أدب

السرير 13

This post is also available in: English (الإنجليزية)

 الصورة بإذن من أنور صبري الصورة بإذن من أنور صبري

أنا الآن أجلس على هذا الكرسي الحديدي, بلا مساند للأيدي, ومسند ظهر منبعج. أعتمد – بثقلي وهمومي وكومة الإحباط والحنق التي تملأ دماغي وكل حيز متاح في صدري- على زنديّ النحيلين. أغرسهما بلا شعور فوق فخذيّ.. وفوق سرير بلا تنجيد, وضعت لحافا مزهرا لأجعله مناسبا للاستخدام الآدمي, تتمدد ابنتي, كأنها جسد. وفي أنفها الصغير أنبوبة بلاستيكية تمنحها دفقا ضئيلا من الحياة, وأنبوبة أخرى تسكب مزيدا ومزيدا من السوائل التي تخلو من أكثر مما أوصى به الطبيب.. وعلى امتداد هذه الصالة ترتص أسرّة أخرى, معظمها شاغرة . على بعد سريرين, رجل خمسيني, استرخى وحيدا وهو ينظر إلى السقف بعدما فشل في لفت انتباه الممرضين.. لا استطيع أن أكترث له الآن, فقط كل ما أراه هو ابنتي. أراقب عينيها الغائرتين في محجرين داكنين. وأنا أمتعض من خفوت أحلامي للحد الذي أرغب فيه أن تحرك جفنيها فقط.

أجرجر نظراتي عنها.. الذبابات هناك تحتفل حول بقعة بجانب صندوق النفايات البلاستيكي الصغير.. المروحة تنتحب على طريقتها الخاصة, تمزق بشفراتها الصدئة أنسجة أحشائي.. العجز يسكنني عما يمكنني فعله لقتله, للانتصار عليه حتى لهذه المرة فقط  ‘‘أقسم أن لا أطلب شيئا لآخر‘‘  توسلته.  أستند إلى مسند كرسيي, تهالكت أكثر, وفي محاولة يائسة ألملم هلام  الانهزام من رئتيّ ومفاصلي, وأنتحب بين كفيّ المرتعشين.. لا شيء يجدي.

عزرائيل, إن أتيت أقسم لك أنك لن تأخذها وحيدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى