ثقافة

فضاءات بيسمنت: تدريب الشباب على التأثير والإقناع في قضايا المجتمع

This post is also available in: English (الإنجليزية)

الصورة بإذن من مؤسسة البيسمنت

تحت عنوان (حللْ، ثم ناقشْ، ودللْ) تستمر للعام الثاني سلسلة المناظرات التي تقيمها مؤسسة بيسمنت في العاصمة اليمنية صنعاء بمشاركة شبابية واسعة. بات مشروع (فضاءات) المستمر منذ عامين ملاذا للشباب المتحمس لطرح رؤيته في القضايا الاجتماعية والثقافية المختلفة. ووفق شيماء الأهدل، المديرة التنفيذية لمؤسسة بيسمنت، فإن “هذا الأسلوب في طرح الآراء يعزز مبدأ قبول الآخر ويطوِّر من مهارات الإقناع والخطابة لدى الشباب الواعد”.

لقد أضاف هذا المشروع الطابع الشعبي في المناظرة، حيث أصبحت المناظرات غير محصورة في دائرة النخب السياسية والاجتماعية، بل أصبحت تتضمن الجمهور العام؛ فهي تناقش –مثلا-  قضايا تهم الطلاب والعمال وبقية فئات المجتمع كالأطفال والنساء. مثال على ذلك المناظرة التي عقدت في نهاية يناير عام 2018 بعنوان “هل ساعد تطور وسائل الحياة في اليمن على إنتاج جيل أفضل؟”، ومناظرة “هل الشهادة الجامعية معيار للكفاءة؟” التي عقدت في منتصف مارس 2018، ومناظرة “عمالة الأطفال في الظروف الحالية” في 8 ديسمبر 2018. ومناظرة أخرى في أواخر ديسمبر من نفس العام تحت عنوان “هل تؤيد خلق المزيد من الفرص للعمال الأجانب مقابل العمالة المحلية؟” الذي عقد في أواخر ديسمبر 2018، والتي اقترحت من قبل أشخاص أرادوا مناقشة أهمية العمال الأجانب من ذوي الكفاءة. والمعلوم أن كثيرين من هؤلاء العمال الأجانب يحصلون على أجور أعلى من الأجور المحلية و هو ما يخلق جدلا في أحقية هذه الأجور. غير أن هناك على الجانب الآخر العديد من اليمنيين الذين يعتقدون أن العمالة الأجنبية مفيدة وتستحق أكثر مما تحصل عليه، فهي تقدم فرصة لبناء القدرات المحلية وتجعلنا أكثر اتصالا بالعالم، وبالتالي يجب علينا إعطاء الأولوية لتوظيف العمالة الأجنبية.

خلال سبع مناظرات أقيمت حتى الآن أظهر المشاركون، بدرجات متفاوتة، قدراتهم على الإقناع. وإلى جانب المناظرة نفسها، وضع القائمون على النشاط معيارا لقياس مستوى المناظرات ويتمثل في إجراء استطلاع لرأي الجمهور قبل المناظرة، وآخر بعدها لقياس التأثير وقدرة المتناظرين على تغيير الرأي العام تجاه القضايا المطروحة. وقد ظهر أثر هذه المناظرات في الحضور الجماهيري اللافت، كما ظهر في التفاعل الإيجابي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتغطية الإعلامية للنشاط من وسائل الإعلام المحلية المرئية والمقروءة، والمقالات التي كتبها صحفيون وإعلاميون ومثقفون يمنيون عن هذه المناظرات بعد إقامتها.

تجارب شبابية في المناظرة

الصورة بإذن من مؤسسة البيسمنت

تقول سارة العفيف “عرفت مؤسسة بيسمنت عن طريق موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك. وكنت متحمسة للمشاركة في أنشطة المؤسسة خصوصا في المناظرات، فأنا أحب أن أشارك بخصوص بعض قضايا المجتمع اليمني المحلي. ولدي نظرة نقدية لطريقة تقديم الإعلام العالمي لقضايا المجتمع اليمني وهمومه ومشاكله. ومن خلال مساهمات الآخرين أتيح لي أن أرى المجتمع أمامي مباشرة. لقد كانت تجربتي في هذا النشاط مدخلاً جديداً في حياتي وإضافة فريدة وممتعة.  لقد زادت مهاراتي في التعبير، وفي تقييم الأفكار المختلفة، فلا ينبغي للمرء أن يحصر نفسه في فكرة محددة أو زاوية معينة، أو حالة ما”. وتضيف: “لقد قامت مؤسسة بيسمنت بإنتاج دليل مناظرات جديد يختلف عن أدلة المناظرات الموجودة في دول المنطقة ويخرج بحلول للثغرات الموجودة في الدليل القطري للمناظرات”.

قادت شيماء بركات، 22 عاما، تيسير مناظرة “هل الفن ترف أم أولوية؟” التي أقيمت في 13 مايو 2017، حين كانت ما تزال طالبة في كلية الإذاعة والتلفزيون في جامعة العلوم والتكنلوجيا، كما شاركت في مسابقات دولية في مجال المناظرات. تقول: “كانت تجربتي في بيسمنت مختلفة جداً، فتلك هي المرة الأولى التي أكون مقدمة أو ميسرة لمناظرة، وكشخص اعتاد دائما أن يكون طرفا في المناظرات، فإنه من الممتع أن يجد نفسه ذات يوم في موضع محايد”. وتضيف: “في هذه التجربة الجديدة كنت أحاول أن أجعل كل فريق يوصل وجهة نظره للجمهور دون أي تدخل مني أو من شخص آخر. لقد تعلمت كيف أحتوي الآراء المتضادة دون أن أنحاز لأي منها”.

ما الذي يميز مناظرات البيسمنت؟

تتميز المناظرات التي تقيمها مؤسسة بيسمنت باتباعها أسلوب مبتكر يختلف عن أساليب أخرى معهودة. فهي تُسبق ببرنامج تدريب مكثف يتلقاه المشاركون، ويكون من شأنه معالجة جوانب أساسية مختلفة، مثل: طبيعة المحتوى المطروح للنقاش وعلاقته بالمجتمع، والمهارات والاستراتيجيات الخطابية في المناظرات، وآليات البحث والحصول على المعلومات، ومهارات تيسير المناظرات، إلى جانب مباديء لغة الجسد وآليات التأثير على الخصم والجمهور في آن واحد، واستخدام الزمان والفضاء المكاني. كما تقدم إلى جانب المناظرة الجماهيرية مواد إعلامية تعزز النقاش وتساعد على تكوين رأي حول القضية، كنشر مقالات تتناول الموضوع على صفحة المؤسسة على الفيسبوك، وإعداد فيديوهات قصيرة تعرض جانبي الأطروحة وإشكالياتهما.

الصورة بإذن من مؤسسة البيسمنت

تتميز المناظرات التي تقدمها بيسمنت بالبساطة والابتعاد عن التعقيد في الأسلوب واللغة المستخدمة. ويعتبر الجمهور هو المحكم في هذه المناظرات، حيث تحسم النتيجة بناء على تصويت الجمهور لا على لجنة تحكيم. وقد تطور هذا الأسلوب إلى الحال التي هو عليها الآن نتيجة لتراكم خبرة تدريب وتيسير المناظرات التي اعتادت المؤسسة على تنفيذها خلال سبع سنوات؛ أي قبل إنشاء مشروع فضاءات الخاص بالمناظرات. لتصدر مؤسسة بيسمنت الثقافية مع نهاية العام المنصرم دليل عمل المناظرات الذي يشرح آلية تنفيذ المناظرات والذي يمكن الحصول على نسخة منه على موقع المؤسسة.

التحضير للمناظرات

بعد نشر إعلان عام للأطروحة المراد مناقشتها، مرفق باستمارة تقديم عبر الإنترنت، تقوم مؤسسة بيسمنت باختيار أفضل المتقدمين وإجراء مقابلات خاصة معهم. بعد ذلك يتم اختيار ثمانية أشخاص للتدريب لمدة شهر على آليات المناظرة وفق الأسلوب المتبع في بيسمنت. يضم التدريب أيضا ورش تدريب في فنون الإلقاء ومهارات المناظرة وآليات البحث عن المعلومات عبر الإنترنت. كما يحصل المشاركون في التدريب على بحث مبسط من ثلاث صفحات يوضح تاريخ وإشكالية الأطروحة المراد مناقشتها، ويضم بعض المعلومات والأرقام التي قد يحتاجها المشاركون. ولتهيئة الجمهور لموضوع المناظرة يتم نشر مقالات عن جانبي الأطروحة (المؤيد، والمعارض) يكتبها مهتمون ومتخصصون في موضوع الأطروحة، و تنشر في صفحة المؤسسة على موقع فيس بوك وفي موقع المؤسسة.

عند الدخول إلى قاعة المناظرة يدلي الجمهور بصوته ويختار أحد الآراء التي تمثل الأطروحة (مع أو ضد). ثم تبدأ المناظرة بعرض وجهات نظر الفريقين، وتقديم الحجج لإثبات مواقفهما، ثم الرد على حجج الفريق الآخر وتفنيد حججه، ثم تقديم خطاب الرد الذي يوضح خلاصة ما انتهى إليه النقاش. وخلال هذا التنقل في التفنيد بين الفريقين يشارك الجمهور مرتين بطرح الأسئلة. وفي النهاية يجرى تصويت آخر لمعرفة التغير في رأي الجمهور بعد انتهاء المناظرة. ويقرر الفريق الفائز عبر نسبة الأصوات التي استطاع تغييرها لصالحه. تسبق هذه المناظرات ورش ودورات تدريبية تستهدف قرابة ستين مشاركاً من جميع الفئات العمرية، مع ايلاء اهتمام خاص لضمان تنوع قناعاتهم الفكرية والسياسية وتعدد خلفياتهم العلمية والاجتماعية. ينتمي هؤلاء إلى مناطق ومستويات اجتماعية مختلفة تتنوع بين الريف والحضر. ويتم اختيار المشاركين بناء على استمارة مشاركة يظهر فيها هذا الاختلاف.

بهذا الزخم وتفاعلاته يأمل القائمون على المشروع أن ينطلق الشباب اليمني نحو ابتكار حلول للإشكاليات المعقدة في واقعه الحاضر وفي ظل الصراع المستمر وانعدام الاستقرار. إنه أمل وعمل من أجل خلق مستقبل أفضل قائم على الحوار الحر العقلاني المتعدد والمتنوع تنوع اليمن.

وليد الحرازي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى