عن قهر المرأة، وما يترتب على ذلك من أثر على العلاقة بينهما، في ظل وعيٍ مجتمعي تمييزي. فالشخصيات النسائية في الرواية يسارعن بإمكانياتهن الثقافية إلى إدانة الذكر، وكأن بيلوجيته مسئولة عن كل سوءٍ، وليس الوعي المجتمعي الذي نشأ فيه مع المرأة، ويجب على الذكر والأنثى أن يعملا معاً على تغييره، وتغيير ما فرضه عليهما من علاقةٍ مضطربة، يكتنفها التربص والتوجس والبغضاء.

  وفي بعض الروايات يتم تصوير الشخصيات النسائية تحت سلطة المحفوظات بتمثلاتها الدينية والعُرفية، وأحكامها التراتبية والتمييزية دون أي محاولة للكشف عن العوامل التي أسهمت في تكوين الشخصيات، وأثر التمايز الطبقي أو البيلوجي على العلاقات الشخصية والاختيارات الفردية، ودفء العلاقات الإنسانية، وحرية الاختيار، وسلامة التواصل؛ فتأتي انثيالات بوح لا أكثر. ومثال ذلك رواية” صدى الأنين”( 2005م) لإلهام مانع.

وفي الخلاصة تكشف صورة المرأة في  عددٍ من الروايات اليمنية عن أنساق ثقافية واجتماعية تتحكم بالعلاقة بين الذكر والأنثى، وتبدو إلى حدٍ ما نمطاً سردياً متشابهاً. و يصدر هذا النمط عن منظومة ثقافيّة واجتماعيّة لها تراث طويل، يتحكّم بتنميط صورة المرأة، ويفرض نفسه على منظور الكاتب الذكر والكاتبة الأنثى أثناء عمليّة الكتابة

وغالباً تغفل الأبعاد الثقافية المهيمنة على الذكر والأنثى معا، وتقدّم المرأة في صورة المرأة الضّحيّة، المستلبة، المقموعة، المقهورة، المغلوبة على أمرها، المسحوقة، المختزلة مجتمعياً في كونها جسداً أكثر من كونها عقلاً أو روحاً، وهذا الاختزال لصورة المرأة في جسدها، يحجر عليها الحق في الاختيار الفردي الحر والمستقل لحياتها، وكيفيات التعبير عن ذاتها، وعلاقة عالم الداخل بالعالم خارجها، ويجعل حريتها قضية دفاع عن وجود وميدان صراع مستمر.

اظهر المزيد

Mohammed al-Bakry

A Yemeni writer, poet, and researcher. He holds a Master’s degree in Arabic Language and Literature from Sana’a University. Mohamed is currently writing his doctoral dissertation on the rhetoric of discrimination in Arab proverbs. In addition to published poems and literary, intellectual, and political articles in Arab and Yemeni magazines and newspapers, he has produced a number of unpublished studies and poetry collections. He is a member of the Union of Yemeni Authors and Writers.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى