This post is also available in: English (الإنجليزية)
منذ 2011م تصاعد استخدام اليمنيين لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ، وأصبحت أحد أهم وسائل التحشيد والاستقطاب السياسي في البلد الذي كان يشهد انتفاضة شعبية واسعة ضد نظام استمر لأكثر من ثلاثة عقود. لهذا بدأت فصائل سياسية منظمة خلق حسابات مزورة، بعضها تظهر طبيعتها المستعارة من خلال اسم الحساب غير الشخصي، وبعضها أسماء حسابات تبدو شخصية وبصور شخصية أحياناً وكان لها نشاط ملحوظ، ومع مرور الوقت يكتشف المستخدمون أنه حساب لشخصيات وهمية.
أهمية هذه الحسابات أنها لشخصيات تسعى للتأثير ونشر الأخبار لكن خلفياتها غير معروفة، فهي عادةً أسماء شخصية بلا ألقاب عائلية فبالتالي لا خلفية مناطقية لها ولا خلفية سياسية معروفة، مما يعطي انطباعاً أولياً بالحياد وبالتالي تكتسب ثقة الجمهور. اللافت في هذه الحسابات هو كثرة استخدام الأسماء النسوية، وهو أمر له علاقة بالجاذبية التي تتمتع بها المرأة مما يشجع الكثيرين على المتابعة خاصة مع تصاعد دور المرأة السياسي في تلك المرحلة، هذا غير أن حساب المرأة قد يعني احتمالية التعرف وإقامة علاقة مسلية ولو إلكترونية مع فتاة.
في ذات الوقت ظهرت وبشكل محدود حسابات يهودية ذات رسائل سياسية، معظمها موالي للرئيس السابق صالح مثل صفحة يهود اليمن والتي أعيد إطلاقها في ديسمبر 2016، جدير بالذكر أن اليهود خرجوا ضمن مظاهرات في 2011م مؤيدة لصالح[i]، وهذا أمر مفهوم لأقلية متناهية الصغر، يسهل إثارة مخاوفها، بعد تعرضها للتهجير لخارج اليمن عند تأسس دولة إسرائيل في 1948 ثم تهجيرها داخلياً بعد اندلاع حروب صعده في 2004م.[ii]
الحسابات التي ظهرت في 2011 معظمها اختفى، لكن ظاهرة الصفحات اليهودية في الفيسبوك لم تنته بل وانتقلت تلك الظاهرة لتويتر الذي تزايدت شعبيته في أوساط اليمنيين مؤخراً إثر شن بعض الناشطين حملة إليكترونية ضد الإمارات بعد ما راجت فكرة أن فضاء تويتر مفتوح وبالتالي فمهاجمة الإمارات من خلاله سوف تصل للعالم بعكس الفيسبوك الذي احتكر طويلاً المنصات الاجتماعية في اليمن ولا يزال المنصة المفضلة لليمنيين. للحسابات اليهودية دلالة مختلفة عن الحسابات النسوية وهي ظاهرة تستحق المتابعة لأنها تجد شعبية واسعة معبرة عن حالة عاطفية وسياسية خاصة.
اليهود بالفيسبوك وتويتر
بالبداية ظهرت صفحات متخصصة أو متحدثة باسم يهود اليمن بعد 2011م، بعضها اختفى، لنشهد موجة جديدة من الصفحات في 2014 أواخر المرحلة الانتقالية، أبرز هذه الصفحات أربعة، أقدمها صحفة “يهود اليمن في إسرائيل” وعدد متابعيها ومعجبيها قليل لا يتجاوز العشرين ألفا بكثير رغم أنها تأسست في 12 اكتوبر 2012 وهي صفحة لم تكن معنية سوى بعرض صور وأغانِ عن يهود اليمن، لكنها توقفت عن بث أي جديد منذ السابع من يناير 2017، وكان آخر منشور بالصفحة يعبر عن حزنه لحالة الاقتتال والحرب التي وصلها اليمن.[iii]
يليها صفحة “يهود اليمن الماضي والحاضر” التي تأسست في 19 مارس 2014م وكلها صور وفيديوهات عن اليمن عامة دون تعليق، وعدد المتابعين والمعجبين يتجاوز قليلاً الـ150 ألفا[iv]، ثم صفحة “أغاني يهود اليمن الشعبية (الفن الأصيل)” التي تأسست في 26 أكتوبر 2014م، وصاحبة أكبر عدد من المتابعين والمعجبين متجاوزة 230 ألف متابع وهو رقم ضخم بالنسبة للصفحات اليمنية العامة[v]، والصفحة لا تبث سوى أغاني معظمها يهودي. أخيراً صفحة “يهود اليمن” تأسست في 1 ديسمبر 2016م وعدد المتابعين والمعجبين يصل لسبعين ألفا وهي الصفحة الوحيدة التي لها توجهات سياسية ولها منشورات سياسية تجاهر بولائها للرئيس السابق علي عبدالله صالح[vi]. إجمالاً هذه الصفحات تعدّ نسبة متابعتها عالية قياساً بأعداد المعجبين والمتابعين للصفحات اليمنية والتي لا تتجاوز العشرة آلاف إلا فيما ندر، خاصة لو لم تكن صفحات خبرية.
في حالة الفيسبوك يغلب على الحسابات اليهودية الطابع الفني والفولكلوري، صور وموسيقى دون سياسة، أما في تويتر حيث تقل أعداد اليمنيين، وتختلف فيها نوعياً ظاهرة الحسابات اليهودية، فهي مسيسة جداً وهناك حسابان شهيران وبنسب متابعة عالية رغم حداثتهما النسبية.
حسابات الشخصيات اليمنية العامة أو المنخرطة في المجال العام لا تتجاوز عشرات آلاف من المتابعين وقد تصل أو تقترب من أربعمئة الف في حالة حسابات بعض الشخصيات الفاعلة مثل هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي أو رئيس الوزراء السابق بن دغر أو المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام ثم أكثر قليلاً من 200 ألف لحساب رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك سعيد، هناك أيضاً شخصيات عامة يشاع أنها اشترت متابعين حيث يقفز عدد المتابعين فجأة لنصف مليون أو مليون وهي أرقام مبالغ فيها جداً نظراً لقلة اليمنيين في تويتر وقلة أعداد المهتمين بالشأن اليمني .
حسابان شهيران ليهود اليمن في تويتر أحدهما لحساب عاموس قباص آل سالم، تأسس في اغسطس 2019 وعدد متابعيه 69 ألفا وهو رقم كبير لقلة أعداد اليمنيين في تويتر وحداثة الحساب، والحساب التالي لامرأة هذه المرة وهي روزان قباص آل سالم وتأسس في سبتمبر 2019 وعدد المتابعين يتجاوز قليلاً الخمسة وخمسين ألفا، ومن الملاحظ أن كنية آل سالم شهيرة بين يهود اليمن وكلاهما يشتركان في اسم الوالد مع فارق أن أحدهما رجل وآخر امرأة، وعموما مضمون الحسابين وتوجهاتهما السياسية لا يختلفان كثيراً.
على عكس حسابات اليهود في الفيسبوك، هذان الحسابان مسيسان بشدة، رغم أنهما يتسمان بالسخرية والمرح، ويكادان يخلوان من الأنماط التقليدية للحسابات اليهودية مثل الأغاني والصور، صور قليلة ليهود نشرها حساب عاموس قباص ربما لإضفاء شيء من المصداقية للحساب.
حساب عاموس يعرف نفسه بصفته يمني تسكنه اليمن أما روزان فهي ملازم بالجيش الإسرائيلي، يمنية الهوى وعربية الانتماء وسبئية الرؤى. كلا الحسابين بتوجهات سياسية متشابهة تهاجم التحالف وبالأخص الإمارات وكذلك الحوثيين والمجلس الانتقالي وبعض أطراف الحكومة، يُستثنى من النقد حزب الإصلاح والرئيس هادي وعادة تذكر تركيا بشكل إيجابي بدون حديث عن قطر.
من اللافت أن أحدا منهما لا يتحدث عن حياته بإسرائيل أو عن كونه يهوديا بل إن روزان آل سالم تدافع عن الإسلام السني وتتهم الإمارات باستهدافه. السؤال الأهم، لماذا رغم وضوح تزوير الشخصيتين يلقى هذان الحسابان كل تلك الشعبية؟ ولماذا اتجه البعض للتستر وراء أسماء يهودية معروفة لتوجيه رسائله السياسية؟
لماذا الأسماء اليهودية؟
جاءت موجة الحسابات اليهودية والإقبال عليها ضمن تكاثر الحديث عن الهوية اليمنية التاريخية قبل الإسلام منذ 2011م وكبرت هذه الظاهرة بعد سيطرة الحوثي على السلطة في أغلب ما كان يعرف باليمن الشمالي، فقبل دخول اليمن الإسلام كانت اليمن يهودية في معظمها، وهذا جزء من الحديث عن الهوية الحضارية اليمنية السابقة للإسلام ومن ثم الإمامة، يتمثل هذا التيار بصورة أخرى في مجموعة “الأقيال” وهي تسمية ملوك اليمن الحميريين القدماء، والتي لها صفحات عامة في الفيسبوك ويروج لها بعض الكتاب والناشطين اليمنيين وهي فكرة تلقى رواجاً مؤخراً.
في هذا الإطار يأتي الحديث عن اليهود باليمن بصفتهم سكان اليمن الأصليين في وجه غزاة من قريش وهم “الهاشميين” ومعهم مشروع الإمامة، هكذا سرد تاريخي صار له شعبية بعد الحرب، فهو خطاب موجه ضد الحوثيين بدرجة أساسية، فالحوثيون -بحسب هذه السردية- يمثلون يمنيين غير أصليين وهم الهاشميون، وقريش التي ينتمي لها الهاشميون تعد من عرب الشمال بينما يعتبر اليمنيون أنفسهم عرب الجنوب.
كذلك فقد استهدف الحوثيون اليهود في شعارهم وطردوهم من صعدة لينتقلوا للعيش في صنعاء، ثم أول ما استولوا على صنعاء تم طرد اليهود مجدداً وهذه المرة إلى خارج اليمن.[vii]
في هذا الإطار، هناك هجوم ضمني لهوية اليمن الإسلامية حيث يعتبر الكثيرون من المنتمين إلى هذه الحركة وبعض المثقفين اليمنيين الإسلام نقطة تحول تاريخي نقلت اليمن من مركز حضاري أساسي في الجزيرة لجزء هامشي في الحضارة الإسلامية.
أزمة الهوية والحنين إلى الماضي يعدان عاملين أساسيين في هذا التعاطي الإيجابي مع اليهود باليمن، فاليهود كانوا أسفل السلم الاجتماعي اليمني الذي كان يعتلي قمته الهاشميون ثم القضاة وشيوخ القبائل، وفي العرف الاجتماعي كان وصف شخص ب “يهودي” أو “ابن يهودي” تعد شتيمة في إشارة للبخل أو اللؤم.
لاتزال الصورة النمطية السلبية لليهود كامنة في الوجدان حتى في حالة التوجه الايجابي نحوهم، فلأن اليهودي معيارا للأسوأ تأتي تعليقات كثيرة على شاكلة “حتى اليهودي يحب بلده التي طردته وعاملته بعنصرية”، “حتى اليهودي يرفض ما يقبله بعض المسلمين مثل استيلاء اسرائيل على القدس”، أو “تشبيه الحوثيين باليهود لأنهم ينقضون المواثيق والعهود” أو “يتصرفون بعدم ثقة مع الآخرين”، فهنا يكون التعليق، “حتى اليهودي أفضل من الحوثي”.
كذلك الحسابات اليهودية تفترض الحياد في صراع مذهبي، فمن السهل مهاجمة هذا أو ذاك بحجة إنه طائفي أو حزبي. التنميط المسبق من خلال الاسم أحد إشكاليات التواصل بين اليمنيين، فمعظم اليمنيين لا يستطيعون التعاطي مع أي طرح سياسي بمعزل عن دلالات اسم كاتبه.
الظاهرة أيضاً لا تخلو من بعض التطبيع المستتر مع الدولة الإسرائيلية، فمن منظور أن الأولوية هي محاربة إيران أو أن اليمن لم يدمرها سوى تدخلات الدول المسلمة وليس اسرائيل، أو من باب افتراض أن مشكلة اليمن الطائفية والمسلمين فقط، أو نتيجة الشعور أنه لم يكترث أحد بحرب اليمن رغم دعم اليمنيين لكل القضايا العربية، لهذا يتقبل الكثيرون حساب مثل روزان آل سالم التي عرفت نفسها بفجاجة كملازم في الجيش الإسرائيلي، وهذا يعد تحولاً كبيراً في وعي اليمنيين الذين كانوا دائماً أكثر الناس حماساً للقضية الفلسطينية.
هذا يستدعي الجدل الذي ثار مسبقاً حول مشاركة فنان يمني يهودي – اسرائيلي “زيون جولان” في إحياء حفل زفاف لأحد اقارب الرئيس السابق صالح في العاصمة الأردنية عمان وتعرض الفنان حسين محب الذي شاركه الحفل لهجوم واسع إضافة للأسرة صاحبة الحفل، حيث اعتبر كثير من اليمنيين هذا شكل من أشكال التطبيع الناعم وغير المقبول حتى لو كانت أصول الفنان يمنية فهو إسرائيلي بينما دافع عنه آخرون قائلين إنه يمني وليس مسؤول عن تهجيره خارج اليمن وكل أغانيه مرتبطة باليمن وتراثها، وإن الحملة يقف وراءها الحوثيون الذين “يعادون كل ما هو يمني” [viii].
لا يمكن فصل ظاهرة الحسابات اليهودية عن أسئلة الهوية اليمنية التي أثارتها الحرب والتي لم تحسم حتى الآن ومازالت محل نقاش وجدل وهذا طبيعي في فترة الحروب والصراعات الأهلية. وهي ليست ظاهرة بعيدة عن محاولة الفصائل السياسية البحث عن منصات يفترض فيها الحياد ويسهل عن طريقها اكتساب شعبية لها كما إنها ضمن موجة جديدة تقلل من خطورة إسرائيل لصالح تعاظم خطر أطراف أخرى داخلية وإقليمية، وكسابقاتها في 2011 من المتوقع أن تندثر هذه الحسابات بمجرد انتهاء وظيفتها أو تراجع شعبيتها.
ميساء شجاع الدين كاتبة وباحثة غير مقيمة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، كتبت لجهات عديدة مثل المونيتور وكارنيغي والعربي الجديد والجزيرة وجدلية وdemocracy now و Atlantic council.
[i] https://www.ye1.org/forum/threads/590569/
[ii] https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/3/21/%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D9%86%D9%82%D9%84-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84
[iii] https://www.facebook.com/yamenasraiyl/
[iv] https://www.facebook.com/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1-1479377422285644/
[v] https://www.facebook.com/MusiJewsYemen/
[vi] https://www.facebook.com/jewsofyemen2/
[vii] https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/3/21/تهجير-يهود-اليمن-نقل-آخر-الراغبين-بالمغادرة-إلى-إسرائيل