This post is also available in: English (الإنجليزية)
إن ثمة سؤالاً ملحاً يدور في أذهان دعاة السلام في اليمن، و مفاده : هل تعلَّم اليمنيون من كوارث الحرب كيفية القبول بالآخر؟ وكيفية الإيمان بأن المواطنة المتساوية هي السبيل الذي لا بد أن ينتهجه اليمنيون ؟
الصورة بإذن من رحمان طه
إن ما وصل إليه الوطن من تشظي بسبب الحرب المدمرة التي تصبُها على رأس المواطن قوى الشر في الداخل والخارج مردُّه ـ من وجهة نظري ـ إلى سببٍ واحدٍ هو عدم القبول بالأخر. و تغذي هذه النظرة النزعات المتعالية لشريحة اجتماعية معينة، أو حزب سلطوي معين، مستغلين الأوبئة الاجتماعية المتمثلة في الجهل، والطائفية، والقبلية، والمناطقية، والمشائخية، وغيرها.
هذه الدعوة التي نوجهها لكل فرد في المجتمع ليست الوحيدة التي تدعو إلى هذا التوجه، بل سبقتها منذ وقت مبكرٍ دعوات أستاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح، في كتاباته المختلفة، الشعرية منها والنثرية، وهي تنزع إلى الحرية والمساواة والعدل. وقد لفت نظري في هذا الاتجاه ما كتبته الزميلة الكاتبة نوال القليسي، في الملحق الأدبي لصحيفة اليمن اليوم بتاريخ 21/9/2016م بعنوان (شبح الطائفية والثقافة في اليمن). أوضحت فيه أن الخلاف الديني المفتعل من قبل بعض الجماعات الدينية قد لعب دوراً في اذكاء الحرب الدائرة. ودعت القليسي إلى اتخاذ المعرفة والثقافة قاسماً بشرياً مشتركاً في اليمن. فالفرد، من وجهة نظرها، لا يُميزُ عن غيره بسواهما. ونحن من خلال تحقق هاتين الخاصيتين نكون قد اتجهنا في الاتجاه الحضاري العالمي الإنساني المشترك.
إن تميز الفرد يجب أن يكون تميزاً علمياً حضارياً لا أن يكون التميز: حزبياً ، أو سلالياً، أو قبلياً، أو مناطقياً، أو مالياً. أي أن يكون ذلك التميز في إسهام الفرد الايجابي إلى ما فيه تحقيق الخير العام للإنسانية و منها أبناء المكان الذي ينتمي إليه. إنّ ما أوصل اليمن إلى ما هو فيه من التخلف و الصراع هو تلك المعايير المنحازة التي اتخذها الحاكم في اليمن معياراً لتنصيب قادة البلاد؛ فظهر نتيجة تلك المعايير اللصوص، والانتهازيون، والوصوليون الذين لا يحملون مُثلا أخلاقية و لامؤهلات مهنية ولا علمية. ومن هنا كان ما لديهم- فقط- هو تلك الذخيرة من التعصب التي يعاملون الناس وفقها.
والآن : وقد وصلنا إلى هذا الحد من الضياع والفرقة والتدمير لبلادنا، هل يمكن أن يتعقل اليمنيون ؟ ويقبلون بعضهم، ويجعلون من المواطن الصالح قدوة لهم، ويجتمعون ضد من جلب لنا الويل والثبور، وتآمر على شعبنا اليمني وحضارته، ودمر مكاسب هذا الشعب الحضارية الإنسانية.
لا بد أن يستفيد المواطن اليمني من الحرب بعودته إلى الوقوف مع نفسه ومصارحتها، هل كانت هذه الحرب تطهيراً لنفوسنا من الأخطأ المتتابعة طيلة عقود ؟ أخطاؤنا القاتلة كالفساد، والغش، والخداع، و حب الاستحواذ، والعنصرية. لا بد من الإيمان بأن الوطن يتسع للجميع، وفائدته فائدة للجميع، ونكبته نكبة على الجميع.
إن حضارتنا اليمنية القديمة قامت على التعاون والتشارك (المواشعة: كما عرفت في اللغة الحميرية القديمة) و المساواة ، لذلك أضحت علامة حضارية بارزة بين الحضارات العالمية الأخرى. إن المعلوم في التاريخ أن اليمن لم تعتدِ على بلد آخر أو على جغرافيا خارج حدودها. ومن المعلوم أيضا أن اليمنيين بمختلف طوائفهم – على المستوى الشعبي في الأقل- قد تعايشوا وتصاهروا وانصهروا. وفي العشرين السنة الماضية شهدت مدن كعدن وصنعاء وتعز امتزاجا عرقيا وقبليا و مناطقيا غير مسبوق. إن العصر الحديث عصر الانفتاح و التلاقح والتعاون، أما زمن الانعزالية والاستعلاء الفارغ فقد ولى إلى غير رجعة.
أما آن الأوان أن نكون جسدا واحداً ضد من اعتدى ويعتدي على بلادنا ويدمرها، ويهدم معالمها الحضارية والتاريخية ويغير صبغتها المدنية الحديثة إلى صبغة ماضوية؟. إننا نستطيع أن نقوم بهذا الدور من خلال التزامنا بقيم السلم، والعدالة، والتسامح، والحوار، والقبول بالتعددية والاختلاف.
أما آن لنا أن نؤمن بالمواطنة المتساوية وبالكرامة المتساوية لكل إنسان يعيش معنا؟ ونجعل الرؤية والهدف واحداً للشعب اليمني، وأن نربأ بأنفسنا عن المشاريع الصغيرة التي لا تجلب إلا الويل والثبور في حاضرنا وفي مستقبل أجيالنا؟!