ثقافة

الفن من منظور آمنة النصيري

This post is also available in: English (الإنجليزية)

  ”أعرف فنانَينِ؛ يعمل أحدهما في مطعم والآخر يعمل دهان منازل

آمنة النصيري –                                                                   

عندما كانتْ في الصف الثاني فشلت آمنة النصيري في مادة الفن.  طلب المعلم من الطلاب نسخ رسمة شجرة؛ رسمت آمنة الشجرة و أضافت لها فروعا- وكان الهذا السبب كافيا لتفشل. كانت لديها فكرة مختلفة عن الفن منذ الطفولة. وتعتقد النصيري أن الفن مهم لبناء مجتمع مزدهر، فحتى أبسط المجتمعات تصنع الموسيقى والأغاني والرقصات والقصائد الخاصة بها. وتؤمن أن الفن بجميع أشكاله يضفي لوناً وطعماً جميلين على الحياة. ولذلك .تعتبر أن الفن ضروري مثل الخبز

في هذه المقابلة مع مجلة المدنية، تتحدث آمنة الناصري الفنانة والمؤلفة والناقدة وأستاذة فلسفة الجمال في جامعة صنعاء عن واقع الفنون الجميلة في اليمن.

 الصورة بإذن من آمنة النصيري  الصورة بإذن من آمنة النصيري

المدنية:  باديء ذي بدء أرجو أن تحدثينا عن الواقع الفني في اليمن وعلاقته بما يحدث اليوم على كل المستويات المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟

النصيري: كانت المشكلة الرئيسية لفترة طويلة أن المجتمع اليمني لا يعي أهمية الفن. يخلق الفنان لوحته وهو يعلم أن عددا قليلا من الناس سوف تدرك معنى لوحاته. هذا الواقع أقنع الفنان أن يرسم موضوعاته ببساطة، على سبيل المثال تصوير الأزياء الشعبية أو مشهد من مشاهد الطبيعة في اليمن. غير أن  وظيفة الفن، في حقيقة الأمر، ليست التوثيق كالكاميرا. هناك صعوبة في فهم اللوحة المعاصرة ومعناها ليس واضحا للجمهور، الأمر الذي يجعل من الصعب على الناس أن تقدر قيمتها. وفي الآونة الأخيرة، ساءت الأمور مع تراجع الإقبال على شراء اللوحات، حتى اللوحات البسيطة، وذلك .نتيجة لضعف الإقتصاد، مما جعل المواطنين يشعرون بالقلق إزاء سبل عيشهم

وفي الوقت نفسه، جرفت الحرب العديد من الفنانين بعيدا عن عالم الفن. أعرف فنانين؛ يعمل أحدهما في مطعم والآخر يعمل دهان منازل. من المستحيل إبقاء الفن حيا في بلد انهار اقتصاديا. الفن ليس مشروعا شخصيا فقط ولكنه مشروع الدولة أيضا. إذا نظرنا إلى جارتنا عُمَان اليوم، نجد .أنها تمتلك المسارح الفاخرة والمساحات الفنية. إن خروج  الفنانين اليمنيين  إلى بيئات فنية مساعدة كهذه يجعلهم يتألقون أكثر مما هم في وطنهم

المدنية: متى بدأتِ تشعرين بأنك فنانة محترفة؟  هلا وصفتي لنا خطوتك الأولى نحو النجاح؟

.النصيري: كانت البداية عندما بدأت المشاركة في المعارض داخل اليمن وفي بلدان أخرى

المدنية: كيف اقتحمت عالم الفنون الجميلة والفلسفة في مجتمع ذكوري لا يؤمن حتى بأهمية تعليم المرأة؟

النصيري: ساعدني عاملان. الأول هو عائلتي، حيث كانت والدتي امرأة متعلمة؛ تقرأ كثيرا وتؤمن بأهمية التعليم لكل من المرأة والرجل. والعامل الآخر يرتبط بالفنون الجميلة نفسها. في اليمن، تعتبر الفنون الجميلة موضع تقدير أكثر من غيرها من الفنون الأخرى، مثل الغناء والتمثيل. طوال مسيرتي .الفنية، لم أواجه أية مضايقات من المجتمع. على العكس من ذلك، تلقيت الكثير من التشجيع والتقدير منذ البداية 

المدنية: ما هي الصعوبات التي واجهتِها خلال مسيرتك الفنية؟

النصيري: في البداية كانت الصعوبات مالية، فالأدوات الفنية مكلفة. بالإضافة إلى ذلك، عندما كنت أسافر، كانت تكاليف السفر والشحن مرتفعة. ولكن بمجرد أن أصبحت فنانة معروفة، تلقيت الكثير من الدعم. وعامة توجد صعوبات في جميع جوانب الحياة. ورغم ذلك، فالفنان بشكل خاص يجب أن يكون لديه إيمان قوي بعمله. أولئك الذين تركوا بصمتهم في عالم الفن نجحوا دون مساعدة من الدولة. ما يميز الفنون الجميلة عن المجالات الأخرى
.في الحياة هو أن المجتمع يهتم بمكانة الفنان الفنية، وليس بمكانته الاجتماعية

المدنية: عادة ما يكون لدى الفنانين موضوع يشغلهم ويعكسونه في تجاربهم الفنية. هل يمكن أن تخبرينا عن المواضيع التي تشغلك وتنعكس في أعمالك؟ وما هي التغييرات التي مررتِ بها منذ بداياتك الفنية حتى اليوم؟

النصيري: تشغلني الكثير من القضايا في أعمالي. في البداية، كنت منشغلة بقضايا المرأة، ولا سيما الجانب المأساوي منها. كان محور إهتمامي المرأة في اليمن وفي دول الشرق الأوسط. وكان معرضي الأول، “العالم المغلق”، يتعلق بمخاوف المرأة؛ حيث كان العمل يدور حول قضايا المتعلقة بمظهر المرأة. ثم مع مرور الوقت، أدركت أن موضوعاتي كفنانة يجب أن تكون أوسع من ذلك. وهكذا، بدأت قضية المرأة في التلاشي، والانتقال إلى شواغل إنسانية أوسع نطاقا. لعبت دراسة الفلسفة دورا حيويا في تغيير رؤيتي. لقد أوليت الاهتمام للعالم المحيط والاضطهاد والظلم. وفي معرضي “حصارات”، الذي أقيم في عام ٢٠١٠، أردت أن أظهر أنواع القيود التي نخلقها لأنفسنا. على سبيل المثال، عندما يعيش الشخص في ظل مخاوف .مختلفة، مثل الخوف من المجهول أو خوف المرأة من مجتمعها

 مخلوقات ، وسائل اعلام مختلفة على قماش، ٢٠١٣ - الصورة بإذن من آمنة النصيري 
مخلوقات ، وسائل اعلام مختلفة على قماش، ٢٠١٣ – الصورة بإذن من آمنة النصيري

المدنية: على عكس الماضي انضم عدد كبير من النساء إلى المدارس والجامعات وسوق العمل. وفي بعض المناطق، يتجاوز عدد النساء عدد الرجال. هل تعتقدين أن المرأة لديها فرص أفضل اليوم من ذي قبل؟

النصيري: العدد الكبير من النساء في سوق العمل لا يعني أبدا أن الوضع قد تحسن في المجتمع. لن يتحسن الوضع إلا عندما نجد المرأة الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ وعندما نجد وزيرات في مجالات مثل الثقافة أو الاقتصاد أو التخطيط أو في مركز رئاسة الوزراء. ولكن .تظل هذه المراكز محفوظة للرجال

فالنظم السياسية والاجتماعية تستخدم المرأة فقط للتجميل. عندما يتم تشكيل حكومة جديدة، يضعون المرأة كما تضع الفراولة على الكعكة. يختارون امرأة أو اثنتين للوزارات غير الفعالة، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة حقوق الإنسان في بلد لا توجد فيه حقوق الإنسان. ولا تتمتع المرأة بنفس .الحقوق التي يتمتع بها الرجل. وفي حال استطاعت الحصول على بعض الحقوق، فإن ذلك لا يتم إلا بعد أن تقاتل وتقاوم وتخوض العديد من المعارك

المدنية: في سياق الحديث عن الحرب المستمرة، هل الظروف القاسية التي تواجه اليمن اليوم تؤثر على  لوحاتك أو أدائك الفني؟

النصيري: في ظل كل هذا الظلام، أحاول جاهدة التركيز على ما هو مشرق. الفن له دور هام في إعطاء الأمل
.للناس. ولذلك يجب علي تفعيل هذا الدور. اعتبر الفنون الجميلة لغة غير مباشرة تعبر عما يحدث بطريقة جميلة

الفنانة “آمنة” لا تتوقف. ومع ذلك، لا اخطط لأي معارض في الوقت الحالي. انهارت البلد اقتصاديا ولا توجد إمكانية لعقد معرض فني. كما أن نشاط وزارة الثقافة غائب تماما عن المشهد الفني. دعيت لعقد العديد من المعارض في الخارج خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكن لم أستطع السفر لأن مطار صنعاء مغلق. يسمح السفر فقط من مطار عدن أو سيئون، ومن الصعب جدا السفر من هناك نظرا لتوقف شركات النقل البحري. كان معرضي الأخير في ٢٠١٤ في تعز تحت عنوان “الرؤية من الداخل” وفي ألمانيا في عام ٢٠١٥. وسوف أقوم بنشر مجموعة من
.المؤلفات الجديدة قريبا

المدنية: مدينة رداع التي تنتمين اليها مليئة بالتناقضات: هناك القبيلة والثأر والسلاح، وكذلك التراث المعماري القديم؟ ما الذي أثر عليك أكثر، القبيلة أم التراث الإسلامي القديم؟

النصيري: لم أقِم طويلا في رداع، ولكنني جزء من كل هذه التناقضات. لقد اكتسبت الكثير من أمي التي جاءت من منطقة شرسة وعريقة. ما زال في ذهني منظر النساء اللاتي يصنعن الفخار ويمارسن التطريز الشعبي. من ناحية
.أخرى، دراساتي في الخارج وفرص السفر التي حصلت عليها منحتني الفرصة في أن أقف في وسط العالم 

المدنية: نظرا لسوء الوضع أصبح السفر حلم معظم اليمنيين اليوم. هل تفكرين في الهجرة والعيش في بلد آخر حيث الأمن والسلام وسيادة القانون؟

النصيري: هناك فرص للهجرة والعيش في الخارج، ولكن كفنانة، أشعر أن اليمن هي محور عملي. لم يكن هاجس السفر في داخلي أبدا. يمكنني أن أنجح في وطني، وعلاقتي مع الوطن ليست مجرد كلمات. سوف أكون غريبة في
.الخارج بلا شك، وهذا أكثر ما يخيفني. لا يوجد حرب أو عنف هناك، ولكن بالتأكيد لن أكون نفسي

 بدون عنوان، وسائل اعلام مختلفة على قماش ، ٢٠١٣ - الصورة بإذن من آمنة النصيري  بدون عنوان، وسائل اعلام مختلفة على قماش ، ٢٠١٣ – الصورة بإذن من آمنة النصيري

المدنية: هل أنتِ راضية عن نفسك اليوم؟ ما هي الإنجازات التي لم تتح لك الفرصة لتحقيقها؟

النصيري: أستطيع أن أقول نعم، ولكن الإنسان بطبيعته لا يصل إلى الشعور بالرضا التام. لا يزال لدي رغبة في تحقيق المزيد. وما زلت أتطلع إلى أن أصبح أفضل على المستوى الإنساني والفني. إلى جانب ذلك، أود القيام بتجارب فنية جديدة، وأن أجترح ممارسات جديدة في مجال الرسم، وذلك باستخدام أساليب فنية جديدة وغير مألوفة
.في المجتمع اليمني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان أول معرض لآمنة النصيري في عام ١٩٨٦، عندما غادرت بلدها تحمل لوحاتها إلى بلاد ما بين النهرين. عرضت أعمالها في أكثر من ١٦ معرضا فرديا في اليمن وفي بلدان أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية. ولديها ثلاث مؤلفات نقدية، الأول، “مواقيت لأحزان سبأ” وهو عمل يحتوي على رسومات إلى جانب قصائد من تأليف الشاعر أحمد العواضي. بالإضافة إلى كتابين تحت عنوان “مقامات”، و”متوالية
.”القديم والجديد

ولدت النصيري في مدينة رداع، وعاشت في كنف عائلة صغيرة إلى جانب أخت شقيقة و أخوين شقيقين وأمها. على عكس العديد من الأمهات في رداع، كانت والدتها متعلمة وتمارس القراءة والرسم. لذلك كانت أول من علم آمنة الرسم. وكانت أيضا أول من رفع دعوى قضائية ضد زوجها الذي أراد منع بناته من الدراسة. ولكن للأسف خسرت القضية، وأخذت بناتها وذهبت إلى مصر للعيش هناك لمدة أربع سنوات.

غيرت حياة النصيري في بلد مختلفة شخصيتها. وعادت إلى اليمن لإكمال تعليمها الثانوي، ثم ذهبت لدراسة الفلسفة في الجامعة. بعد التخرج، سافرت إلى موسكو لدراسة الفن لمدة عشر سنوات، نظرا لعدم وجود فرصة لدراسة الفن في صنعاء. وفي موسكو حصلت على الدكتوراه في فلسفة علم .الجمال. وهي الآن أستاذة في جامعة صنعاء تدرِّس فلسفة الجماليات وتساعد الشباب في هذا المجال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى