إبداع بصري
أخر الأخبار

من عادات الولادة في اليمن

تفاصيل السجاف الصنعاني بعدسة علي السنيدار

 تبرز مناسبات الولادة والموت، بأبعادها الطقوسية، روح التكافل الاجتماعي الذي يمتاز به المجتمع اليمني.

لقدوم طفل إلى هذا العالم أو “الولاد” كما يسمى في مدينة صنعاء عادات تعكس الروح الحضارية لهذه المدينة القديمة في تمدنها. تبدأ مراسيم الولاد في صنعاء بإعلان ولاد فلانة بنت فلان. وعندها تشرع النسوة من أقارب وصديقات بزيارات صباحية في اليومين الأولين تحديدا، ويحملن معهن الهدايا التي قد تكون مبلغا ماليا نقديا أو قد تكون شيئا عينيا كالفواكه والعصائر المعلبة. وقد تكون الهدية تعليقة من الذهب منقوشا عليها آية الكرسي توهب للمولود، وقد يمنح المولود ثيابا ومستلزمات أخرى.

وتسمى هذه الهدايا بـ (الفرحة) بسبب المشاعر التي تغمر الزائرات بسلامة الوالدة ومولودها. وتفضل الكثيرات من النسوة أن تكون الهدية (الفرحة) مبلغا نقديا من المال حتى يساعدن الأسرة في تكاليف الولاد الصنعاني الكثيرة. يقول المثل الصنعاني (عرسين ولا ولاد) كناية عن تكاليف الولادة. فلا شك أن تلك الهبات المالية تسهم كثيرا في سد حاجيات الولادة ولاسيما عند ذوي الدخل المحدود.

“الوالدة”

يطلق على المرأة النُفَسَاء التي وضعت المولود ” الوالدة”. ولها أن تختار مكان ولادتها إما في البيت على يد القابلة أو في المستشفى، وقد أصبحت أكثر النساء يفضلن المستشفيات لسلامتهن وسلامة مواليدهن. وعلاوة على ذلك يُحدد سلفا مكان إقامة الوالدة أثناء “الأربعين”، وهي مدة النفاس؛ فقد يكون المكان بيت زوجها، وهنا يتوجب على أهلها التزامات معينة، وقد يكون بيت أهلها وفي هذه الحالة يتوجب على الزوج وأهله التزامات أخرى سنتحدث عنها لاحقا.

التثوير حرق نوع خاص من البخور، غالبا اللبان، يعد خصيصا لمناسبات الأعراس و”الولاد”. البخور، في الاعتقاد الشعبي الراسخ، يطرد الأرواح الشريرة.  وللتثوير وظيفة تواصلية إشهارية فرائحة هذا البخور الخاص  تشير إلى وجود الولاد في ذلك البيت. تحرص نساء البيت على التثوير بالبخور صباحا عندما تتناول الوالدة ” المرأة النفساء” فطورها وعند مغيب الشمس.

ماذا تأكل الوالدة ؟

في صنعاء كما في أماكن عديدة من اليمن ثمة حرص شديد على تغذية الوالدة ” المرأة النفساء” بصورة جيدة. فطعام الإفطار غالبا ما يكون فتة ” عصيدة القمح” بالعسل والسمن البلدي، وينبغي أن يكون الفطور في الصباح الباكر. بينما تأكل الوالدة منتصف وقت الضحى ” القفوع” الخبز، وتأكل التمر وتتناول قهوة خاصة مكونة البن ومن أعشاب طبيعية تدر الحليب.

مكان الولاد

بعد خمسة عشر يوما تقريبا تترك الوالدة الغرفة الصغيرة وتدخل الديوان ” مجلس الاستقبال” أو ما يسمى بمكان الولاد، ويصاحب ذلك حفلة تسمى “المولد” تقع نفقاتها على عاتق الزوج. يدعى للمولد كل النساء المعارف من أقارب وجيران وأصدقاء أسرة الوالدة. وقبل مجيء الضيفات، تكون المرأة النفساء “الوالدة” قد ذهبت إلى حمام النساء و تنقشت بالخضاب أو تزينت بالحناء. تجلس الوالدة في رأس الديوان على مرتبة خاصة؛ وهي عبارة عن سرير مرتفع أو مجموعة من الفرش مرصوصة بدقة، وتزين الجداران المحاطة بالمرتبة بالمفارش والحناظل والمصاحف وتوضع صور وتحف ومزهريات متوجة بالريحان والشذاب، وهذا ما يسمى بـ (السجاف).

وفي مكان الولاد ترتدي الوالدة ملابس تقليدية عبارة عن القناع وهو قطعة قماش مطرزة و (المصر الجرز) وهو عبارة عن منديل خاص من الطاس وتحرص الوالدة على التسبيح بواسطة مسبحة لا تبارح يدها حتى نهاية الجلسة.

الزيارة

الزيارة في هذا السياق نوعان:

النوع الأول وتطلق فيه كلمة “الزيارة” على ما يقدمه أهل المرأة النفساء  “الوالدة” من طعام لها إن كانت في بيت زوجها. تكون زيارة أهل النفساء لها عادة ليلا ويقدمون لها ” الزيارة” وهي عبارة عن بر، وبيض، ودجاج، وبهارات/قهوة خاصة عادة ما تتكون من البرير والعطوي والسكرالنبات والزنجبيل والعناب والقرفة والنخو وغيرها.

أما النوع الثاني من الزيارة، فهو زيارة النساء من المعارف والأصدقاء وتسمى بـ”تفرطة” تقدم أسرة النفساء الكيك أو الكعك أو أي شيء يأكل للزائرات أو “المتفرطات” قبل أن يشرعن في جلسة القات. أما في حالة وجود المرأة النفساء “الوالدة” في بيت أهلها، فإنه يتوجب على الزوج أن يقدم مصاريف زوجته ومولودها مع مصاريف يوم دخول مكان الولاد ويوم الوفاء حيث يكون يوم الوفاء بمولد تنشد فيه الأناشيد والأغاني وتتلى دعوات للمرأة النفساء وأقاربها.

البن

تقوم أخوات الزوج أو خالات الوالدة أو الزوج أو أي صديقة أو قريبة للوالدة بتبنينها ويعني تقديم أي شيء للأكل للمتفرطات. ويعلن عن ذلك بالقول (فلانة سوف تبنن الوالدة بكذا كيك أو كعك أو ما يسمى بالبري: وهو عبارة عن بلسن مصنوع بطريقة معينة).

الموالد

كما سبقت الإشارة، تكثر الموالد في حفلات الولاد الصنعاني، وكما هو معروف تطلق كلمة المولد على الجلسة التي تسرد فيها شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم وتكثر فيها الصلاة عليه.  ولإقامة المولد فإن الزوج أو أهل الوالدة أو حتى الوالدة نفسها تدعو “ممولدة”  تتلو المولد المتضمن لشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم وبمآثره ومآثر آله وصحبه. ويكون ذلك في حضرة نساء بوجود القات وبعض المأكولات الخفيفة.

الوفاء

ويقصد به وفاء الشيء أي تمامه وهو آخر يوم من أيام الولاد. ويكون يوم الأربعين أو قد يكون يوم الخامس والثلاثين من أيام  النفاس بحسب ظروف الوالدة. تلبس الوالدة زيا معينا تكون له خصوصية جمالية. وتزف بمولد خاص أو على نغمات غنائية معينة ليعلن بذلك انتهاء مراسيم الولاد. ويكون ذلك بمثابة إعلان عن عودة الزوجة لبيت زوجها، إن كانت في بيت أهلها،  بعد أن حظت طيلة أربعين يوما بالدلال والراحة والمال الوفير والهدايا الكثيرة.

الشكمة

آخر ما يتعلق بالولاد الشكمة. وتأتي بعد الوفاء، وفيها يقوم أهل الزوجة أو أهل الزوج بدعوة الوالدة للغداء وعمل مولد أو تفرطة ” جلسة قات” خاصة بها. ويدعى لذلك الأهل والجيران والأصدقاء المقربون.

وهنا تنتهي عادة الولاد في صنعاء ذات المراحل المختلفة. وعلى الرغم من تكاليفها الكثيرة ومتاعبها، فإنها تبرز أجمل ما يميز أهل صنعاء من تكافل اجتماعي ومحبة وتعكس واحدة من خصائص مجتمعنا اليمني ككل.

يقول المصور علي السنيدار: “بهذا المقال التصويري أحببت أن أوثق عادات وتقاليد النفاس في مدينة صنعاء. ويأتي هذا التوثيق مع فرحتي بأن رزقني الله بنتين توأم. وثقت لكم  بعدسة التصوير مكان النفاس:  مرتبة الوالدة مع وجود الشذاب والمصاحف وكذلك التثوير بالبخور في منزل الوالدة، إلى مظاهر التقاليد الأصيلة  المتمثلة في السجاف، مع ما يرافق ذلك من زينة وملابس الوالدة. واشتمل التوثيق على مظاهر فرحة النساء من الأهل والجيران وهم يعطون  الوالدة هبة رمزية من المال.”

نبذة عن المصور:

علي عبدالله أحمد السنيدار من مواليد صنعاء القديمة. خريج كلية الاعلام الجامعة العربية. بدأ علي التصوير عام 2014.  وقد حصل على العديد من الجوائز منها؛ رحالة العرب – محور الصور الإنسانية: المركز الأول ومسابقة الرحالة العرب لدى اليمن: المركز الخامس، ومسابقة منظمة البحث عن أراضٍ مشتركة. اختيرت إحدى صور السنيدار من بين أفضل ٣٠ صورة أثرت في العالم خلال العام ٢٠١٨.

المحتوى البصري للمقال:

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى