ثقافة

قراءة في كتاب الفكر السحري في الإسلام

This post is also available in: English (الإنجليزية)

عن مؤلف الكتاب:

محمد عطبوش، باحث يمني شاب، مهتم بالفكر الإسلامي، صدر له كتابان “نقد الإعجاز العلمي” و”الفكر السحري في الإسلام”.

الصورة لمحمد عطبوش

مدخل

بعض الكتب ماكرة، وبعضها أكثر مكراً.وإلى خانة الكتب الأكثر مكراً ينتمي كتاب محمد عطبوش عن “الفكر السحري في الإسلام”، الذي صدر حديثاً عن دار الرافدين في لبنان كتوسيع لبحث نشرته مؤسسة مؤمنون بلا حدودفي منتصف عام 2017.

ومكر الكتاب لا يكمن في كونه يطرق باب أكثر المواضيع حساسية فقط، بل في كونه يضمر أكثر مما يعلن أيضاً. فالحاضر الأكبر في الكتاب هو المسكوت عنه، والغائب الأكبر بالمقابل هو المنطوق به أو ما كان يجب بالأحرى -في تقديرنا- أن ينطق به. وفي إطار لعبة التلميح والتصريح هذه يتحرك الكتاب بأكمله. فنحن مع عطبوش، شئنا أم أبينا، أمام “شيفرة دافنشي” أخرى، لا تكون فيها الواجهة، على هدوئها، سوى تغطية لخلفية أكثر صخباً.

ولكن أين تكمن بالضبط شيفرة “الفكر السحري في الإسلام”؟ إنها تكمن، وقبل كل شيء، في العنوان نفسه. فالسحر يتظاهر بكونه فكرياً مثلما أنّ “الخرافة تتظاهر بكونها علمية” (ص ٣٩٨)، طبقاً للعبارة التي يقتبسها عن ثودرندايك في خاتمة الكتاب التذييلية. وهكذا ينتهي الكتاب من حيث بدأ، وما بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول تكمن تلك القصة التي لم تُروَ والتي تحدِّد لك المسؤولية عن وجود هذه الوضعية الفصامية.

لنبدأ القصة مع عطبوش.

كما يُفترض بكل كتاب يطلب لنفسه المشروعية الانتروبولوجية، يفتتح عطبوش “الفكر السحري في الإسلام” بالحديث عن السحر في الثقافات القديمة والبدائية، قبل أن ينتقل إلى الثقافة الإسلامية.

ثم يقول في سياق تحليل العلاقة ما بين الإسلام والسحر إنّ الإسلام جاء “قاطعاً تماماً مع كل هذه العقائد [السحرية]، وجعل عقوبة الساحر هي القتل”، ونَفرَ من كل سحر إلى حد “الإنكار الشديد” (ص ٤٩).

ورغم هذا الموقف الإسلامي القاطع الذي تعززه مجموعة آيات قرآنية، يرصد الكاتب بعض المظاهر الأزدواجية-فضلاً عن الطلاسم السحرية- في النص القرآني بالذات حيث “أنّ الحديث في بعض الآيات يتوجه إلى الجمادات كالنار والأرض والسماء والرعد، ويتوجه إلى الحيوانات كالطير والنمل والهدهد.. وتُظهر هذه الكائنات فهماً للكلام الموجَّه إليها وتبدي استجابة له بإظهار الطاعة” (ص ٦٢)، مما يعني في المحصّلة أن الإسلام -القرآني بالتحديد- وبعد حملة النكير التي شنّها ضد السحر والسحرة انتهى إلى أن “رسّخ الاعتقاد بالسحر” (ص ٦٩).

حقوق الصورة تعود لدار الرافدين للنشر والتوزيع

وتنسحب ازدواجية الموقف القرآني تجاه السحر، على الرسول نفسه الذي حرّم التطبب بواسطة التعاويذ السحرية “ثم عدل عن قراره” (ص ٢٥٩). هذا على حين أنّ كتب السيرة لا تماري في تصوير الرسول ساحراً بنسبتها له معجزات خارقة فحسب، بل ومسحوراً أيضاً بوقوعه تحت تأثير أعمال سحرية.

وطرداً مع التقدّم في الزمن تجذّرت هذه الازدواجية -التي لا تعني في المحصلة سوى التضارب- وتحوّلت من ازدواجية خطاب إلى ازدواجية حضارة.

فالفقهاء الذين اضطلعوا بدور مشرِّعي الحضارة العربية الإسلامية انتهى بعضهم إلى “الإقرار بالسحر” (ص ٢٢٨) وإجازة استخدامه وتعلُّمه، فيما كان موقف البعض الآخر “قائم على أنّ العلوم السحرية محرَّمة” (ص ٢٢٩)، ما أوجد حاجة ماسة بعدئذ “للتوفيق بين علوم الإسلام” (ص ٢٥٢).

وما ينطبق على الموقف من السحر ينطبق على الموقف من الطب -الذي كان لا يزال يُعَدّ علماً سحرياً- فعلى حين أنّ “التخلّي عن الطب كان دليلاً وعلامة على تديُّن الشخص” (ص ٢٦٦)، فإنّ الشافعي لا يتردد في عدّ الطب واحداً من أنبل العلوم “بعد الحلال والحرام” (ص ٢٦٨).

ومع ابن خلدون، آخر ومضات الحضارة العربية الإسلامية، تتابع الازدواجية حضورها الطاغي. فصاحب المقدمة الذي أقرّ بسموّ العلوم لم يلبث أن غسل يديه منها، وذلك لأنّ ‘مسائل الطبيعيات لا تهمّنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها’ (ص ٣٣٤).

وعند هذا المثال نتوقف. فبيْن ما قاله عطبوش في البداية وما قاله في النهاية، لم يقل أشياء أخرى كان من شأنها أن تحدِّد المسار المنطقي للأفكار.

فما سكت عنه عطبوش ولكنه فضحه بالتداعي الكرونولوجي للأفكار هو أنّ التناقض الذي يعتمل في القرآن على نحو واسع هو المسؤول الأول عن ولادة حضارة مفصومة ومعطوبة حيث تكون “مشية العلوم الإسلامية فيها عرجاء” (ص ١٩٦). والحال أنّ هذه الحضارة التي تسير على قدم واحدة ما لبثت أن قعدت. وعلى سبيل المفارقة، يتيح لنا الجذر اللغوي (ق ع د) أن نتحدث عن حضارة قاعدة، أي جالسة، وحضارة مُقْعدة، أي مشلولة. أفليست مفارقة انحطاط الحضارة العربية الإسلامية هي مفارقة لغوية أيضاً؟

الصورة بإذن من الكاتب

 

 

مايكل عطاالله، مدوّن مهتم بالشؤون الفلسفية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى