أدب

كل ما في الأمر أنه ما قدرتش أفهمك

This post is also available in: English (الإنجليزية)

 الصورة باذن من ايبي ابراهيم الصورة باذن من ايبي ابراهيم

 

في كل ليلة في أحلامي   

أراك، أشعر بك   

وهذا ما يجعلني أدرك أنك لا زلت موجودا   

تتعالى  أنغام سيلين ديون الرخيمة لتنافس صوت الأذان الصاعد من خلال شرفة المقهى المزدحمة. لا يبدو أن
.أحدايعير أيا من الصوتين اهتماما. الجميع غارقون في أحاديثهم إلا أحمد. كان جالسا وحيدا يؤنسه انتظارها

حدَّق في المظلة الكبيرة ذات اللون البيج التي نبتت من فتحة في وسط الطاولة. تذكّر أول يوم دخل فيه إلى هذا
.المكان الفاره الذي رأى فيه، لأول مرة ، واحدةً من هذه الخيم الضافية

كان ذلك بعد عامين من وفاة والده. كان أحمد حينها يعمل في محل الكترونيات بشارع صخر في صنعاء. وفي يوم
من تلك الأيام قابل أحمد أحد الزبائن الذي طلب منه إصلاح بعض الكمبيوترات والهواتف المحمولة مقابل أجرته، كما طلب منه أن يوصّل له تلك الأجهزة إلى مقهى له اسم لم يستطع أحمد حينها أن ينطقه لصعوبته. مع وصوله إلى ذلك المقهى المميز بلافتة برتقالية مطبوع عليه أحرف إنجليزية أوقف الحارس الواقف في مدخل المقهى أحمد، لأنه
.كان يمضغ القات

.مش احنا في اليمن…والنّاس كلهم بيخزّنوا؟” سأل أحمد الحارس”

“أيوه. بس مش هنا”

“لِلمِه؟”

. ” لأن الأفندم ما يشتيش المكان يتوسخ”

.لفظ أحمد مضغة القات الخضراء المبلله بريقه من فمه ووضعها في كيس ليعاود التخزين بعد خروجه

استفاق من غفلته لينظر حوله في هذا المكان الساحر الذي شعر فيه بالغربة؛ رجال ونساء بمظاهر أنيقة مطابقة
للموضة متسقة الألوان، يجلسون باطمئنان معا، ويرتشفون المشروبات الباردة والحارة و يأكلون معها الكيك. شعر أن سترته الفضفاضة ونعله البنية غير مناسبة، بل ربما مقتحمة لأناقة المكان وللناس الجالسين فيه. فكر بالخروج في أقرب وقت، لكن الزبون تأخر، فجلس ينتظره بجانب طاولة فارغة. قدم له النادل قائمة الطعام. ورغم أنه أدارها
.وقلبها فإنه لم يستطع أن يجد فيها نسخة عربية

” سأل النادل: ” يا أخي، شكلي سائح أو مه؟

“ما قصدك؟”

.مَكّنْتَني قائمة طعام خاصّة بالسيّاح” قال مشيرا إلى القائمة المطوية ذات الوجهين”

“ثم أردف: “إدّي لي قائمة الطعام اليمنية

“ما عندناش إلا قائمة واحدة”

“طيب ولِلمِه كلها مكتوبة بالإنجليزي؟”

“…إسال صاحب القهوة”

“ناهي. ذلحين إدّي لي  شاهي”

بعد أن شرب الشاي أدرك أحمد أن عليه أن يدفع أربعة أضعاف السعر المعتاد، وفوق ذلك كان الشاي أسواء
من المعتاد؛ فهو ليس أكثر من ماء وكيس صغير من شاي اللبتون دون أن يضاف إليه مستلزمات الشاي الفاخر من الهيل والقرنفل والقرفة. لم يصدق حينها كيف يمكن أن يكون بعض الناس أغبياء ليدفعوا هذه المبالغ الباهظة مقابل ما لا يكلف شيئا.  فكر أحمد، ثم قال لنفسه: سأكون ثريا لو أني عملت في بيع الشاي الحقيقي خارج هذا
.المكان

.كان ذلك قبل أربعة أعوام. ومنذ ذلك الحين أصبح أحمد أغنى مما كان عليه، غير أنه لم يغنَ بسبب بيع الشاي
لقد ساعده ذلك الزبون الذي كانت تفزعه مقابلته على الحصول على منحتين دراسيتين: واحدة يستطيع بموجبها أن يتعلم اللغة الإنجليزية في معهد محلي، والثانية يستطيع بها أن يواصل تعليمه في الخارج. وبعد أن أكمل دراسته وعاد إلى صنعاء مسلحا بشهادة دبلوم مشرّفة من بريطانيا انفتحت أمامه فرص العمل. وكلما زادت مكانته الاجتماعية
.علوا، زادت واجباته الأسرية والاجتماعية اتساعا

ودار الزمن دورته وأصبح أحمد زبونا دائما في نفس المقهى الذي أقسم يوما أن لا يعود إليه. زنته البيضاء
الناصعة والمتحدرة بسلاسة حتى نهاية ساقه دون أن تمس قدمه ودون أن تتجاوز كعبه، وزادته أناقة السترة الثمينة التي يلبسها فوق ثوبه، وأكمل المشهد حذاؤه الأسود الصقيل الأنيق، ولحيته المشذبة على هيئة سكسوكه وسيارته الفلوكس فاجن. تجمعت  كل تلك العناصر لتبرز ثقة رجل غني . قليلون جدا هم الأشخاص الذين يستطيعون أن
.ينفذوا إلى مكامن القلق وعدم الاطمئنان في طواياه. “أمل” كانت واحدة من أولئك القليلين

كان قلقا لرؤيتها؛ عرف بأنها لن تحب سؤاله الذي كان سيوجهه إليها، لكنها كانت ستفهم. طوى
سيجاركمران مرات عديدة بين سبابته وإبهامه. أراحته رقة السيجار. هذه السجائر هي من بين الأشياء القليلة التي باستطاعتنا صناعتها. مادام أن باستطاعتنا عمل هذه السجائر محليا بهذه الصورة الجيدة، فلماذا لا نعمل كل الأشياء
.الآخر كذلك بنفس الجودة؟ هكذا فكر

صرخة خارقة للصمت أعادته إلى الواقع. ابتسم وهز رأسه وهو يرى “أمل” تنهض من الأرض بحركة خرقاء
رافعة البالطو إلى ركبتيها نافضة الغبار عن الثوب الأسود الذي غطى ملابسها.  ضحك وهو يرمقها صاعدة الدرجات الثلاث لترقى إلى شرفة المقهى الواسعة. هل هي مجنونة؟ أم أني أنا المجنون لأنني واقع في حبها؟

أخذت تخطو نحوه. نظر نحو الأسفل، شم رائحة قميصه. كانت رائحته مزيجا من العرق والسيجارة وعطر “ديور
.فهرنهايت”. تصافحا وجلست أمامه

.”أباح لها مباشرة بما يشعره في تلك اللحظة: “أشتي أحجفش ولو قبال النّاس كلّهم

ردت بنفس النغمة البريئة ولكن بابتسامة ماكرة أطاحت به في شباكها: ” وأنا كمان”. أخذت وردة حمراء من
.” حقيبتها ووضعتها خلف أذنه.” أحب سكسوكتك، لو سمحت ماعاد تحلقهاش أبدا

مستحيل أحلقها مرة ثانية. لو سمعتِ كم انتقدوني الناس. “على فكرة سامحيني ما قدرتش اسير معش للمسرحيّة ما
“خلّصتش العمل. كيف كانت؟

“…هزّت أمل كتفيها. “يعني

باين ما حبيتيهاش”؟”

” بصراحة كانت مُزعجة. كان الدور الاجتماعي للذكور والإناث معكوس.- الزوجة كانت مسترجلة والرجال ما كانش ذكر بما فيه الكفاية وهذا الشي البسيط خلى الناس تِهَسْتِر من الضحك.  كل النّكت كانت عن هذ الموضوع. تصوّر إن الشخصية الرئيسية في المسرحية علّق في أحد المشاهد ‘كيف يمكن أن يكون ثمة رجلان في نفس البيت'”؟

“سألها أحمد: ” أه. هل هذه المسرحية اسمها “كنْ رجال

” أيوه”

“!إذاً كان المفروض تعرفي من العنوان”

لكن مخرج المسرحية محمد حسن رجّال معروف بأنه فنان تقدّمي و أعضاء فريقه من الممثلين والممثلات كمان
.معروفين بتوجهاتهم التحررية

” رد أحمد: ” لازم يتماشوا مع المجتمع

رمقته أمل:” لكن مش هدف الفن مساءلة الواقع وحثّنا على التساءل والتفكير”؟

“.هذه مسرحية كوميدية ما تبالغيش”

.آآآخ أنت ما تتفهمش عمق الموضوع بسبب هذا…” وأشارت إلى ما بين  فخذيه”

قاطعهما وصول أحد أصدقاء أحمد. قبّله أحمد في خده الأيمن واحدة و زاده في خده الأيسر ما لا تُعد من القُبَل. تشابكت يدا الرجلان، وتداخلت أصبعهما كشجرتين نمت فروعهما في آن واحد. أقبل النادل يحمل صينية وكأسين وأزاح يد كل منهما عن يد الآخر وكأنه مقص بستاني.  وبينما جلس أحمد غادر صاحبه باتجاه القسم الداخلي من
.المقهى

.”وضع النادل كوبين على الطاولة. “كوب كابتشينو لزبونتنا المفضلة وكوب أمريكانو لأخي أبو النّظارات السّميكة

“قالت أمل بنغمة دعّابة: “أنا زبونتهم المفضلة

الأخ أقرب من الزبون” رد أحمد دالعا لسانه. ألقى نظرة خاطفة حوله حتى يتأكد من أن أحدا لم يرَه متلبسا بذلك السلوك الطفولي. الرجال لا يدلعون ألسنتهم. تذكر توبيخ أمه له عندما كان طفلا. أدار بوصلة حسه نحو أصابع أمل الناعمة والطويلة وهي مغطاة بالخواتم الفضية، في نفس الوقت الذي كانت فيه تضع بعناية ملعقة من السكر وسط رغوة الكابتشينو المشكلَة على صورة قلب. كانت منهمكة في تحريك الرغوة مع السكر كانهماكها ودأبها في أي عمل آخر تقوم به. شعر بأعجاب تجاه ما تكنه من عاطفة وإخلاص  تجاه كل ما تقوم به. دائما ما يغلب على أفعالها
:الحماس في كل ما تفعله. تمنى أن يملك ما تملكه. فجأة رفعتْ أمل رأسها ناظرة إليه و متسائلة

ما بِه”؟”

ما بِش شي. ما يحقش للرجّال إنه يقِّدر الجمال اللي قباله”؟”

” أووف مِنّك ومن تعليقاتك السخيفة. اصلاً اليوم شكلي شوعة ومش مرتبة أبداً”

:أووف مِنّش أنتِ اللي ما تقبليش أي غزل. ما يعجبش لمّا يكون مزاجي رائق ورومانسي ولما أكون معصّب تقولي لي”
” ما لك؟ أمانه ما يعجبش العجب.” أخذ يديها وقبض على كفيها بكفيه ” يالله روقي يا بنت”

.قالتْ له: ” يوه والفعلة، إحنا قبال الناس” سحبت يديها بخوف وارتباك حتى أطاحت بالقهوة على ثوبها الأسود

” ضحك قائلا: ” حبيبتي المجنونة

” ابتسمتْ ابتسامة تكلّف وقالتْ: ” شوفْ لو تعيدها مرة ثانية  أنت اللي عاتغسل عبايتي

في الخلفية كانت حشرجة العود قد أخذت طريقها إلى مسامع الحاضرين. ألتفت أحمد و أمل معا نحو مصدر الموسيقى في الخلف. كان ثمة شاب له شعر طويل ويرتدي قميصا قصيرا مخططا بألوان متعددة يتداخل فيها الأزرق مع الأحمر والأبيض وكان عليه بنطلون من الجنز باهت اللون وفي يديه عود الكتروني مائل نحو الحمرة. كان مأخوذا بإيقاعات عوده. نظر أحمد إلى أمل وهي تشاهد عازف العود. أحب تغير تعابير وجهها التي اعتدلت وراقت. شعر بأنه يغبطها على مقدرتها على التعبير عن كل حالة شعورية تطرأ لها. غبطها على حريتها في أن تبتسم وتضحك وتبكي حينما تريد وأينما تريد. لا يبدو أن المجتمع يقبل انفتاحها وشفافيتها في التعبير عن مشاعرها. لكنها تظل تفعل ذلك
.غير آبهة بأحد

“صوت رجل يصيح في وجه عازف العود ليفسد اللحظة: “أيحين عتحلق شعرك؟ قد أنت مثل المرة

” شكله مثل القبيلي” صاح رجل آخر بقهقهة

قالت أمل” والله لا المرة سيئة ولا القبيلي سيء. ما لكم”؟

.تعالت الضحكات في الردهة الخارجية من المقهى

عندها قال أحمد بصوت خافت: ” ليش تعملي هكذا دائماً”؟

“ايش اللي بين اعمله؟”

للمه دائما تردي على كل صغيرة وكبيرة”؟

.ما فعلت شي، بس التعليقات هذه سخيفة ومستفزّة”. علا صوتها ونظرت إليه شزرا”

” الموضوع بعيد منش. هو بينهم”. قالها أحمد حانقا وصوته آخذ في الارتفاع: ” أصلا ما لش دخل”

سحب أحمد سيجارا من علبة الكمران ذات اللون الأزرق والأبيض الملقاة أمامه. أشعل السيجار وظل ينظر إليه وهو
.يحترق. كان ثمة ما يشبه الحريق. وضع السيجار قريبا من فمه وأخذ نفسا عميقا. امتلأت رئتاه وأحس بحيويتهما

:كانت عينا أمل محدقتين فيه لبرهة. وأخيرا تكلمتْ

أمانتك قول لي، مالك هذه الأيام؟ أفعالك كلها متناقضة. لوما صديقاتي يستشيرينك تنصحهن ان يعملين اللي يشتين وينسين المجتمع.  دائماً تدفعهن ان يتحدّين واقعهن.  بس لما الامر متعلّق بي يكون جوابك مختلف. ما يعجبكش أعبّر عن رأيي قُبال النّاس.  يمكن تخاف أختلف مع أهلك مد في شيء وأعبّر عن رأيي” ؟

أووف. رَجّعتيِنا لهذا الموضوع مرة ثانية”. قالها أحمد بنهدة عميقة”

” قول بصراحة. قول إنه بيزعجك لما أتصرّف كما أنا بكامل شخصيتي وإرادتي”

” أووف. اخرسي”

.دفعتْ أمل كرسيها إلى الخلف ونهضت نصف واقفة. رمقها أحمد بنظرة فيها حِدَة وحزم. عادتْ إلى جلستها

أنتِ تتهمينني بأنّي متناقض. لكن شوفي نفسش أول. هل تتذكري هذاك اليوم لما مرّ جنبنا شاب وشتمنا وأنا مارديتش عليه بس انسحبت؟” نظر إليها أحمد نظرة من ينتظر جوابا. ” ما فعلت به شيء و لا حتى مسكته وانتِ عصّبتي وانفجرتي في وجهي. حسيّت خذلتش وخيبت أملش لأنني ما ضربتش الشاب وما فرضتش سلطتي عليه. ولو كنت عملت اللي تشتيه أكيد كنت شاكون رجّال جذّاب في نظرش ولكن كنت صعلوك.. أو مه”؟

ملأ الصمت المسافة الفارقة بين كوبي قهوتيهما. انكمشت عيناه اللوزيتان مثل عيني كلب حزين. تقارب جفنا عينيه الأسودان مظهرين غضون روح أكبر سنا من صاحبها. الوردة الموضوعة بأناقة على أذنه اليمنى انسجمت تماما مع لون عينيه العسليتين. مدتْ أمل يدها لأخذ علبة الكمران، نظرتْ داخلها تبحث عن سيجار حتى تدخن، رمت العلبة الفارغة على الطاولة. لم يسترح أحمد إلا بإكمال آخر سيجار في العلبة. لم يرد أن يدخل في مثل ذلك الشجار
.مرة أخرى. كان هنالك شيء آخر أكثر إلحاحا يريد أن يناقشه معها

عفوا يا حبيبتي، ما كانش قصدي أقسى عليش”، أخذ كفيها في كفيه. أرخت كفيها له هذه المرة. عصرت”
.أصابعها أصابعه برقة

” كانت أمل هادئة للحظات. تنهدت ثم قالت. ” كل ما في الأمر أنه ما قدردرتش أفهمك

” في حقيقة الأمر..” توقف قليلا ثم تابع ” أنا خائف من التأثير الذي قد يكون لزواجنا على أسرتي”

ما قصدك”؟”

أنتِ بتظهري في التلفزيون قبل الزواج وأهلي بيسخروا مني لأني على قولهم ما بين اسيطرش على خطيبتي. بيقولوا: إذ”
.”ما بتغارش عليها لانها بتطلع في التلفزيون وتشتغل مع الرجال، فـ….. توقف نافثا الهواء المزدحم في صدره

” …آه. فهمت”

اسمعي، طبعاً أنا مابين أصدقش هذا الكلام الفارغ. لكن تعرفي كلام الناس. هذا بيأثر عليّ وعلى أهلي. هل”
“.تعرفي بان الشاب اللي تقدم للزواج من أختي تراجع بعدما عرف انش خطيبتي

الحمد لله هي تستاهل أحسن منه..” لوّحت بيدها مبدية تأففها. ” أكيد انك، على كل حال، ما تشتيهاش تكون”
“.مع واحد من هذه النوعية من البشر

.هزّ أحمد رأسه

.”قالت أمل وهي غاضبة: ” أنتْ تعرف أن ما أقدرش أترك وظيفتي

” ما طلبتش منش تتركي وظيفتش”

” ..أيوه. لكن حايجي اليوم اللي تتطلب مني أترك الوظيفة”

ما أعرفش كيف ممكن تنجح علاقتنا لو ما تركتيش العمل”.. قالها أحمد مبدياً اعترافه بما يدور في ذهنه”

خلّيني في حالي. أنت تتظاهر بأنّك المنقذ العظيم لأسرتك لمجرد أنك بتصرف عليهم نهاية كل شهر، لكنك الصدق”
.”جبان. أنت مش قادر تواجههم وتواجه التقاليد، والأسوأ أنك مش قادر تواجه نفسك

طيب. أنا قلت لهم أنه مستحيل  تتركي عملش. لكن هل ممكن تلاقي  لي حل للمسألة االثانية، وهي قول الناس”
.”أنش بتشتغلي لأني ما حاقدرش أصرف عليش

” من هم الناس هؤلاء اللي شغلوا بالك؟”

” أسرتش. أسرتي. المجتمع”

أردفت أمل جوابا عليه: ” إتمعّن شوية في مستوى حياتك المادية والاجتماعية وبعدين شوف حياتي. ما بش معي سيارة وبين أركب المواصلات العامة دائما، مرتبي ما يكفيش إلا لشوية مكسرات. أما أنت، بالمقابل، عندك سيارة فخمة، وعندك شقة في حارة راقية وفوق هذا تلبس جنبية قيمتها مئات الآلاف من الدولارات عشان إيش؟ عشان  تثبت بها رجولتك”. أخذتْ نفسا عميقا ثم واصلتْ: ” ومع  هذا كله تظن أنا اللي بحاجة لشخص غني”؟

” تمام. لكن أنتِ بنت أسرة غنية، وهذا هو السبب الذي خلاش تقبلي هذه الوظيفة والمعاش الواطي.  عندش شعور  بالأمان لو حصل شيء طارئ.  لا أنا ولا أسرتي عندنا هذا الشعور بالأمان فلازم أجمّع بما فيه الكفاية عشان أضمن لي أنا وانتِ حياة تشبه الحياة اللي اتعودتِ عليها مع أسرتش، وفي نفس الوقت استمر في مساعدة
.” أسرتي

” أنت مش سوبر مان. هذا تقريبا مستحيل، وخصوصا إذا قررت أتوقفت عن العمل”

” لازم تفهمي ان مثل كل الرجال في هذا المجتمع، انا عندي التزاماتي “

منّك صدق؟ أنت بتقول لي أنا المرأة، أنه صعب تكون رجال في هذا المجتمع”؟”

ما سمعتيش ما بين اقول”؟ قالها أحمد هاويا بقبضته على الطاولة”

نظرتْ إليه أمل بعينين حزينتين. ” صدَق من قال إن الرجال يعتقد بأن الشمس ما تشرقش إلا عشان تسمع صياحه. ما حصل لك؟ ما حصل لنا؟ لِلمه إبتعدنا عن بعض بهذه الطريقة”؟ أخذتْ الخاتم من إصبعها و وضعته
“.على كفه اليمنى.” أحمد، أنا أحبك. لكنّ الحب ما يكفيش

وقفتْ أمل، لكن هذه المرة، استمرت في المشي تاركة أحمد وحيدا تزينه الوردة الحمراء التي تعلو أذنه. تركته جالسا تحت الخيمة ذات اللون البيج تظلله من حر شمس النهار الحارقة في مقهى ذي طراز غربي بمدينة صنعاء القديمة.
.هوى بيده على علبة الكمران التي أمامه قبضها وسحقها ثم رماها أرضا

.النهاية

نشرت هذه القطعة في السابق على موقع مفتاح باللغة الانجليزية وتم إعادة نشرها هنا وترجمتها الى العربية بإذن من”
.”الموقع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى