النساء والنوع الاجتماعي

العنف الأسري في اليمن في ظل الحجر الصحي وجائحة كوفيد-١٩

This post is also available in: English (الإنجليزية)

لطالما كانت النساء حول العالم عرضة للعنف النفسي و اللفظي و الجسدي و الجنسي الممارس ضدهن من قبل الرجال  داخل إطار المنزل والأسرة. و مع انتشار جائحة كورونا في كثير من دول العالم تفاقم العنف الأسري جراء الحجر المنزلي ومنع التجوال الذي فرضته الحكومات، و هو الأمر الذي أشارت إليه المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، د/نتاليا كاينم في بيان وضحت فيه أن امرأة بين كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض للعنف من قبل الرجال، و أن ظروف الحجر المنزلي و الإغلاق التام الذي فرضته الكثير من بلدان العالم ساهمت في تفاقم هذه النسب بشكل مكثف و متسارع. أما اليمن، البلد الذي استنزفت سكانه حرب شرسة مستمرة منذ ما يقارب ستة أعوام، فقد اجتمعت فيه ويلات الحرب مع جائحة كورونا لتضاعف من تعرض النساء و الأطفال لأشكال العنف الأسري المختلفة. وقد أفادت كثيرات من النساء اللاتي التقينا بهن أنهن عانين من زيادة العنف الممارس ضدهن من قبل الرجال في نطاق الأسرة،  وهو الأمر الذي انعكس سلباً على صحتهن النفسية و الجسدية و تضاعف شعورهن الدائم بانعدام الأمان.

 

إغلاق مرافق العمل والمدارس والجامعات

العمل الفني لرشاد السامعي

أقرت السلطات في كلٍ من صنعاء وعدن إجراءات احترازية لمواجهة الجائحة، و تضمنت هذه الإجراءات إغلاق المنافذ الجوية والبرية و تقليص عدد الموظفين في القطاعين العام والخاص إضافة إلى إغلاق الجامعات والمدارس والحدائق العامة. كل ذلك حد من الأعمال والأنشطة التي كان أفراد الأسرة يمارسونها في السابق، مما أدى إلى بقائهم في المنزل لفترات طويلة. و ترى الأخصائية النفسية منى الذبحاني أن الشعور بالملل لفترات طويلة دون القدرة على ملء وقت الفراغ بشكل بناء قد يقود إلى فقدان الشعور بمعنى وقيمة الحياة وهو الشعور الذي يمكن أن يفضي إلى الاكتئاب الذي يرافقه القلق النفسي الناجم عن الوضع الاقتصادي الصعب وفقدان مصادر الدخل؛ وذلك أن نسبة لا يستهان بها من الموظفين والأيدي العاملة اليمنية تتقاضى أجرها حسب ساعات وأيام العمل. و في كثير من الحالات استعمل الرجال انعدام الأمن الغذائي والفاقة كحجة لممارسة العنف ضد زوجاتهم، كما كانت الحال مع أمل التي عانت الأمرّين بسبب الجوع وعنف زوجها؛ تقول أمل:  ” مررنا بأزمة اقتصادية خانقة عجزنا خلالها عن توفير متطلبات الحياة الأساسية  عدا الشيء اليسير من الطعام، لكن زوجي كان يزيد من معاناتنا فهو دائم الصراخ ويتهمني بالتقصير، لدرجة أنه يعتدي علي بالضرب المبرح إذا لم أقم بتوفير الطعام ” .

ومن جانب آخر أدى توقف الأطفال عن الدراسة و الأنشطة الترفيهية خارج المنزل، إلى حرمانهم من فرص التنفيس عن طاقاتهم بشكل صحي و بالتالي أصبح المنزل مساحة للعب وإثارة الفوضى في كثير من الحالات. صاحب ذلك توقف كلا أو أحد الوالدين عن العمل بعد أن فرضت الكثير من القطاعات إجازات عمل تماشياً مع إجراءات الحجر الصحي وهو الأمر الذي زاد من احتكاك أفراد الأسرة وخاصة الآباء مع الأطفال لساعات طويلة. أم علاء، كانت من ضمن النساء اللاتي أجبرت هي وزوجها على أخذ إجازة عمل و ما كان من زوجها الذي لم يطق الشغب الذي أحدثه بقاء أطفاله الأربعة في المنزل طوال اليوم إلا أن يجبرها على ضرب الأطفال و توجيه الإهانات اللفظية لها إذا ما امتنعت عن ذلك. كل هذا تسبب في آثار نفسية بالغة لها  ولأطفالها.

لقد وفر الحجر المنزلي بيئة خصبة لممارسات ذكورية تسعى لفرض سلطة الإخوة على أخواتهن عبر ممارسات عنيفة تشمل التعنيف اللفظي والجسدي  دون رادع من قبل الوالدات أو الآباء لحماية بناتهن أو بناتهم. إحدى الأمثلة لهذه التجارب كانت لأحلام، الطالبة الجامعية التي بقيت في المنزل إبان إغلاق الجامعات مما جعلها أكثر عرضة لتعنيف أخيها النفسي واللفظي و الجسدي لها مع تبرير والدتها المتواصل لسلوكه بأن حالته النفسية متأثرة بسبب توقفه عن العمل.

العمل الفني لرشاد السامعي

خلافات أسرية تثيرها الإجراءات الاحترازية

رغم أن العديد من المتزوجين كانوا يتطلعون في السابق إلى عطلة تتيح لهم الوقت و المساحة للتعامل مع مشاكلهم الخاصة، إلا أن حصولهم على هذه العطلة الإجبارية جاء في ظروف استثنائية أبرزت الخلافات إلى السطح عوضاً عن حلها.  من جهة أدى الانقطاع عن العمل في ظل شحة فرص كسب العيش وانعدام الأمان الغذائي و تفاقم الضغوطات الحياتية، التي تراكمت بسبب الحرب و الجائحة، إلى تحول المنزل إلى بيئة خصبة للعنف. و من جهة أخرى، كما لاحظت المستشارة الأسرية ألطاف الأهدل، فإن المبالغة في التدابير الاحترازية و الخوف غير العقلاني كان لهما دور في إشعال الخلافات الأسرية. هذا بالإضافة إلى أن من شأن عدم التزام أحد الزوجين أو أحد أفراد الأسرة بالتدابير اللازمة للوقاية من الفيروس أن يتسبب في الرعب والقلق والخلافات الحادة التي تنتج عن التصرفات غير المسؤولة من قبل أحد الزوجين والتي قد تعرّض كافة أفراد الأسرة للخطر.

اعتراض بعض الزوجات على استهتار أزواجهن  بالإجراءات الاحترازية  تسبب في خلافات أفضت إلى العنف. فسماح، مثلا، تحكي لنا أن زوجها  توقف عن العمل غير أنه لم يلزم البقاء في المنزل وإنما استمر في الخروج و مخالطة أصدقائه في مجالس القات. وحين حاولت سماح محاورته بشأن خطورة سلوكه على صحته وصحة كافة أفراد الأسرة، ما كان منه إلا أن اتهمها بالجنون والهلوسة؛ بل، أكثر من ذلك، عمد إلى توجيه أشكال من العنف اللفظي و الجسدي ضدها، و استمر في تجاهل إجراءات الوقاية.

المساحات الآمنة والخط  الساخن للاستشارات

في ظل هذه الجائحة أصبح لزاماً على النساء والفتيات البقاء في المنزل مع رجال الأسرة لفترات طويلة، مع عدم القدرة على تلقي الدعم النفسي من المقربين أو المؤسسات المعنية التي من شأنها أن توفر الرعاية النفسية في المساحات الآمنة التي تلجأ إليها بعض النساء. فقد تم تقليص الخدمات المقدمة لضحايا العنف من قبل المؤسسات المعنية بسبب انتشار جائحة كورونا في البلاد، لذا أصبح من الصعب على النساء اللجوء إلى طلب الدعم النفسي في حال تعرضهن للعنف، وقد أغلقت العديد من المساحات الآمنة الخاصة بتقديم الدعم للنساء في اليمن منذ بداية الجائحة في اليمن في شهر مارس  2020م

بعد أن أعادت فتح أبوابها في شهر يونيو٢٠٢٠ ومع الالتزام بالتباعد الاجتماعي، استقبلت إحدى المساحات الآمنة التابعة لمنظمة ديم للتنمية في منطقة الحوبان بمحافظة تعز أكثر من مائتي امرأة تعرضن للعنف جراء الحجر المنزلي. وتم تقديم جلسات الدعم النفسي والتوعية لهن بالإضافة الى تدريب خمس و ثلاثين امرأة على المهارات والأشغال اليدوية. النسبة الأكبر من النساء اللاتي لجأن إلى لمساحات الآمنة أصبحن أكثر عرضة للعنف من قبل أزواجهن وأقربائهن الذكور الذين حوّلوا إحباطهم الناجم عن فقدانهم لمصادر الدخل ومكوثهم في المنزل لفترات طويلة إلى ممارسات عنيفة و متسلطة تجاه النساء، كما لاحظت مديرة المساحة الآمنة بالحوبان ذكرى الصبري.

و في السياق نفسه شهد الخط الساخن “١٣٦”  المخصص لتلقي شكاوى العنف الأسري وتقديم الاستشارات النفسية عبر مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري ارتفاعًا ملحوظاً في عدد الاتصالات المتلقّاة من النساء المعنَّفات اللاتي يطلبن المشورات النفسية والتي تلعب دوراً كبيراً في التخفيف من الضغوط و المعاناة النفسية  الناتجة عن العنف.

العمل الفني لرشاد السامعي

ناقوس خطر حول العالم

بلغ عدد الحالات المسجلة للنساء و الفتيات حول العالم ضمن الفئة العمرية ١٥-٤٩ عاماً من اللاتي تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من قِبَل شركائهن ٢٤٣ مليون حالة. وكان ذلك قبل انتشار جائحة كوفيد-١٩  التي أتت لتضاعف حدة العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يعد من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان . ومع استمرار هذه الجائحة، فإن من المرجح ازدياد حدة العنف الذي تواجهه النساء حول العالم. إن العنف الذي تواجهه النساء من كافة الفئات العمرية والمكانات المهنية والاجتماعية والاقتصادية يشكل تهديداً حقيقياً لحياة النساء وكافة جوانب صحتهن النفسية و الجسدية. وعلى دول العالم أجمع أن تضع مواجهة هذه الانتهاكات على قائمة أولوياتها و أن تجتهد لتفعيل القوانين التي تحد منها. وفي بلد كاليمن التي تعاني من وضع هش في البنية الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الصراع، فإن على الجهات المعنية، ولا سيما في قطاع المجتمع المدني، أن تسعى إلى تقوية إمكاناتها وقدراتها من أجل تقديم الحماية اللازمة والمعالجة المطلوبة للنساء اللاتي يتعرضن للعنف أو هن في وضع هش قد يتعرضن فيه للعنف بأي شكل من الأشكال.

 

اظهر المزيد

Rania Abdullah

a journalist; Producer, content writer, and member of the Yemeni Journalists for ICPD Network.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى