أدبثقافة

علي المقري ..الرواية وتحديات الموضوع

This post is also available in: English (الإنجليزية)

علي المقري روائي عابر للقارة الثالثة من التابوهات المحرَّمة، إنه يتجاوز الممنوع والمحرّم والمقصي، يقتحم الموضوعات الخطرة بجرأة غير إعتيادية . كاتب شجاع، يحب المغامرة ويسبح عكس اتجاه الريح، ترك الشعر بعد أن وجد في الرواية مجالاً يتسع لاظهار المكبوت وتناول المحرم اجتماعيا في سياق تداولي سردي حواري  يظهر التعدد والاختلاف. وهو بذلك كاتب جريء لا يرضى بالسهل المقبول، بل يميل إلى تثوير المشهد الفكري في اليمن عن طريق سرده القلق .والمُقلِق في آنٍ واحد

بدأ علي المقري حياته صحفياً وشاعراً, ثم تطرق  لكتابة الرواية، وهو دائماً مايثير الجدل في كل عمل يكتبه,  بداية برواية “طعم أسود ..رائحة سوداء”  الصادرة عن دار الساقي في العام 2008. و تدور الرواية حول فئة السود في اليمن، المعرضون للتهميش والعنصرية  والذين يُطلق عليهم صفة “الأخدام” أي العبيد ، وهم فئة يقال إنها ترجع في أصولها إلى أفريقيا، والمعروف عن هذه الفئة أن أفرادها يعيشون في  عدد من الأحياء المعزولة اجتماعيا على هامش المدن اليمنية الكبرى كصنعاء وعدن وتعز.

 بعد روايته السابقة جاءت روايته الثانية ” اليهودي الحالي”  الصادرةعن دار الساقي في العام 2009. وتتعرض الرواية لفئة اجتماعية أخرى تعيش على هامش المجتمع اليمني العريض وهي طائفة اليهود. الرواية تتناول حالة عشق  بين امرأة مسلمة وشاب يهودي. ورغم أن المؤلف قد جعل القرن السابع عشر الميلادي اطارا زمنيا لروايته، فإنّ اهتمامه منصبا على الزمن الحاضر.

وفي العام 2012 ظهرت روايته الثالثة  “حرمة ” والتي تجاوزت الخطوط الحمراء, بسبب تناولها لموضوع الجنس في أكثر من موضع منها بصورة مفصلة و مباشرة. وكما هي الحال في روايات المقري الأخرى, فقد أثارت الرواية جدلاً واسعاً بين القراء والنقاد, ليس فقط في اليمن وإنما أيضا في الخارج، فقد مُنعت الرواية من دخول كثير من الدول العربية. ومع ذلك، فإن الرواية مسموحة التداول في بلده الأم اليمن و لبنان الدولة  التي طُبعت فيها الرواية عن دار الساقي.

وفي رواية ” بخور عدني” الصادرة في العام 2014 م.  يتناول المقري مدينة عدن في زمن الاحتلال البريطاني. وتعكس الرواية الطبيعة الكزموبوليتية لعدن من خلال اظهار التنوع الإنساني الذي كانت تعيشه مدينة عدن. ففي زمنها الكولونيالي ذاك شهدت عدن اختلاطا غير مسبوق  لأعراق وأديان مختلفة. وقد كانت هوية عدن بوصفها مدينة مفتوحة على الأرياف الجبلية من جهة، وعلى البحر من جهة أخرى، هي الهوية الجامعة.

لقد أسهم المقري في إخراج الرواية اليمنية من حيزها المحلي إلى ما وراء الحدود العربية. وذلك لما تحمله رواياته من معانٍ حياتية شاملة ذات طابع كوني, وفيها .تجلٍ لما يعرض للنفس البشرية من عذاب وهوى وهوس وبؤس

لا تنحصر جرأة المقري في الرواية فحسب, وإنما أيضاً في الشعر الذي له فيه دواوين عديدة. ومن أكثر القصائد شهرة في هذا الصدد “قصيدة تدليك” التي تسببت في ملاحقته وتكفيره من قِبَل رجال دين أصدروا في حقه فتوى تقضي بجلده وفي تلك القصيدة يقول المقري:

أحتاج إليكِ بشكل مؤقت

يمكن أن تُسمِّيه حُباً أو عِشقاً أو جنوناً

ما أحتاجه ليس عناقاً

أو قبلةً عابرة

لكنَّهُ ،أيضا، ليس دواما طوال الَّليلِ

لساعة واحدة فقط

أريد أن أعرِّيكِ تماما

ثم آخذكِ إلى الحمّام

وأدلكُ جسمكِ بالصابون وتدلِكينني

حتى يسهل الدخول إليكِ والخروج مِنِّي

بعدها تقفين عاريةً

تنشِّفينَ جسمكِ

بالمنشفة التي أُقدِّمها للناس الذين لا أهتمُّ بهم كثيرا

وتذهبين بدون وداع

الجدير بالذكر أن المقري ترك الشعر منذ أكثر من عشر سنوات. وفي حديث له مع موقع “أيام الثقافة” يوضح سبب تركه للشعر “الشعر يرى العالم من زاوية أكثر كثافة واختزالاً، ولا يتسع كثيراً لبهاء التفاصيل في الأشياء.. لقد نشرت الكثير من القصص قبل نشر الشعر، ولهذا بقي عالم السرد هو الأكثر قرباً وحميمية فواصلت معه، وتركت الشعر”.

يقيم علي المقري في فرنسا هذه الفترة, يعكف على كتابة روايته الجديدة، ولا ندري ما المفاجأة التي يخبئها لنا بين أوراقه.

 الصورة بإذن علي المقري الصورة بإذن علي المقري

حرمة رواية التابو: تحولات الذات في مجتمع القمع

حين  سمعت بطلة الرواية لأول مرة أصوات فلم إباحي على شريط كاسيت كانت قد جلبته أختها لولا, من ذلك الوقت تسللت الرغبة إلى جسدها واكتشفت لأول مرة أنوثتها حين عرفتها أختها كيف تداعب نفسها وتصل للنشوة عبر أصابعها, “كنا ملتصقتين نسمع الكلام نفسه والتأوهات نفسها, شعرت بلذة مضاعفة وأنا أضمّ ساقي لولا بين فخذيّ, كنت أتلوع مرتعشة, مدّت يدها اليمنى إلى وسطي وأزاحت السروال إلى الركبتين وراحت تمسح براحتها فوق فخذيّ وبينهما, ثم قلبتني على ظهري ووضعت أصبعها الوسطى فوق بظري وحكته حكاً سريعاً….الخ (صفحة رواية”22 حرمة”).

كان حدثاً غير اعتيادي في مجتمع يرى الجنس من المحرمات, استلذت بطلة الرواية العملية وبدأت تفكر بالجنس الحقيقي لتصل لكامل نشوتها بالتحام جسدين وتمازجهما مع بعض, هذا التفكير دفعها للزواج من أول فرصة تأتيها لتروي نهمها بالجنس, ولكن لسوءا لحظ فقد ساقها القدر إلى رجل عاجز جنسياً, ليس ذلك .وحسب بل إن أمره يتكشف في السرد بوصفه أحد الجهاديين الذين يقاتلون في افغانستان

سافرت معه إلى أفغانستان  لتعيش جزءاً من مغامرتها هناك، لم تكن تفكر بالجهاد بل بإطفاء رغبتها الجنسية, حتى إنها  تعمدت الجلوس عند باب السيارة  ليتم اغتصابها, وبهكذا تكون قد حققت رغبتها في الجنس دون أن يكون لها أي ذنب أمام الله. قبض عليها وأعيدت لبلدها وهي مصممة أن تعمل أي شيء  يفقدها  عذريتها وتشبع شهوتها في الجنس.

إنّ لرواية “حرمة” مكانة مميزة وحساسة بين المنشور من أدب المقري، وذلك لأنها استطاعت التقاط أشكال التغيرات الاجتماعية من خلال الكتابة المباشرة والجريئة عن الوعي العميق الخفي المتشكل من واقع الظروف الإجتماعية المعاشة للمرأة اليمنية. و في الرواية يختلط الخيال بالوقائع والمتعة بالقلق. وفي بوحهها محاولة للتخلص من الكبت؛ وهنا تكمن خصوصيتها؛ إذ أنها تفتح مجالاً لمكاشفة الذات واجتراح الحوار, وطرح الأسئلة الصعبة عبر السرد التفصيلي الذي يفضح ولا يوارب. فذات الشخصية الرئيسة تتفتح وتتبدّى عبر التحولات الحياتية المختلفة: المراهقة فالزواج ثم الذهاب لأفغانستان وبعد ذلك العودة إلى .لوطن

إنّ هذه الرواية  لا تترامى أمام أبصارنا كجسد مكاني
هامد أشل, لأن الراوي لا يلعق من إناء الطريقة التقليدية للرواية ، فهو يطلق العنان لصوته السردي الخاص كي يتخلق من خلال خلال الأصوات الخاصة التي يمثلها في سرده؛ تلك الأصوات المغيبة والمكبوتة والمقموعة.

بعد حصول رواية “حرمه” المترجمة للفرنسية وأكثر من لغة أخرى على جائزة التنويه الخاصة للرواية العربية التي يمنحها “معهد العالم العربي” بالتعاون مع “مؤسسة جان لوك لاغارديير” 2015م يقول” المقري عن  موضوع الجرأة في الرواية : “أنا اكتب مدام بوفاري بطريقة عارية ولا أعرف إذا تحقق هذا الأمر”.

 واخيراً، فإنّ “حرمة” ليست مجرد رواية فحسب وإنما رحلة للبحث  عن الذات عبر فوضى الأحداث وقساوتها، إنها رحلة للبحث عن المغيب فينا وعن معنى لحياة  عن طريق فتح باب السرد أمام الطاقة المكبوتة (الليبيدو( كي تعبِّر عن ذاتها في ظل مجتمع  لا يدخر جهدا في سد الأبواب أمام الذات الإنسانية لتكون ما .هي وكما هي في الواقع لا لتمثل وفقا لإيقاع المجتمع المنافق ومسلماته ودعاواه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى