رأي

٢٢ مايو: نبش في الذاكرة

This post is also available in: English (الإنجليزية)

الصورة بإذن من عبدالرحمن الغابري

 

كثيرة هي المحطات التي طمحت لإعادة تحقيق الوحدة و منها ما ذهب إلى المزيد من التشطير. لا تكمن المشكلة في نقصان الإرادة أو ضعف الوعي بأهمية إعادة تحقيق الوحدة.

 كانت المشكلة باختصار في مصادرة القرار الوطني. القرار بشأن اليمن ليس يمنياً خالصا.

-١-

منذ عملية التشطير الكبيرة و رسم خرائط الحدود عام 1904 التي اضطلعت بها  الدولتان الكبريان ؛ العثمانية في احتضارها، والبريطانية في إصرارها أن تكون الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لم تكف الحروب أو تتوقف إلا لتجد أسبابا وظروفا مواتية للاندلاع مجدداً. حروب بين الشطرين وحروب ونزاعات داخل الشطر الواحد.

يستحيل أن يكون القرار وطنيا سواء كانت الحال يمنا واحدة أم يمنين، يتعذر على هذا القرار أن يستقل ويصبح يمنيا خالصا ما لم تبن الدولة الوطنية المقتدرة اقتصاديا ومن ثم سياسيا. لا سيادة لبلد، أيا كانت، إلا باستقلالها الاقتصادي وتمتعها بالحكم الرشيد. وهذا ما لم تحققه اليمن لا في التشطير ولا بعد تحقيق الوحدة.

مجموعة من فناني شمال اليمن، تحضر الذكرى العاشرة للاستقلال جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني في ٣٠ نوفمبر ١٩٧٠. الصورة بإذن من عبدالرحمن الغابري

عجز الحاكم في كلا الشطرين عن الوفاء بالحد الأدنى من استحقاق “الجمهورية، والديمقراطية” وفقا لما طمحت له الثورة شمالا وجنوبا واختطته شعارا للنظام المعلن عقب الثورة. فلم تكن هنالك شراكة في الحكم؛ لا تعددية سياسية، بأحزاب معلنة، وصحف معارضة وأنشطة مجتمع مدني فاعل.

 

-٢-

لم يكن اليمنيون/ات استثناء في الزخم الجماهيري الذي شهدته المنطقة أثناء وبعد ثورات التحرر والاستقلال أواسط القرن المنصرم. وظل هذا الزخم في اليمن يتطلع بعد ثورة سبتمبر وأكتوبر ١٩٦٢ و ١٩٦٣م و ظل يتصاعد باتجاه إعادة تحقيق الوحدة. هذا بذاته شكل ضغطا على صانعي القرار في الشأن اليمني داخليا وخارجيا.

لم يكن النظام الحاكم في الشطرين بمقدراته البوليسية ومخابراته وبداعميه الأجانب بقادر على الحد من حضور الوحدة ضمنا وتجسدها واقعا في أوساط الناس رغم الحدود الشطرية (البراميل).

عروض الجمباز النسائية في عدن، منتصف سبعينات القرن الماضي. الصورة بإذن من عبدالرحمن الغابري.

 

في الواقع، كان للبراميل في الذهنية الشعبية ومخيلة الشارع العام وتوجهه وسلوك أفراده رسم آخر. رسم أو شكل يشبه باب السجن أو وجه السجان. فكانت الوحدة بكل بساطة واختصار هي تلك الأيادي التي تتبادل السلام بحرارة لمجرد معرفتها أن هاتين اليدين هما لشخص عبر “البراميل” وافدا.

النخب الثقافية جسدت تطلع الجماهير ومضت في طريق الوحدة معلنة تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الممثل ليمن واحد لا تشطير فيه. والذي اعدت نظامه الأساسي في مايو ١٩٧١م وأعلنت مقره في عدن في سبتمبر ٧٢م فيما كانت الحرب في نفس الفترة مستعرة بين النخب الحاكمة في الشطرين.

بالمناسبة كان لي شرف الفوز في انتخابات هذا الاتحاد للعام١٩٩٣ كأول أديبة تنتسب لعضوية هيئته الإدارية. وللأسف لم تكن إلا شهور قليلة حتى كان الشرف هذه المرة في مغادرته بعدما تحولت مقراته، خاصة في صنعاء وعدن، لساحات اعتصام، ضدا على مشروع تأسيسه ونضال مؤسسيه. كانت ذروة الأزمة السياسية والأخلاقية حرب صيف١٩٩٤م التي أنتجت واقعا مشؤوما صارت فيه الوحدة ذريعة كغيرها من الذرائع الملساء كالثورة والديمقراطية؛ ذريعة لسيطرة نخبة فاسدة أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم.

عرض الرقص الصنعاني في صنعاء، منتصف سبعينات القرن الماضي. الصورة بإذن من عبدالرحمن الغابري.

آلمني حينها أن يخضع اتحاد أدباء البلد وكتابه للاستقطابات وقد كان يوما ما فوق السلطات أقوى من الحرب وأكبر من خنادقها.

 

-٣-

بين اتفاقيتي القاهرة ١٩٧٢م والكويت ١٩٧٩م ووعدهما بإنجاز الوحدة كانت هناك اتفاقية قعطبة فبراير ١٩٧٧م والأخيرة هي من مضى في طريق الوحدة عمليا وربما هي من أدار ظهره للتدخل الدولي والإقليمي وانتهت بقتل زعيميها الصديقين الحمدي وسالمين.

من فبراير ١٩٧٧م انطلقت مؤتمرات شعبية في الشطرين كانت بمثابة المعالم المتراصة في الطريق نحو الاتحاد.

بناء الدولة، دولة المواطنة تحديدا، هو نفسه بناء القرار الوطني الحر والمستقل.

 

 

الفرقة الحضرمية للرقصات الشعبية، ثمانينات القرن الماضي. الصورة بإذن عبدالرحمن الغابري

-٤-

٢٢ مايو١٩٩٠م محطة قبل أخيرة، وقضية ليست جنوبية ولا شمالية طبعا.

في هذا الظرف الوطني الحرج والمتغير الدولي، في هذه الصعوبات والتحديات إجمالا؛ فإن ٢٢ مايو لا يعني الوحدة ،التي عكسها الانفصال، إنما هو الأرضية التي بنيت عليها بيتنا المسماة: الجمهورية اليمنية.

إنها الوثيقة الأساس التي ألغت دستورين وبرلمانين وعلمين ونشيدين وشطرين وأعلنت على إثر كل ذلك دولة اسمها الجمهورية اليمنية. غير أنها ليست منجزا منتهيا بل عملية تصحيح مستمر. إنها فعل إنساني طامح للعدالة والمساواة بين كل أبناء الشعب ووعد بتحقيق طموحات شعب مكلوم من فشل نخبه و أثرتها و غيبوبة حسها التاريخي والوطني.

 

بعض ممثلي الأحزاب السياسية في إحدى نقاشاتهم قبل توقيع ” وثيقة العهد والاتفاق، فبراير، ١٩٩٤” والتي سبقت حرب ١٩٩٤. الصورة بإذن عبدالرحمن الغابري

-٥-

المحطة التالية يتوجب أن تكون الأخيرة وستكون كذلك إذا تحقق أن تنبني فيها دولة المواطنة والحكم الرشيد.

المحطة المقبلة هي جمهورية اليمن الاتحادية.

 

نبيلة الزبير، أديبة وباحثة وصحفية يمنية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى