المجتمع المدني

نحو بدائل مستدامة للحد من إهدار المساعدات الإنسانية “قطاع المياه أنموذجا”

This post is also available in: English (الإنجليزية)

الصورة بإذن من رحمان طه

تقدر الأمم المتحدة أن نحو ١٦ مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية لإتاحة إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي أو الحفاظ على إمكانية الوصول إليها.  وفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام ٢٠١٨ التي أصدرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تم تخصيص ١٥٣ مليون دولار أمريكي لتلبية احتياجات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH). ومع ذلك، فإن الاستراتيجية الحالية للمنظمات الإنسانية لتوفير المعونة لا تؤدي إلى إهدار الأموال فحسب، بل تؤدي أيضا إلى الاعتماد على حلول قصيرة المدى. وبدلاً من مواصلة أنشطة الطوارئ التي من شأنها أن تضر بالأهداف التنموية للمجتمعات في اليمن على المدى البعيد، ينبغي على منظمات الإغاثة وضع نهج أكثر استدامة وإشراك المجتمعات المستهدفة، مع مراعاة خصوصية كل منطقة. عندئذ فقط يمكن للمجتمعات أن تصبح مرنة.

استجابة للأزمة الإنسانية في اليمن، تشارك أكثر من ١٥٠ منظمة محلية ودولية، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة، في الاستجابة للإحتياجات الطارئة. ومنذ بداية ديسمبر ٢٠١٨، قام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بتقديم معونة قدرها ٢،٤ مليار دولار للمنظمات المشاركة، والتي تقدر بنحو ٨٠٪ من التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات الإنسانية لليمن لعام ٢٠١٨. وتشمل استراتيجية المساعدات نشاطات عديدة، منها التوزيع الشهري غير المشروط للأغذية، وتوفير مياه الشرب من خلال صهاريج المياه والعيادات المتنقلة في المناطق التي تتوفر فيها مرافق الصحة العامة.

الصورة بإذن من رحمان طه

في الوقت الحالي، يتم توزيع هذه المساعدات دون النظر في إطار إستراتيجي أوسع والتأثير السلبي لاعتماد المجتمعات على منظمات الإغاثة. بالطبع تعتبر التدخلات الإنسانية الطارئة ضرورية في أوقات الأزمات والكوارث، إلا أن استمرارها يشكل تحديا لترشيد استهلاك الموارد والعمل نحو استخدام أكثر فعالية للأموال والمعونات. يمكن لمؤسسات الاستجابة الطارئة الحد من هذه التحديات عن طريق تحويل تركيزها إلى تلبية الاحتياجات من خلال التدخلات المستدامة والمساهمة في تعزيز مرونة المجتمعات المحلية في مواجهة الأزمات المستقبلية.

يعتبر توفير المياه من خلال خزانات المياه من النشاطات الأقل فعالية من ناحية استخدام الموارد والاستدامة. حيث يتم ذلك من خلال تركيب خزانات مؤقتة في الأحياء أو القرى، ومن ثم نقل المياه من مصادر آمنة (مثل الآبار المحفورة باليد، أو الغيول، أو الآبار الارتوازية) بواسطة صهاريج المياه (وايتات) التي يتم استئجارها. ويتضح حجم تكلفة اتباع هذا النهج عندما نقوم بتحليل التكاليف ومقارنتها بكلفة مشاريع دعم خدمات المياه العامة؛ أيْ تكاليف صيانة وترميم خدمات المياه وشبكاتها.

لتزويد عدد ٢٠،٠٠٠ مستفيد بالمياه عن طريق ناقلات صهاريج المياه (الوايتات) في منطقة غير حضرية – في محافظة تعز على سبيل المثال – سيكون هناك حاجة إلى تثبيت ما يقارب ٣٥ خزان مياه بسعة ٢٠٠٠ لتر كنقاط توزيع مياه يتم التوريد لها مرتين يوميا. يبلغ كلفة تثبيت الخزان الواحد ما يقارب ٧٠٠ دولار، أي بإجمالي كلفة ٢٤،٥ ألف دولار لتثبيت ٣٥ خزانا. ولتوريد ما مقداره ١٥ لترا يوميا لكل مستفيد كحد أدنى من احتياجات الفرد للمياه في اليوم الواحد، فإن إجمالي ما سيتم توريده يوميا هو ٣٠٠ ألف لتر بكلفة ٠،٠١ دولار لكل لتر. أي أن كلفة توريد مياه صالحة للشرب لعدد ٢٠،٠٠٠ مستفيد في اليوم الواحد هو ثلاثة آلاف دولار. ولتزويد ال ٢٠،٠٠٠ مستفيد بالمياه لمدة ستة أشهر كاستجابة طارئة، فإن الكلفة الإجمالية ستصبح ٥٤٠،٠٠٠ دولار تقريبا. هذا يعني أن مبلغ ٥٦٤،٠٠٠ دولار – أي أكثر من نصف مليون دولار- هو إجمالي تكلفة تزويد المستفيدين بالمياه لمدة ستة أشهر عن طريق ناقلات صهاريج المياه (الوايتات).

أظهرت الدراسات أنه إذا تم إعادة تأهيل وصيانة شبكات المياه العامة في المناطق غير الحضرية، فإن بإمكانها أن تخدم ٢٠،٠٠٠ مستفيد بتكلفة تتراوح بين ٥٠،٠٠٠ – ٢٠٠،٠٠٠ دولار حسب حجم التدخل. ويمثل هذاالمبلغ من ١٠٪ إلى ٤٠٪ من التكلفة الإجمالية لتوفير المياه بواسطة صهاريج المياه. بالإضافة إلى كونها أكثر فعالية من حيث التكلفة، فإن اتباع هذا النهج يعتبر أكثر استدامة ويؤدي إلى تحسين مستوى مرونة المجتمع على المدى الطويل.

ويشير التقرير السنوي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في عام ٢٠١٧ أن ١٥٣،٠٠٠ مستفيد تقريبا  قد تم تزويدهم بالمياه النظيفة عن طريق ناقلات صهاريج المياه (الوايتات) ضمن خطة الاستجابة الإنسانية للعام ٢٠١٧. وقد وصلت تكلفة هذا التدخل إلى ما لا يقل عن ثلاثة ملايين دولار. كم عدد شبكات المياه العامة – الخارجة عن الخدمة حاليا – التي كان بإمكان هذا المبلغ أن يعيدها إلى الخدمة؟! ربما يُعتقد أن تزويد المجتمعات المستهدفة بالمياه النظيفة عن طريق ناقلات صهاريج المياه (الوايتات) لإنقاذ حياة المستهدفين، وفي نفس الوقت العمل على إعادة تأهيل المصادر الأكثر استدامة، هي وسيلة لاستهداف الإحتياجات الطارئة والطويلة الأجل معا.

الصورة بإذن من رحمان طه

ولكن في واقع الأمر، فإن المنظمات العاملة في المجال الإنساني تستغرق وقتا قد يصل أحيانا إلى ثلاثة أشهر لتنفيذ النشاط، بدءا من لحظة تحديد الحاجة الطارئة وحتى بدء إمدادات المياه. وفي هذا الوقت يقوم المستفيدون بإدارة إمداداتهم من مياه الشرب دون مساعدة منظمات الإغاثة. وهذا يدل على أن بإمكان المنظمات العاملة التخلي عن المشاريع التي تعمل على إمداد المياه على المدى القصير والتركيز على العمل مباشرة على إعادة تأهيل مشاريع المياه العامة لضمان استدامة تزويد المستفيدين بالمياه الصالحة للشرب بكلفة أقل ولفترة زمنية أطول.

انطلاقا من مبدأ ترشيد الاستهلاك فإن من واجب قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية التفكير بشكل استراتيجي أوسع وتطوير المشاريع،

الصورة بإذن من رحمان طه

وتحديد الاحتياجات والأولويات على نحو مستدام، مع إشراك المجتمعات المحلية. كما يجب على القطاعات الأخرى، مثل قطاع الأمن الغذائي والزراعة، وقطاع الصحة، وقطاع التغذية، اتخاذ تدابير مماثلة في مواجهة المجاعة وانهيار النظام الصحي وغيرها من القضايا الإنسانية الأخرى التي تعاني منها اليمن بشكل عام.

 

أيمن محمد: مهندس، وكاتب، يعمل في المجال الإنساني مع العديد من المنظمات غير الحكومية في اليمن في قطاع المياه والصرف الصحي، والمعونات مقابل العمل والغذاء والصحة وغيرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى