This post is also available in: English (الإنجليزية)
يمثل باب المندب رابع أهم ممر مائي في تجارة النفط؛ إذ تمر عبره 7% من هذه التجارة. وهو، إلى جانب ذلك، عمود فقري في التجارة العالمية؛ إذ تمر به في السنة 21 ألف قطعة بحرية.
وككل الأسماء العتيقة، لا يوجد إجماع حول تسمية هذا الباب الجنوبي للبحر الأحمر بالمندِب. فتتعدد الأساطير حوله لكنها تجمع على البكاء والندّب إما لجنوح السفن أو لفقدان وفراق الأهل بالنسبة لمن كانوا يقعون ضحية لتجارة للعبيد.
عين هذا المضيق وهي جزيرة ميون أو جزيرة بريم، هي الأخرى، مثيرة للفضول. إذ تفصل المضيق الى ممرين إسكندر من جهة الشرق وميون من جهة الغرب نحو جيبوتي. في طرفها الجنوبي الغربي يقع ميناء طبيعي هو دكة الميون. واشتقاق اسم المكان هذا في اللغة العربية على وزن مِفعال من الفعل ونى أي فترّ[1] يقصد بذلك المكان الذي تفتر فيه الرياح. فإن تسمية الجزيرة بـ “ميون” يظل مجهولاً سيما ولا يرد اسم ميون في النقوش اليمنية القديمة بينما لفظة بريم هي لفظة اجنبية.
الشيخ في الحكاية
من ضريح متواضع لشيخ صوفي يدعى الشيخ سعيد أخذ القرن البركاني في أقصى جنوب غرب اليمن على باب المندب اسمه. يرد اسم الجزيرة باسم جزيرة الشيخ سعيد في كتاب ملوك العرب للريحاني. في عام 1868 سعى تاجر ودبلوماسي فرنسي من مارسيليا لشراء هذه الأرض ليقيم عليها مستعمرة فرنسية وميناء موازيًا لـ عدن. فاشترى من شيوخ المنطقة أرضاً تقدّر بمسير ست ساعات على شكل قوس. لكن الصفقة، من ناحية، ستواجه رفض العثمانيين المسيطرين على ميناء المخا شمالاً. ومن ناحية أخرى، ستؤول إلى صدام مع البريطانيين المستقرين في عدن منذ 1839، ولن تتم.
يطلق اليوم في الخرائط اليمنية الحديثة على الشيخ سعيد اسم “راس منهالي” وهو النقطة الشرقية من باب المندب وبعده بثلاثة كليو مترات من الماء يتشكل ممر”باب إسكندر” بعمق 30 متراً، ثم تأتي جزيرة ميون البركانية القاحلة بطول يقارب 5 كليو مترات على شكل هلامي. اتخذت الجزيرة اسمها من دكَّة المَيَّون؛ ميناء على خليج من الجهة غرب الجنوبية من الجزيرة. ويردّ أحياناً بالخطأ باسم دَقَّة الميون والأصح دكة لأن دكة لفظة عربية صحيحة وتعني الأرض المستوية أو ما يجلس عليه ومنها دكة المُعلّا في ميناء عدن.
وبعد الميون غرباً امتداد بحري هو الأعمق وهو الممر الدولي أي ممر باب المندب بطول 26 كليو مترا وحتى اليابسة من إقليم أُبُخ أو أوبوك. تقع “” في البلاد التي سيتحول اسمها كثيراً في قرنين من ولاية “عدل” إلى “إقليم العفر” و”العيسى” بعد أن استولى عليه الفرنسيون عام 1862 أو الصومال الفرنسية حتى تصبح دول جيبوتي أو جمهورية جابوتي، عربية إفريقية منذ 1977.
التشابه المفصول
باب المندب إذًا هو حلقة الوصل بين جزيرة العرب والقرن الإفريقي وهو نقطة تنازع بين القوى الطامعة إلى السيطرة على طرق التجارة وممراتها البحرية.
وضفتا البحر في باب المندب لا تختلفان عن بعضهما في خصائصهما الجغرافية حيث صعوبة الحياة في منطقة شديدة الحرارة والرطوبة نادرة والأمطار شديدة الرياح ولانعدام الكلاء وندرة الماء العذب والأرض البركانية الجاحدة كما وصفها هنري دي مونفريد[2].
لصعوبة المناخ في باب المندب على الضفتين، نجد أن الموانئ التاريخية والتجمعات السكنية كانت أبعد منه قليلا. شمالاً، نجد ميناء المخا في الشرق يقابله ميناء مصوع في الغرب ويتصلان بالهضاب ويشكلان شريان حيوي لها. كما ميناء في الجنوب ميناء عدن شرقاً وميناء تاجورة وميناء زيلع غرباً.
وستكون الجزر الواقعة شمال باب المندب محطات مهمة في كل مرحلة تاريخية. من هذه الجزر جزيرة “قمران” التي صارت “كمران” و”أرخبيل دهلك” و”أرخبيل حنيش”. كانت قمران مقراً لحاميات عثمانية ثم انجليزية كما كانت من محطات رحلة الملكة إليزابيث خلال شهر العسل في بداية القرن المنصرم. استخدمت الجزيرة لفترات طويلة محجراً صحياً للحجاج القادمين بحراً من الشرق الآسيوي.
الموقع الجغرافي
يقع مضيق باب المندب في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر. وهو مضيق طبيعي لا يزيد عن 32 كليو متر تشكّل بسبب تباعد كتلتي جنوب الجزيرة العربية عن كتلة شرق أفريقيا نتيجة لتصدع الأخدود السوري الأفريقي في حقبة زمنية غابرة. إلا أن المفهوم الجغرافي لباب المندب هو المسافة التي تقع من المضيق 150 كيلو شمالاً وتتصل بخليج عدن جنوباً وبذلك تضم أربع دول مطلة عليه هي اليمن جهة الشرق والصومال وجيبوتي من الجنوب والجنوب الغربي وإريتريا من جهة الغرب.
قبل الحديث عن باب المندب وخصائصه ودوره في ربط حضاري هام بين جنوب غرب آسيا وإفريقيا ثم أهميته الجيواستراتيجية سنعرج على البحر الأحمر لاتصاله العضوي بهذا البحر.
البحر الإرتيري ولغز التاريخ
يرد اسم البحر الأحمر في المصادر الإغريقية بمفردة إريتري أي الأحمر وقد يكون الأحمر مرادفاً للجنوب على عكس الأسود مرادفاً للشمال بحسب الألوان في البوصلة القديمة الملونة. بينما اتخذ البحر الأحمر أحياناً اسم بحر القلزم نسبة إلى قلزم السويس.
إلى جانب طريق التجارة البرية، امخرت على البحر الأحمر القوارب والجَلَبَات والأفلاك تحمل معها الفلافل والتوابل والقرفة والحرير والزمرد والمُر وكل ما يجلب من أرض اليمن وظفار أو الصومال أو ما يأتي من البعيد من الهند وشرق آسيا نحو مصر أو المتوسط، لكنها أيضاً جلبت العبيد والأبنوس وأخشاب أخرى إلى أرض العرب.
من أكثر الأشياء صدقًا هي التبادل التجاري والحضاري بين شعوب ضفتي البحر الأحمر إلى درجة يمكن تخيل أن التاريخ أنتج شعباً واحداً في ضفتين يقتسم الأسطورة والأمجاد ويتنازع عليهما أيضاً كما هو الحال مع إسطورة الملكة بلقيس. لقد عبرت الأديان واللغات والسلع البحر في الاتجاهين.
ولا يبدو أن هنالك نقوشاً ومصادر تاريخية من جنوب الجزيرة العربية أو من الضفة الشرقية لأفريقيا معروفة حتى الآن تتناول البحر الأحمر ومضيق باب المندب في تاريخ التبادل والتلاقي الحضاري بين الضفتين. وهو لغز محير سيما وهناك لُقى اثرية ومسلّات كبيرة الحجم في الأكسوم (الضفة الأفريقية) مكتوبة بخط المسند وهو خط لغات جنوب الجزيرة العربية التاريخي أو نصوص ميناء “عدوليس” في أريتريا[3]. فضلاً عن نقوش أثرية في اليمن ونجران تتناول تاريخ الأحباش في هذه المنطقة. وإذا كان فجر الاسلام قد ارتبط بأرض الحبش كملاذ للمؤمنين إلا أنها سردية جغرافيتها البرّ ولا تقدم الكثير عن البحر. لذا فإن التاريخ المدّون هو تاريخ برَّي أكثر من اهتمامه بالبحر.
وعلى صعيدِ أكبر كان البحر الأحمر موضع اهتمام كبير في التجارة العالمية بين الإمبراطوريات التاريخية[4]. فكل إمبراطورية وجهت أنظارها نحو البحر الأحمر لتصل سفنها إلى بحر العرب والمحيط الهندي والخليج العربي وعملت على السيطرة عليه تجاريًا وعسكريًا منذ عصور الدولة المصرية القديمة حتى الإغريق ثم البطالمة ثم الرومان. وإن كانت بعض الدراسات التاريخية غير مقتنعة بوجود لُقى أثرية فرعونية في دملون في البحرين[5].
لقد كان البحر الأحمر بحيرة شبه مغلقة على الشعوب من حواليه لعدم اتصاله بالبحر الأبيض المتوسط ولحرص الإمبراطوريات المحيطة به على عدم السماح
لسفن الهند والصين من النفاذ إليه لتتربع عدن والسويس على منافذ البضائع[6]. وإن كانت قناة فرعونية هي قناة وادي الطميلات ربطت شمال البحر الأحمر بمياه النيل في عهود متلاحقة منذ الألفية الثانية قبل الميلاد وحتى الملك نخاو في 600 قبل الميلاد وكذلك في العهد الإسلامي. وكلما شقت القناة ردمها الإهمال حتى ردمها الخديوي إسماعيل نهائياً بعد ثلاثين عاماً من افتتاح قناة السويس.
في عهد أسرة المينغ الصينية كان البحر الأحمر ينتظر موعدًا لأهميته الاستراتيجية مع الشرق مع زيارة الأدميرال الصيني “تشنغ خه” (1405- 1433) المنحدر من عائلة صينية مسلمة[7] ويطلق عليه المسلمون اسم “حجي محمود شمس”. دخل هذا الأدميرال موانئ البحر الأحمر وأرسى سفنه في جدة وذهب نفر من أعوانه المسلمين لزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة في رحلة استكشافية. في تلك الفترة ولد البحار العربي الشهير ابن ماجد الذي وضع أسس معرفية للإبحار في البحور العربية والمحيط الهندي. كانت هذه المعارف هي الأغنى ولحظة أوج امتلاك العرب والمسلمين لزمام البحر والإبحار. والعجيب أن ابن ماجد لم يكن محباً للبحر الأحمر؛ فقد وصفه بـ”أوسخ البحور” ويقصد بالأوساخ الشعاب المرجانية التي تعيث بالإبحار[8].
ومع حضور البرتغاليين في المحيط الهندي في القرن الخامس عشر انتهت هيمنة العرب على التجارة البحرية وتراجعت أهمية باب المندب ومعه البحر الأحمر نتيجة اكتشاف طريق بديل هو طريق الرجاء الصالح.
تضاعف هذا الخفوت حين سارع العثمانيون إلى التمركز عند حلق باب المندب في الضفتين واغلاق البحر الأحمر في وجه السفن الأوروبية ومنها البرتغالية خشية على الأماكن المقدسة. وهكذا تحول البحر الأحمر إلى بحيرة أمنية عثمانية خالصة حتى ضعفت الإمبراطورية العثمانية ليتمكن الإنجليز والفرنسيين من احتلال من مصر وباب المندب.
عاود باب المندب أهميته مع افتتاح قناة السويس وتحول الى شريان بحري تجاري مهم. وقد ضاعف من ذلك الفترة النفطية التي جعلت منطقة الخليج العربي في قلب الأهمية الاستراتيجية للطاقة في العالم حتى اليوم.
محطات من الصراع ومحاولة الهيمنة
أفرط المماليك في احتكار السلع التي يطلبها الأوروبيون ورفعوا من قيمتها. كانت هذه السلع تأتي من جنوب البحر الأحمر أو عبره، وقد كان هذا سبباً في دفع الأوربيين إلى البحث عن طريق جديد واكتشاف رأس الرجاء الصالح مع نهاية القرن الخامس عشر لينتج عنه حرمان العرب والمماليك من الاستفادة من البحر الأحمر.
في بداية القرن السادس عشر الميلادي هاجم البرتغاليون سفن العرب وأغرقوها وأقاموا أساطيلهم عند مدخل البحر الأحمر في باب المندب. أطلق الغازي والقائد البحري البرتغالي ألفونسو دي ألبوكيرك سنة 1513 على الجزيرة اسم فيرا كروزو Vera Cruzوالكلمة من أصل لاتيني وتعني حرفياً ” بقايا الصليب الحق”. غير أن إقامتهم عليها لم تدم طويلاً لصعوبة الحياة عليها بسبب قسوة المناخ وانعدام الماء ليعود البحر الأحمر بحيرة مملوكية أو عثمانية. في حقيقة الأمر، عمل العثمانيون على إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن الأوروبية خشية على الأماكن المقدسة طيلة قرون.
إلا أن شركة الهند الشرقية البريطانية وضعت حامية على جزيرة ميون عام 1799 لمنع الفرنسيين من الوصول إلى المحيط الهندي، ورفعت حاميتها لعجز المدافع عن استهداف السفن التي تعبر الضفة الغربية من باب المندب.
ومع العام 1839 استولى الإنجليز على عدن وعلى البحر الأحمر، ثم استقروا في قلب جنوب البحر الأحمر في جزيرة كمران (قمران)، ووضعوا مفرزة على باب المندب في جزيرة ميون عام 1857 وانشأوا فيها فناراً انتهى العمل عليه عام 1861، واستخدموا الجزيرة محطة لتزويد السفن بالفحم حتى استبدل الفحم بالجازولين[9]. وبعدهم بأكثر من عشرين عاماً استولى الفرنسيون على شاطئ أوبوك الذي صارا لاحقاً جيبوتي. وكان الفرنسيون قد حاولوا عبر تاجر شراء الشيخ سعيد في الجهة اليمنية من مضيق باب المندب في صفقة لم تتم. كما اوضحنا أعلاه.
وبعدهم بثلاثين سنة استولى الايطاليون على ميناء عصب الاثيوبي آنذاك في عام 1869 وهو العام الذي شهد افتتاح قناة السويس. وهكذا أصبح باب المندب ساحة لتنافس القوى الأوروبية وموقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية.
لكن كل هذا لم يمنع أن تكون جزيرة ميون ملاذاً لأعمال القرصنة التي انتشرت في البحر الأحمر حتى بداية القرن العشرين بعد أن تعهد الامام يحيى ملك اليمن بمكافحة نشاط القراصنة الزرانيق مقابل مصالح يضمنها له الإيطاليون المسيطرون على الصفقة الافريقية من جنوب البحر الأحمر.
في النصف الثاني من القرن العشرين خرجت بريطانيا وإيطاليا من مواقعها الاستعمارية في جنوب البحر الأحمر ليعود باب المندب إلى سيادة الدول المطلة فيما بقت فرنسا في جيبوتي حتى منتصف السبعينيات.
في العصر الحديث، هناك ثلاث أحداث أظهرت أهمية البحر الأحمر استراتيجياً. أولاً الحروب العربية الإسرائيلية وتفجير القوى الاستقلالية الجيبوتية مخازن أسلحة فرنسية في منتصف الخمسينات على إثر هذه الحروب. ثانياً، إغلاق مصر لباب المندب في حربها مع إسرائيل لتتشكل على إثرها استراتيجية أمنية دولية عززتها سياسة أمريكا في محاربة الإرهاب كعامل ثالث. حيث اتخذت الولايات المتحدة الامريكية من جيبوتي موقعاً لحضورها العسكري كانت بطبيعة الحال قد سبقتها إليها فرنسا.
في الوقت الراهن، تحتضن دولة جيبوتي مجموعة قواعد عسكرية دولية تزيد على الست منها قواعد للصين ولليابان التي تتخذ لها حضورًا عسكريًا خارج بلادها لأول مرة. تضطرم الأحداث حول جيبوتي المستقرة والتي أصبحت منصة أمنية هامة للملاحة الدولية. ربطت جيبوتي نجاح استقرارها بالحضور العسكري الدولي على أراضيها لكنها أيضا استفادت من موقعها لتكون نافذة موانئ القرن الافريقي وطورت بنية تحتية ملائمة سبقت غيرها في هذا الجانب.
في الحقيقة استفادت جيبوتي من انغلاق النظام الإريتري عن بيئته الإقليمية ومن اضطراب الأوضاع في الصومال منذ تسعينيات القرن المنصرم رغم أن الصومال تمتلك موانئ مفتوحة على المحيط الهندي.
لكن بابا المندب لم يغب عن الهاجس الأمني. اذ جعلت أعمال القرصنة في خليج عدن باب المندب وخليج عدن مكانا مزدحماً بالقطع العسكرية الدولية لمكافحة هذه الظاهرة وهذا ضاعف من تدويل هذه المنطقة وعسكرتها على درجة عالية.
كما أن الحرب الاهلية الدائرة منذ 2014 في اليمن ضاعفت من مستوى التهديدات الأمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تحديداً الذي تسعى إيران إلى ربطه بمضيق هرمز عبر أعوانها الحوثيين وتستثمره كأداة ضغط لتمرير إرادتها في السيطرة الإقليمية. اشتراك دول الجوار في الخليج في الحرب في اليمن رفع من عسكرة هذه المنطقة وانخراط فاعلين جدد عسكرياً.
وكانت جزيرة ميون واحدة من المواقع العسكرية المهمة التي استولي عليها الحوثيون بداية انتشارهم ثم أخرجهم منها التحالف العربي في أكتوبر 2015 وتم إنشاء قاعدة عسكرية اماراتية في الجزيرة في بداية الأمر[10].
مستقبل باب المندب
يخضع باب المندب ومعه البحر الأحمر برمته الى امتحان مفهوم طرق التجارة الجديد الذي يعمل الصينيون عليها من خلال توفير مسارين؛ بحري وبري. وجود طريق حرير بري يعني منافسة الممر البحري القصير من الشرق الأسيوي الى أوروبا. وبهذا ستتراجع مكانة هذا الممر في طرق التجارة.
فضلا عن أن البحر الأحمر يفتقر لسياسة أمنية موحدة. إذ ينذر انسحاب الأمريكان استراتيجيا[11] من الخليج العربي بترك فراغ استراتيجي وأمنى في البحر الأحمر ينتج عنه ابتداءً غياب مبادرات ناضجة إقليمياً يمكنها النهوض بالمهمة. إذ تظهر مبادرات عديدة دون انسجام ولا تحضير مناسب. بالإضافة إلى أن تهافت القوى الاقليمية والدولية الأخرى على تفعيل استراتيجيات أمنية في البحر الأحمر وخليج عدن لا تصب بالضرورة في مصلحة الدول المطلة. ويصعب إقليمياً النهوض بمبادرة أمنية إقليمية خاصة بالبحر الاحمر لأسباب عديدة، نذكر منها اثنين: أولاً: ان إسرائيل التي تمد سيطرتها على مساحة محدودة في شمال البحر الاحمر وتعد إحدى الدول المطلة تمثل أحد بؤر الصراع في المنطقة ويصعب التعاون معها في أمن البحر الأحمر على ضوء معطيات الوقت الراهن.
ثانياً: ان منطقة جنوب البحر الأحمر هي منطقة توتر أمنى واحتراب خصوصاً في المجال الجغرافي اليمني، وبالتالي لا تستطيع هذه الدول المساهمة في تأمين البحر الأحمر والمشاركة في استراتيجية امنية إقليمية؛ بل العكس هو الصحيح. تمثل الحرب في اليمن وسلوك الحوثيين تهديداً في البحر الأحمر. فضلاً عن أن بعض الدول المطلة على البحر الأحمر تعاني من عدم استقرار اقتصادي قد يصل إلى حد الكارثة.
وهكذا بينما يرقد الشيخ سعيد رقدته الأبدية في ضريحه، تتلاطم الأمواج عند أقرب صخرة له بلا نهاية وتضطرم أحوال باب المندب في احتراب وصراع.
مصطفى ناجي باحث ودبلوماسي يمني سابق مقيم في فرنسا
[1] معجم مختار القاموس صفحة (670-671)
[2] Henry de Monfreid, “Journal de bord”, dans Aventures extraordinaires, (1911-1921), Arthaud, 2007, p. 319-320.
[3] انظر، غلين بويرسوك، “عرش عدوليس، حروب البحر الأحمر عشية ظهور الإسلام”، مطابع أكسفورد الجامعية، 2013. كتاب باللغة الإنجليزية يتناول سردية قُزما يرجع إلى كتاب “طواف البحر الأحمر” غير مترجم إلى العربية ظهر في العام 2013 وترجم الى الفرنسية.
Glen Bowersock,The Throne of Adulis: Red Sea Wars on the Eve of Islam, Oxford University Press, 2013.
[4] انظر، حسن صالح شهاب، “أضواء على تاريخ اليمن البحري”، دار العدوة ببيروت، الطبعة الثانية، 1981
[5] جان روجيه، الإبحار في البحر الاريتري في فترة التاريخ القديم، مقال في “الجزيرة العربية وبحورها المتاخمة”، حلقة نقاش أكاديمية 1985-1986، تحت اشراف جان فرانسوا سال، مطابع جامعة ليون، ليون، فرنسا، 1988. (بالفرنسية)
[6] انظر جمال كمال محمود، البحر الأحمر في الاستراتيجيا العثمانية (1517-1801)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، الطبعة الأولى، بيروت، 2019.
[7] The Ming voyages.
http://afe.easia.columbia.edu/special/china_1000ce_mingvoyages.htm
[8] نقلاً عن جمال كمال محمود، البحر الأحمر في الاستراتيجيا العثمانية (1517-1801)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، الطبعة الأولى، بيروت، 2019. والذي يورده عن مقال لـ أحمد طربين، “النظر والتجريب في منهج المعلم أحمد بن ماجد رائد علم الملاحة الفلكية في العصر الحديث”.
[9] Robin Bidwell, Dictionary Of Modern Arab History, Routledge, London and New Youk, 2010. P. 331.
[10] الإمارات تقيم قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية، الجزيرة نت، 23 أكتوبر 2017.
[11] مارك لينش، أوباما والشرق الأوسط :”تحليل الحجم الحقيقي للدور الأمريكي في الشرق الأوسط،” فورين أفيرز، 27 سبتمبر 2015، نقلا عن مصر العربية.