النساء والنوع الاجتماعي
أخر الأخبار

اختطافات تحتمي بالعرف وضعف سلطة القانون

معاناة النساء اليمنيات في الحصول على حضانة أطفالهن

تعاني الكثيرات من النساء اليمنيات من المراحل الطويلة التي تمر بها إجراءات الطلاق في المحاكم. وأكثر ما يعانينه بالتحديد هو صعوبة حصولهن على حقهن في حضانة أطفالهن.

يكفل قانون الأحوال الشخصية اليمني في المادة ( 141 ) لسنة 1992م للأم الحق في حضانة أطفالها حتى بلوغ الطفل سن 12 عاماً للفتيات، و9 سنوات للأولاد ، وبعد هذه السن يُخيّر الطفل  بين البقاء مع والدته أو والده.

 غير أن هذا القانون لا يكفي لتنال المرأة هذا الحق ما لم ينفذ، فكثير من النساء يحرمن من حضانة أطفالهن بسبب ضعف سلطة القضاء و المماطلة في تنفيذ الأحكام القضائية . وإضافة إلى هذا، فإن القانون يُميّز ضد النساء؛ فطبقا للمادة ( 143 ) فإن القانون يسقط حق المرأة في حضانة أولادها في حال زواجها من رجل آخر. فالحضنة في هذه الحالة تنتقل إلى الجدة أم الأم. وهذا ما لا ينطبق على الرجل.

حبر على ورق

لا تنصف الجهات القضائية الكثيرات من النساء بل إن هذه الجهات قد تُمثل عائقاً أمامهن جراء عدم تطبيق وتنفيذ القانون الذي كفل لهن حقهن في حضانة اطفالهن. وهذا ما يعني أن محتوى لقانون الآنف الذكر مجرد  حبر على ورق. فبعد صدور حكم المحكمة لصالحهن بحضانة أطفالهن غالبا ما يعترضهن “قانون العرف” الذي ما زال يتمتع بسلطة أكبر من القضاء في مجتمعنا وهو كفيل بسلب النساء أبسط حقوقهن.

تعتقد المرأة أنها بعد الطلاق قد خرجت بأقل الخسائر بحصولها على حكم من المحكمة يقضي بحقها في حضانة أبنائها. غير أن أملها ما يلبث حتى يتحول إلى بؤس يؤرقها بقية حياتها. فكثير من النساء اللاتي التقينا بهن  بدأت معاناتهن بعد حصولهن على حكم من المحكمة يقضي باحتضانهن لأولادهن، لتبدأ معركة جديدة من أجل تنفيذ ذلك الحكم، وتذهب كل الأحكام أدراج الرياح لتخرج بخسارة، وقلب مكلوم.

ذلك هو حال سمر التي قضت سنة كاملة في المحاكمة أمام طليقها لتحصل بعد ذلك على حكم لصالحها في حضانة طفلتها. تقول سمر : ” بعد الحكم قام طليقي بأخذ ابنتي بالقوة من أمام بوابة المحكمة بحجة أنه سيقضي معها بعض الوقت، لكنه أخذها وسافر إلى مدينة اخرى وجعلني أكتوي بنار شوقي لابنتي، ورغم أني حاولت بكل الطرق القانونية استعادة ابنتي، لكن لم ينصفني أحد “.

العمل الفني ل لينا العمودي

جهل بالقانون وبالآداب الشرعية

إن معاناة المرأة في هذا الشأن ومعاناة أطفالهن نابعة من عدد من العوامل منها:  تحكيم العرف الاجتماعي المنحاز للذكر وسلطته وكذلك الجهل بالقانون وبالآداب الشرعية؛ فالقرآن الكريم يدعو الزوجين إلى التعامل بالحسنى عند الطلاق، وأمر الأزواج والزوجات قائلا ” ولا تنسوا الفضل بينكم” و تظاهرت نصوص الحديث الشريف على تقديم مصلحة الأطفال عند تقرير الحق في الحضانة، و ثمة إجماع فقهي على إعطاء الأم الأولوية في الرعاية والحضانة وعلى تكليف الأب بالإنفاق. (انظر محمد حسين الذهبي، الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة بين مذاهب أهل السنة والشيعة، باب الحضانة ص 416 وما بعدها، وباب النفقة ص 439 وما بعدها).

 إن انتقام الزوج من المرأة عن طريق حرمانها من أبنائها، وعدم إدراك أهمية دور الأم في حضانة الطفل وتربيته حتى بلوغه السن القانوني يفوتان على الطفل الحظوة بالحنان وبالعاطفة الأمومية التي لا تعوض. إن مصلحة الطفل تقتضي أن يكون مع والدته.

والمرء في هذا المقام لا يستطيع أن يلوم العرف وحده؛ فالقانون نفسه، كما أشرنا آنفا، قد فرض قيوداً على المرأة فأسقط الحضانة منها في حال أنها تزوجت. وهو الأمر الذي يجعل الطفل عرضة لأن يصبح سلاحًا في يد الأب للانتقام من الأم.

ولاية للأب فقط

بإمكان الرجل أن يستخرج جوازات سفر لأبنائه دون موافقة الأم، بينما تُمنع المرأة من استخراج جوازات السفر لأبنائها إلا بموافقة الأب. وفي تلك الاجراءات التي تتم في مصلحة الهجرة والجوازات تمييز وتعسف بحق المرأة فقد تم الاستناد إلى قانون حقوق الطفل  ـ باب الولاية و الوصاية حيث أعطى القانون للأب حق الوصاية والولاية على الطفل وفق المادة (42) لسنة 2002، بينما لم يؤخذ بقانون لائحة الجوازات الذي من المفترض العمل به،  حيث  يكفل القانون وفق المادة ( 10 ) فقرة ( أ ) للعام 1994 للأم أو الأب إضافة ابنائهما إلى جوازات سفرهما بموجب شهادة الميلاد والبطاقة العائلية أو أي وثيقة رسمية تدل على ثبوت النسب ، وإذا كان الأبوين منفصلين وتنازعا حول أحقية كل منهما بإضافة الابناء إلى جوازه يٌلزم إحضار قرار من المحكمة المختصة، وبما لا يتعارض مع القوانين واللوائح النافذة، وذلك وفق الفقرة ( ب ) من لائحة الجوازات في المادة ( 10 ).

وهذا يعني وجود  تناقض واضح في القانون،  كما أن هناك انتقاء ذكوري  واضح في التعامل مع نصوص القانون ، مما يساهم في انتهاك حقوق المرأة، وفرض عقوبة عليها من قبل الرجل لتصبح بلا حيلة، فقد قام كثير من الآباء بانتزاع أبنائهم من أمهاتهم، وبشكل قانوني.

وبمجرد استخراج جوازات سفر للأطفال ، يقوم بعض الآباء بالسفر بهم خارج البلاد وهكذا تُحرم الأمهات من أبنائهن بقية حياتهن. وهذا ما حدث مع أم ريمان قبل ( 15 ) عامًا  حين تفاجأت بعد أسبوع من رؤية طلقيها لابنتها  بـأنه اصطحب البنت واتصل بطليقته من إحدى دول الخليج ليخبرها أنه اضطر للسفر مع ابنته البالغة من العمر 5 سنوات.  تقول أم ريمان ” بعد أن تلقيت المكالمة أصبت بحالة نفسية سيئة، فبأي حق يحرمني من ابنتي.  ولولا إهمال القانون وتساهله بحقوق النساء لما تجرأ طليقي على السفر بابنتي التي لم أرها مدة 15 عاماً حتى يومنا هذا”.

 تقع على الجهات الأمنية في المطارات المسؤولية بعدم منح تأشيرة السفر للطفل إلا بوجود الأم والأب أو بوكالة أحد منهما للحفاظ على حق الطفل وحق الأب والأم على حد سواء.

فقد يصل الأمر لمنع الأم من السفر بطفلها الذي أقرت المحكمة بأن يبقى في حضانتها إلى بلد غير الذي يقيم فيه الأب. ويحق للأب استخراج جواز سفر للطفل القاصر، والاحتفاظ به، و له الحق في منع الطفل من السفر، وهو الأمر الذي مكّن الكثير من الرجال ابتزاز الأم المطلقة.

هذا ما حصل مع سماح عندما قررت السفر للاستقرار مع أهلها في السعودية. ما منعها من السفر هو قرار الأب بعدم السماح لابنه بالسفر معها، وهكذا أُجبرت على البقاء بجانب طفلها في ظروف صعبة بعيدة عن أهلها. أما الشابة أحلام فقد حُرمت من أمها منذ عشرين عامًا عندما كانت بعمر( 3 ) سنوات ، ولم تتمكن من رؤية أمها بعد أن اختطفها والدها، وسافر بها إلى مدينة أخرى بعيدة عن والدتها، وهكذا انقطعت كل وسائل التواصل بينهما، وظنت أحلام طيلة هذه السنوات أن والدتها توفيت كما أخبرها والدها، إلا أنها اكتشفت بعد خمس سنوات من مغادرتها منزل والدها وزواجها  أن والدتها على قيد الحياة، حينها فقط  تمكنت من رؤية أمها.

العمل الفني ل لينا العمودي

حفظ حقوق المرأة والطفل

يقضي الدستور اليمني فيي المادة ( 74 ) ـباب الحقوق والحريات بأن جميع المواطنين جميعًا سواسية أمام القانون بغض النظر عن الجنس أو اللون. واستنادا إلى ذلك فإن الواجب على المشرع هو أن لا يعطى الحق لأحد الأبوين بالسفر بالأطفال دون موافقة كليهما على حد سواء. وهذا ما تؤكد عليه المحامية ميمونة الحسني محامية في اتحاد نساء اليمن ؛ فهي ترى في ذلك حفظ حق الطفل وحق الأبوين في عدم حرمانهم من أبنائهم. وبحسب الحسني، فإن القوانين لا تنفذ بعد صدور الحكم فقد ترافعت في (20 ) قضية حضانة منذ العام 2019 حتى العام 2021  ولم يتم تنفيذ الحكم في نصف تلك القضايا.

يقوم الفريق القانوني في اتحاد نساء اليمن بتقديم العون القانوني للنساء في قضايا الفسخ، والنفقة، والحضانة إلى جانب جهات أخرى كمنظمة ديم، ومركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات. كما يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان عددا من الجهات المحلية من أجل تقديم الخدمات القانونية للنساء.

 ويبقى دور الجهات التنفيذية أكثر أهمية للوعي بالقانون والقيام بدورها بشكل صارم. تقول المحامية رغدة المقطري ” إذا حكم القضاء للمرأة بحضانة أطفالها فلابد أن يتم تمكينها للحصول على حقها القانوني عبر اللجوء إلى النيابة وتقديم دعوة أمر على عريضة لرئيس المحكمة في حال اختطاف الأب أطفالها. إلا أنه بسبب انعدام الوعي وعدم الاكتراث بمعاناة النساء فإن أقسام الشرطة لا تتعامل مع هذا النوع من القضايا بجدية ويكون الرد من قبل أغلب تلك الجهات: ما فيش أب يخطف ابنه أو بنته”. 

اظهر المزيد

Rania Abdullah

a journalist; Producer, content writer, and member of the Yemeni Journalists for ICPD Network.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى