المجتمع المدني

تركت بريطانيا لتساعد آلاف الأطفال من أبناء بلدها

This post is also available in: English (الإنجليزية)

(بعيداً عن الضجة الإعلامية تواصل الأستاذة نورية ناجي عملها الإنساني بصمت في (منظمة التعليم والإغاثة اليمنية التي أنشأتها عام 2003. تقدم المنظمة خدماتها للمجتمع في مجال التعليم ومساعدة الأسر الفقيرة ومكافحة التسول. لفت اسم نورية ناجي أنظار العالم عام 2013 عندما حصلت على وسام الشرف من الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا تقديراً لأعمالها الإنسانية في اليمن. وبذلك تكون  ناجي أول سيدة عربية تحصل على هذا الوسام الرفيع. عادت بعد تقلدها الوسام بهدوء إلى أطفال الشوارع الذين ينتظرون عودة ماما نورية –كما يسمونها- إلى اليمن. تحدثت نورية بتأثر عن اللحظة التي تقلدت فيها وسام الشرف:

 الصورة بإذن من محمد الرقيب
الصورة بإذن من محمد الرقيب

“شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي حين سمعت اسم اليمن يتردد في قصر باكينجهام، كان ذلك فخراً لي أكثر من الوسام”. تقول عن رأيها في هذا التكريم:

“هو تكريم من الله لي حين وضعني في هذا الطريق، أنا لم أختره، ولكن الله وجهني إليه، حين وضعت الملكة الوسام على صدري بيدها كنت أفكر في اليمن فقط”.

:سألتها عن رد الفعل المحلي عقب تكريمها فأجابت

“حصلت على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية حين عدت إلى اليمن بعد التكريم، وتم التوجيه شفهياً بتقديم المساعدة للمنظمة وتسهيل أعمالها، ولكن القيود البيروقراطية أعاقت هذه القرارات، ثم بدأت المشاكل والصراعات التي تعاني منها البلاد إلى الآن”

أين أنتِ الآن بعد هذا التكريم؟ –

:تقول نورية بألم

 أنا أعيش حالة إحباط شديد، فقد تدهور حال البلاد إلى حد مخيف، فغياب الدولة والقانون. يجعل من الصعب العيش هنا، الكثيرون يعتبرون حقوق الآخرين مصدر رزق لهم، فقد وصلنا إلى وضع لا يمكننا فيه المطالبة بحقوقنا، لا نستطيع مساعدة أحد، ولا نستطيع مساعدة أنفسنا”.

:نورية التي نشأت في بريطانيا وتحمل الجنسية البريطانية، سألتها بفضول

 لماذا عدتِ إلى اليمن؟-

:أجابت

لأنها وطني، غرس فيّ والدي حب الوطن، سمعت أحاديثه القديمة عن اليمن، التي كان يتحدث عنها بحب وحنين. وهو الأمر الذي جعلني أتذكر دائماً أنني أنتمي إلى هذا المكان، لهذا قررتُ بعد زيارتي اليمن عام 2000 أن أعود إليها لأقدم لها شيئاً.

.تعتبر نورية حب الوطن من المبادئ التي نشأت عليها، ويؤلمها أن ترى الكثيرين يتاجرون بالوطنية

:تضيف

رفضتُ عرضاً من السفارة البريطانية للعودة إلى بريطانيا بعد حصولي على الوسام كوني أحمل الجنسية، فحذروني ستتحملين مسؤولية بقائك في اليمن” وتحملت” هذه المسؤولية، كما فشلت محاولات الأصدقاء في إقناعي بالعودة إلى بريطانيا يومها، لم أكن أستطيع ترك 550 طفلاً أنا مسؤولة عنهم. كيمنية لا يتحمل قلبي رؤية بلادي تمر بهذه الظروف وأفكر بنفسي، لكن فكرة الرحيل تراودني الآن، فأنا أشعر أنني أدفع ثمن اعتزازي بوطني”.

:وضحت سبب إحباطها

جئت إلى اليمن ممتلئة بالأمل في المساهمة بعمل شيء للوطن، وانتشال الناس من الفقر المدقع بقدر استطاعتي لكنني اصطدمت بهذا الواقع والاستهتار بالبشر” وعرقلة العمل الإنساني وإعاقة من يعملون فيه. قاومت كثيراً في الماضي، لكن بعد وقوع الحرب وغياب الدولة والقانون وجدت نفسي عاجزةً عن مساعدة نفسي ناهيك عن مساعدة الآخرين. كل هذا يجعلني أفكر في العودة إلى بريطانيا مرة أخرى، فأنا في النهاية إنسان لديّ قدرة محدودة على التحمل”.

،تغطي جدار مكتبها شهادات تقدير وشكر من منظمات وجهات رسمية ومجتمعية، ولم تكن هناك الكثير من الصور صورة واحدة فقط لنورية وهي تتقلد وسام الشرف الملكي

:تقول نورية
أنا وفريقي نعمل بصمت، نعمل الخير بهدوء ودون مقابل، ويكفيني إنصاف وتقدير الناس البسطاء.”

 الصورة بإذن من محمد الرقيب الصورة بإذن من محمد الرقيب

في جولة في مبنى المنظمة ظهر اهتمام نورية بتعليم الأسر المستفيدة مهارات مختلفة وليس فقط تقديم مساعدة آنية. غرفة تعليم الكمبيوتر مجهزة بحواسيب يتعلم الشباب فيها مهارات تمكنهم من العمل في مكاتب ومراكز تجارية، وتزين الجدران لوحات جميلة رسمها الأطفال الذين يتعلمون الرسم هنا، كما تقدم لهم دروس تقوية إلى جانب الاهتمام بتعليمهم في المدارس.

في جانب آخر هناك مشغل لتعليم النساء الأشغال اليدوية وإنتاج أعمال فنية متقنة. صنعت المنظمة سوقاً محلية وخارجية لبيع هذه المنتجات التي تؤمّن دخلاً لهذه الأسر تظهر في هذه الأعمال بوضوح الهوية اليمنية واستخدام الألوان والنقوش من البيئة المحلية ممتزجة بحداثة التصاميم، وهو الأمر الذي يجعلها تعكس صورة  عصرية عن اليمن تحاول نورية نقلها إلى العالم.

تقول نورية التي تركت عملها التجاري في بريطانيا وتفرغت للعمل الخيري في اليمن:

كانت بداية المنظمة عام 2001 عندما كنت أفكر في عمل خيري أقدمه في اليمن، وأجريت لمدة عام دراسة ميدانية لمعرفة احتياجات المجتمع، فكرت في البداية بدار للعجزة والمسنين، لكن الفكرة لم تكن مشجعة بسبب عادات المجتمع اليمني، ثم قابلتُ بالصدفة طفلة في مركز مكافحة التسول وقررت مساعدتها في العودة إلى المدرسة، غير أن أسرتها رفضت بسبب احتياجهم إلى المال، لهذا قررت مساعدتهم مالياً مقابل موافقتهم على تعليم ابنتهم. ومن هنا بدأت فكرة المنظمة التي تم افتتاحها في أبريل عام 2003 بهدف إعادة أطفال الأسر الفقيرة إلى المدارس وتعليم أسرهم الحرف التي تساعدهم مادياً بدلاً عن التسول. وكانت النتيجة 550 طفلاً وصلوا إلى مراحل مختلفة من الدراسة نقوم بمتابعتهم خلالها. فبرامجنا التعليمية ثابتة وليست مؤقتة، وقد وصل بعضهم إلى المرحلة الجامعية، وندعم من يريد منهم العمل في مشاريع صغيرة. و إلى جانب ذلك  كنا نساعد الآباء في أعمال صغيرة كرعي الأغنام في بداية عملنا، لكننا واجهنا الصعوبة المعتادة من عرقلة الجهات المسؤولة لسير هذه المشاريع الصغيرة”.

 والجدير ذكره أن ما يقارب ألف أسرة قد استفادت من خدمات المنظمة، كما تم تعليم  550 طالباً منذ المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية أو مرحلة الحصول على عمل.

 :تحدثت نورية عن وضع المنظمة في الوقت الحالي

“في هذه الظروف أصبح اهتمامنا بالعمل الإغاثي أكثر من التعليم. نقوم بتقديم المعونات للأسر الفقيرة كالطعام والملابس والأدوية، كما أننا نعمل على بذل المساعدة في دفع إيجارات المنازل، فقد أصبح الناس يحتاجون إلى وسائل الحياة العادية أكثر من التعليم”.

 الصورة بإذن من محمد الرقيب الصورة بإذن من محمد الرقيب

:رغم تضرر مبنى المنظمة بالقصف الجوي أثناء الحرب، إلا أن العمل لم يتوقف. تقول نورية عن الصعوبات التي واجهت عملها في المنظمة

“لم تكن الحرب هي العائق الوحيد أمامنا، فقد كنا صامدين، حتى حين تضرر المبنى الذي يضم المنظمة لم نتوقف عن مساعدة الناس بقدر استطاعتنا، ولكن الإحباط الحقيقي كان في غياب الدولة، وعجزنا عن أداء عملنا كما يجب”.

 نورية ناجي التي جعلت اسم بلادها وساماً لا يرفع عن صدرها، تحمل في قلبها حباً عميقاً، وفي عينيها ألما لا تستطيع إخفاءه. في نهاية حديثها تمنت أن تنتهي الحرب في اليمن، ووجهت رسالة إلى اليمنيين بأن يهتموا ببلادهم لأن الوطن هو أغلى ما نملك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى