تتنوع المواسم الزراعية في مديرية جبل الشرق بمحافظة ذمار حسب المناخ الزراعي وتختلف من عزلة الى أخرى باختلاف المناخ. غير أن المناطق المرتفعة التي تعتمد على الأمطار في موسمها الزراعي السنوي وما يتخلله من أنشطه وأعمال تتساوى تقريبا في موسمها؛ فالموسم يبدأ بعد تجهيز الأرض في الفترة التي تعقب هطول الأمطار خلال فصل الصيف. ويسمى ذلك التوقيت في عرف مزارعي المنطقة بـ ( الغونيه ) وهو نجم زراعي يصادف يوم عيد العمال العالمي 1مايو من كل عام.
يستمر الموسم الزراعي مدة ستة أشهر؛ فهو يبدأ خلال فصل الصيف، مدخل مايو تقريبا، وينتهي بنهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء؛ أي، على وجه التقريب، نهاية شهر أكتوبر من كل عام.
وتأتي أهمية هذا الموسم من حقيقة كونه المصدر الأساسي لتجميع وتخزين أكل المواشي لكي يكفيها على مدار السنة، ولا يخفى أن هذه المواشي هي رأسمال الأسر المزارعة، منها يأكلون، وبها تقام ولائمهم في المناسبات الاجتماعية والأعياد، وقد يبيعون بعضها فتكون مصدرا للعملة النقدية. علاوة على ذلك، فهذا الموسم يدر عليهم الغلال؛ ففيه يحصلون على الحبوب التي تعد المصدر الغذائي الأساسي للمجتمع الريفي هنالك إلى جانب ما يشترونه من المدن من حبوب القمح المستورد.
حسابات فلكية تقليدية
كان لدى أجدادنا الأوائل حسابهم الخاص للزمن الزراعي توارثوه عن من سبقهم. تنقسم السنة الهجرية عندهم إلى نجوم: كل نجم له أيام محدده تتراوح من 7 أيام إلى 14 يوم. ووفقا لهذا التقسيم، فإن الموسم يبدأ من معلم غروب الثريا الذي يستمر 13 يوما.
ونظرا لانعدام وسائل الحساب والرصد الفلكية الحديثة المتاحة حاليا، فإن الآباء كانوا يراقبون حركة الشمس عن طريق تحديد شيئا عينيا ثابتا على الأرض يجعلونه معلما على حركة الشمس. وعلى سبيل المثال، فإن الآباء المزارعين في قرية الابوه من عزلة الشرقي كانوا يتخذون لهم علامة محددة لبداية الموسم؛ وهي ثقب في إحدى نوافذ المسجد تقابله حفرة صغيرة بحجم البيضة في الجدار المقابل: فعندما يدخل ضوء شعاع الشمس من خلال الثقب ويصل إلى تلك الحفرة المقابلة، فإن ذلك يعد بداية الموسم، ويعمد البعض إلى مراقبة شروق الشمس وانتشار أضواء شعاعها فوق أماكن محددة في قمم أحد الجبال المقابلة للقرية، إلى غير ذلك من العلامات المكانية في القرى الأخرى.
طريقة الزراعة
تجري أعمال الزراعة في مديرية جبل الشرق بطرق بدائية جدا حيث يتم حرث الأرض بواسطة المحراث الذي تسحبه الأثوار أو الحمير حتى وقتنا الحاضر. وهو ما يتطلب جهودا بدنية من الإنسان ومن حيوانه. وإلى جانب ذلك، يأتي دور أيدي أفراد الأسر، رجالا ونساء وأطفالا، التي تعمل بجد مساندة المزروعات من مرحلة البذور إلى مراحل الحصاد، وما يصاحب ذلك من جمع علف وأوراق وحشيش للمواشي وتنسيقها وتخزينها.
مميزات الموسم
يتميز هذا الموسم بالجد والاجتهاد والنشاط الدائب من قبل المزارعين، فهم يستغلون أوقاته الموزعة على مراحل لأن أيام كل مرحلة منه محدودة. يظهر هذا الموسم روح التعاون بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع بصورة عامة. فالمهام تتوزع بين الأفراد بحسب قدرات كل فرد: يكون الرجل الكبير أو رب الأسرة هو من يمسك المحراث ويدير دفة النشاط الحراثي، ويتبعه أحد أفراد العائلة ممن لديهم الخبرة في رمي البذور إلى بطن الثلم الذي يشقه المحراث، أما بقية الأفراد المعاونين فيقومون بكبس تلك البذور عميقا في التربة ثم دك أكوام التراب فوقها حتى تتماسك التربة التي حول البذرة عندما تنبت.
أقوال وأشعار مأثورة
من اهم الأشياء الموروثة في هذا الموسم هي الأمثلة والحكم والأقوال المتداولة والتي تنسب الى المزارع اليمني المشهور علي ولد زائد أو حميد بن منصور أو إلى غيره، وقد تكون مجهولة القائل، فالأدب الشعبي أدب غير منسوب لمؤلف؛ إذ هو ملك الجماعة ونتاج مخيلتها الجمعية وتجاربها المتراكمة.
يردد الفلاحون أثناء الحراثة وتهذيب وتشذيب المزروعات، وجمع الأعلاف، وحصد الثمار والغلال أشعارا يحفظونها عن آبائهم وأجدادهم. وهم يستعينون بالغناء لتخفيف مشاق العمل ولتوصيل بعض الحِكم لمن يحيط بهم. ففيها تذكير ببعض الواجبات والحقوق، وفيها نقل للخبرات الزراعية إلى الأجيال الشابة التي ترافق رب الأسرة أثناء القيام بكل مراحل هذا النشاط الزراعي المضني. ومن ذلك أقوال الحكيم اليماني علي ولد زايد. ومن تلك الأقول:
ما يجبر الفقر جابر غير البقر و الزراعه
ولّا جمالا تسافر محملة بالبضاعة
وقوله: الدهر كله متالم (يعني يصلح للزراعة) الا الذره
لها أوقات .
ومن المهاجل التي يرددونها:
صباح الرضى يا مالي صباح البكير (النحل) الجاني.
أنواع الحبوب في هذا الموسم
أنواع الحبوب التي تزرع في هذا الموسم هي الذرة الصفراء التي تشكل النسبة الأكبر مما يزرعون، وحبوب القمح الفاخرة المعروفة بقيمتها الغذائية العالية، وتزرع بكثرة في قرية رشيدة وقرية الضبر، إلى جانب أنواع أخرى تزرع بنسبة أقل من سابقتها؛ كالذرة الشامية والعتر والقلاء والبلسن والحلبة.
الحصاد والتخزين
يتم حصاد محصول الذرة بطرق بدائية وحمله إلى أماكن خاصة تعرض فيها للشمس حتى تيبس تماما. عقب ذلك، يتم فصل بعضه عن بعض بواسطة حصادة تأتي من خارج المديرية قاصدة هذا العمل مقابل أجر عن كل كيس حبوب. بعد ذلك تؤخذ الحبوب وتعرض للشمس مرة ثانية حتى يُتأكد من أنها صارت يابسة مخافة أن تتعفن عند تخزينها. أخيرا توضع في براميل من الحديد تغلق بإحكام لوقت الحاجة.
هذا في الوقت الراهن؛ أما سابقا قبل ظهور الحصادات الآلية في المنطقة فقد كان يتم تجميع الذرة بعد الحصاد في البيادر ويعرض المحصول للشمس حنى يتيبس ويسهل فصله من مخلفات الثمرة. ويجتمع الرجال وبيد كل واحد منهم هراوة قوية. يخبط الرجال المحصول لفصل أجزائه بعضها عن بعض. بعد ذلك يتم ذر المحصول الخليط في مهب الريح التي يترصد لها الحصادون في الأماكن المرتفعة حيث تقع بيادرهم. عقب ذلك يتم الفصل بين الأجزاء المختلفة التي منها ما يكون مادة غذائية للمواشي وللبناء أعني التبن على وجه الخصوص.
بعد جمع المحصول من البيادر أو أماكن الحصاد تخزن الذرة الصافية في مدافن؛ وغالبا لا تخزن فيها إلا الحبوب التي يريد المزارعون خزنها لمدة طويلة. والمدافن عبارة عن حفر يتراوح عمقها ما بين 3 إلى 6 أمتار وقطرها ضيق من أعلى بما مقداره حوالي 80 سم ومتسعه من سفل بما مقداره نحو مترين إلى 3 أمتار، وتكون جدران المدافن مطلية بمادة القضاض التي تجعل الحفرة مصمتة لا يدخل إليها الهواء أو الماء، تغلق المدافن بإحكام وعند فتحها تكون حرارتها مرتفعة فيلجأ الزارعون إلى تبريدها فترة من الزمن. بعد ذلك تُخرج الحبوب من أجل استهلاكها.