أدب
أخر الأخبار

أدب المنشور: كيف أثر فيسبوك على الحركة الأدبية في اليمن

This post is also available in: English (الإنجليزية)

 

ما الذي يريده غالبية الكُتاب؟ لا شيء أكثر من أن يُقرأ لهم، وليس هنالك أصعب من ذلك. فحتى زمن قريب كي يصل نص لجريدة أو يقبل لدى دار نشر فإنه يحتاج لبالغٍ من الجهد أو وافرٍ من الحظ. ولم يكن هنالك خيار أقل معاناة حتى جاء فيسبوك ليتحول من مجرد منصة اجتماعية هدفها التواصل إلى مسرح حر لعرض الثقافة والفنون، حيث يمكن لكل مرتاديه أن يمارسوا الكتابة الإبداعية دون أي قيد أو صعوبة تحول دون وصولهم للجمهور.

يمتاز فيسبوك بميزات عديدة أهلته لأن يكون مناخاً ملائماً لنمو الحركة الأدبية في اليمن. إذ يتجاوز عدد الحسابات اليمنية المليونين والنصف، أضف إلى ذلك نحو ما يقارب 145 مليون مستخدم عربي. هذا الجمهور الهائل الناطق بالعربية يجعل فرصة الكاتب المحلي أعلى بكثير لأن يُقرأ له من السابق مقارنة بأعداد المهتمين بالأدب والقراءة خارج الواقع الافتراضي. فالفيسبوك يصنع جمهوراً من مختلف الشرائح ويسهل الوصول إليهم، وبالرغم من أن النصوص الإبداعية قد لا تلقى في بادئ الامر قارئاً متمكناً ومثقفاً بيد أنها ستجد من يقرأها بالتأكيد، دافعةً الكاتب للاستمرار وغيره من المهتمين بالأدب للاهتمام بهذا المنتوج الأدبي الذي يظهر أمامهم.

المجال الحر على فيسبوك جعل الخوف من مقصلة الرقابة أمراً مستبعداً -إلا فيما ندر- مما منح الكاتب مساحة أكبر للإبداع. إذ كل النصوص قابلة للكتابة، فالمستخدم هو المؤلف والمراجع والناشر وهيئة الرقابة (باستثناء بعض معايير فيسبوك المتعلقة بخطابات الكراهية) وبمجرد كبس زر النشر يصبح النص متاحاً للقراءة من أي مكان.

خيارات التفاعل مع المحتوى المنشور وسهولة التعقيب المباشر على النص صيّرت العلاقة بين الكاتب والقارئ أكثر قرباً ومرونة من أي وقت مضى. أصبح الكاتب على دراية برأي المتلقي بخصوص ما يكتب، وحالما يكون هنالك نقد للمحتوى المقدم فلا أسهل من نقله عبر فيسبوك.  شبكة الربط بين أقطاب العملية الثقافية يسرت اجتماع الأدباء والكتاب من أي مكان في العالم مع أقرانهم وقرائهم وعقد الندوات والورش والفعاليات الأدبية بسهولة أكبر وبحضور أعلى مما يمكن أن يُجمع على الواقع.

هذه الحركة الأدبية النشطة على فيسبوك شجعت عدداً من غير المهتمين بالأدب إلى التعرف على الكُتاب والنصوص الأدبية والدخول إلى عالم القراءة، وهو ما انعكس إيجابا على حركة الطباعة والنشر ودافعاً المزيد من الكتاب الشباب إلى الكتابة وإلى عرض أعمالهم الإبداعية. كما أسهمت في تنمية القدرة التعبيرية لدى المتابعين من خلال اطلاعهم على مصطلحات وأساليب تعبيرية كانت جديدة عليهم في السابق، غير أنهم اكتسبوها من بعض النصوص المنشورة على فيسبوك وكذا عبر التفاعلات المكتوبة معها في صورة تعليقات.

العمل الفني لرفيدا أحمد

كتبنا على فيسبوك

تبدي الكاتبة آلاء السلمي امتنانها لمنصة فيسبوك؛ فقد حققت لها العديد من المكاسب فيما يخدم قدرتها الأدبية وها هي تدفعها للاستمرار في العمل الجاد على مجموعتها القصصية الأولى. تقول آلاء: “مؤخراً لاحظت ازدياد اهتمام أصدقائي على فيسبوك بقراءة النصوص الأدبية، لقد صنع لي الفيسبوك جمهوراً، دفعوني للكتابة أكثر وأوصلني لكتاب ونقاد محليين وعرب، تلقيت منهم النقد حول ما أكتب، أرشدني هذا لصياغة أسلوبي الخاص.” ليست آلاء الوحيدة فالشاعرة ليلى حسين ترجع الفضل لصدور ديوانها الشعري الأول “أوكتافيا”، الصادر عن دار نقش عام 2019، لفيسبوك، حيث تقدمت بنص أدبي لمسابقة أدبية أقامتها دار نقش على فيسبوك، ليتم اختيارها مع متسابقة أخرى ومنحهما فرصة للنشر المجاني لديهم.

حمزة القاضي كاتب شاب نشر روايته الأولى “وكأن شيئاً لم يكن” الصادر عن دار نقش عام 2018، يجد بأن فيسبوك قد خلق صلة بينه وبين القارئ وساعده على تسويق الكتاب. ولا تخالفه الكاتبة آلاء جمال بخصوص دور فيسبوك التسويقي قائلة: “لقد كان المنصة التي سوقت عليها روايتي الأولى “منتهاي” عام 2016، ومن خلاله وصلت لعدد كبير من القراء.” وتجد جمال أيضاً بأن فيسبوك حسن من جودة ما تكتب، حيث إن تجارب الكتابة المستمرة عليه كانت بمثابة تمرين دائم على الكتابة، بالإضافة لآراء القراء الناقدة والتي ساعدت على صقل موهبتها الأدبية.

لا تعتبر الكاتبة نجود القاضي أن فيسبوك هو الدافع للكتابة ولكنه بالتأكيد كان عاملاً هاماً للاستمرار ومساعداً على تحديد مسارها الأدبي. تقول نجود: “النص الفيسبوكي تفاعلي، يقرأه مختلف القراء باختلاف مستوياتهم ويتفاعلون معه، وهذا يخلق مساحة لتلاقح الثقافات والأفكار، مما يعود على تطوير مستوى الكتابة بالنفع.” فازت نجود عن مجموعتها القصصية “ذاكرة الرمل والصدى“، بجائزة الشارقة للإبداع وقد كان فيسبوك وسيلة للتعريف بها وبمنجزها.

عبد الحكيم بامخرم يكتب على فيسبوك منذ 2013 ويقول عن تجربته: “بدأت الكتابة لشعوري بحاجة ماسة للتعبير عن افكاري الخاصة.” ويجد بأن فيسبوك لا يساعده في الوصول للقراء وحسب، بل إن معرفة آرائهم بخصوص ما يكتب بشكل مباشر شيءٌ لا يتسنى له الحصول عليه عند النشر في الجرائد والمجلات المحلية. بالرغم من هذا فإن بامخرم يرى أن تجربة الكتابة على فيسبوك ليست تجربة إيجابية بالمطلق، حيث إنها تجعل الكاتب مقيداً وخاضعاً في أوقات للرأي والمزاج العام وهذا ما يعده أمرا غير صحي للكاتب.

لكن ماذا عن الوجه الاخر لأثر التقدير الذي يحصل عليه كُتاب فيسبوك من متابعيهم؟ بعيداً عن دوره المعنوي المحفز فإن هذه الآراء المبنية في الغالب على أسس عاطفية قد تسهم في تدني الجودة الأدبية للنص، حيث إن سهولة النشر مع مميزات الإحساس المبهج الذي تمنحه تفاعلات المتابعين للكاتب ربما تجعله معرضاً لـ”هوس اللايكات” راغباً في الحصول عليها دونما تريث في صياغة النص قبل نشره ليكون لائقاً أدبياً. أضف إلى ذلك أن التفاعل المتكرر للمتابعين مع نصوص كاتب ما قد يتحول مع الوقت لعادة غير واعية وبالتالي فإن الآراء التي يضعونها لا تكون، لها في أوقات كثيرة، علاقة بالمعايير الموضوعية لتقييم النص الأدبي. من زاوية أخرى تشكل مسألة التفاعل المباشر مع النصوص المنشورة أداة تثبيط للكُتاب المجيدين والمبدعين والذين لا تحظى كتاباتهم بقدر كافٍ من الاهتمام مقارنة بكتاب آخرين أقل مستوى فقط لأنهم لا يملكون عدداً كبيراً من المتابعين أو لكونهم لا يتمتعون بحضور جذاب على فيسبوك لأسباب عديدة مثل: عدم تعمدهم الإثارة العاطفية فيما يكتبون، أو الخوض في المحظورات المجتمعية، بالإضافة لاتصاف أسلوبهم أحياناً بالرمزية والتعقيد والذي يصعب على العامة البسيطة فهمه والتفاعل معه وبالتالي فإن هذا النوع من الكتابة لا يلامس سوى النخبة من القراء والتي هي شريحة ضئيلة في المجتمع مما يجعل جمهورهم محدوداً، بعكس الأسلوب الساخر الخفيف والقريب من لغة الشارع وقضاياه.

حركة النشر الكثيفة من الممكن أيضاً أن توحي للقارئ البسيط بأن ما يُنشر على فيسبوك كافٍ لبناء خلفية ثقافية وصنع ذائقة أدبية. كما إن جو القراءة التفاعلي الممتع على فيسبوك قد يصرف القارئ بعيداً عن القراءة المنفردة كقراءة الكتب مثلاً والتي هي مصدر أساسي للمعرفة والأدب الأصيل.

العمل الفني لرفيدا أحمد

كُتاب ما قبل الفيسبوك

لا يختلف الكتاب الكبار على أن فيسبوك، وإن لم يكن منصة ظهورهم الأولى، فهو قد أسهم بشكل فعال في ربطهم بالقراء ونشر مؤلفاتهم الأدبية. أما بخصوص ما ينشره الكتاب الشباب اليمنيون على فيسبوك، فيرى الكاتب الغربي عمران أن عدداً من الكتابات على فيسبوك ستفرز أدباء كبارا مستقبلاً قائلاً: “بالتأكيد ليس كل من يكتب مجيد، سهولة النشر ستزيد من صعوبة التنافس والوصول للقمة.” وعن جودة المحتوى يقول: “هنالك الكتابات الجيدة والسيئة وهذا لا يهم لأن من سيبقى هو المخلص!”

“التزايد في استخدام الحركة الثقافية عبر فيسبوك يعد حركة إيجابية ليس على الصعيد المحلي فقط؛ إنه ينشط الحركة الأدبية ويعرّف بالكاتب على نطاق أوسع.” هذا ما قالته الكاتبة ومديرة مكتب الثقافة بأمانة العاصمة الأستاذة نجاة باحكيم، لكنها أبدت بعض القلق بسبب حرية التعبير والنشر على فيسبوك حيث ترى احتمالية أن يستخدمها البعض فيما يضر الحركة الأدبية كالإشادة بمحتوى أدبي ضعيف المستوى أو الإساءة لكتاب أو نص ما لأسباب شخصية بعيدة عن النقد الموضوعي المنظم. أما عن النشر على فيسبوك بالمجمل فتجد أنه يتسم بالجدية لاعتقادها بكونه بطاقة تعريفية بالكاتب، لذا فإنه سيكون أكثر حذراً عند النشر عن طريق المراجعة والاهتمام بجودة المحتوى. “لقد ساعدنا فيسبوك في مكتب الثقافة بأمانة العاصمة في نشر الأنشطة الثقافية سواء احتفالات وطنية أو أعمال فنية أو كتابات أدبية أو غير ذلك وهو ما يدفع بعجلة الحركة الأدبية إلى الأمام.” تعقب باحكيم.

يبدأ الكاتب وجدي الأهدل حديثه قائلاً: “لقد ساهم فيسبوك بشكل كبير في وصول إنتاجي الأدبي إلى القراء.” وعن دور فيسبوك الأدبي يقول: “غياب المجلات والصحف الورقية في اليمن ترك أثراً ضاراً بالنسبة للجيل الجديد من الأدباء الشباب، لكن موقع فيسبوك شكل بديلاً ولعله يقوم بدور أفضل من حيث قدرته على الوصول إلى القراء أينما كانوا.” أما بالنسبة لجودة المحتوى الأدبي المقدم على فيسبوك، فيرى الأهدل بأن هنالك نصوصا عالية الجودة ونصوصا متدنية ولا يشكل هذا أي خطر على الأدب؛ إذ إن الفرصة متاحة للنشر للجميع والقراء هم من سيحكمون.

 

فيسبوك والبيئة الثقافية اليمنية

أدرك المهتمون بالأدب والعاملين في المجال الثقافي أهمية الدور الذي بات يلعبه فيسبوك في دفع مسيرة الحركة الثقافية لذا فقد قاموا باستغلاله فيما يخدم هذا الهدف.

مجموعة “اليمن تكتب” الفيسبوكية مثال جيد لهذا فقد أنشئت المجموعة قبل خمس سنوات بغرض خلق ملتقى للمواهب الكتابية، واليوم تضم عشرين ألف عضو مهتم بالكتابة، وهذا عدد يصعب تواجده في ملتقى ثقافي على الواقع. قدمت هذه المجموعة خدمات كثيرة للشباب الموهوب كخلق منصة للإبداع وربط الكتاب والقراء ببعضهم، كما إنها شكلت بيئة للتعلم والتوجيه المستمرين للموهوبين من خلال التفاعل المتبادل بين الكُتّاب والأعضاء المتخصصين في الأدب واللغة العربية للتعقيب على منشوراتهم وتصحيحيها إملائياً ولغوياً مما حفز الكاتب لأن يكون أكثر يقظة فيما يكتب. تقول أريج علي المتحدثة باسم صفحة المجموعة: “لقد كانت مجموعتنا سبباً في إلهام منتديات ثقافية أخرى ساهمت في تنشيط حركة الثقافة في اليمن، وجدنا تفاعلاً كبيراً من قبل الأعضاء الذين لم يتوقفوا في المجمل عن التقدم في مستواهم الكتابي، هنالك من حصل منهم على فرص داخلية وخارجية للنشر وكملتقى أدبي قمنا بطباعة أربعة مؤلفات لأعضاء من مجموعتنا.” المجموعة التي بدأت على فيسبوك آتت ثمارها منتقلة للواقع أيضاً عن طريق عقد دورات وبرامج تدريبية وانشطة أدبية متنوعة.

العمل الفني لرفيدا أحمد

الكثير من المؤسسات الثقافية استغلت الحركة النشطة للكتاب الشباب على فيسبوك لتقدم برامجها من خلاله كمؤسسة “رموز” التي قامت بتخصيص برنامج للنشر يساعد في التعريف بالكتاب الموجودين على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر كتاباتهم على صفحتها الخاصة. يقول صادق الحراسي منسق برنامج “كتابات” التابع لمؤسسة رموز: “يعد الفيسبوك من أهم حلقات الوصل بين المؤسسة والشباب ومعرفة آراءهم حول النشاط الأدبي في اليمن واحتياجات الأدباء وأيضاً نشر الفرص التدريبة وورش العمل.” رموز أقامت مسابقة على فيسبوك للكتابة عرضتها على صفحتها تقدم إليها نحو مائة كاتب، وسبق أن أصدرت كتابا جامعا بعنوان “صراع – الأدب القصصي الجديد في اليمن” يحوي قصصاً متنوعة لكُتاب شباب بعضهم نشطون على فيسبوك تقدموا بأعمالهم لأحد برامجها المتخصصة في الكتابة.

نقش” هي دار نشر محلية تهتم بنشر الإبداعات الأدبية وتركز بشكل كبير على فئة الشباب، يقول حمزة عبد الله مدير عام الدار “حفزتنا كتابات الشباب على فيسبوك كثيراً ونحن نهدف إلى دعم الشباب المبدعين وتوجيههم نحو نشر أعمالهم بطرق موثوقة.” دار نقش تقيم مسابقة سنوية مختصة بالكتابة عبر فيسبوك الذي تعده منصة مهمة ومساحة مجانية للنشر، مع تقديم خدمات نشر مجانية وكاملة للأعمال الفائزة.

الكاتبة عهود سمير صاحبة رواية “سرطان في غصن شجرة”  الصادرة عن دار نقش عام 2018 ومؤسسة مجموعة “كتابات وكتب” – ذات الستة آلاف عضو- المخصصة للكتابات الأدبية تجد أن سهولة الوصول لتطبيق فيسبوك وعدد الأحرف الكبير المتاح للمنشور- مقارنة بغيره من المنصات – مكنته لأن يكون المكان الأمثل لممارسة نشاط الكتابة وبالتالي تواجد عدد كبير من الكُتاب لذا فقد اختارته لإطلاق مشروعها “مائة نص لمائة كاتب” وهو مشروع يهدف لإصدار كتاب جامع يضم نصوصا أدبية لكُتّاب على فيسبوك ورسوماً لفنانين أعضاء في المجموعة، تم إنجاز جزء كبير من الكتاب ويتوقع صدروه في بداية السنة القادمة ٢٠٢١ باللغتين العربية والإنجليزية بالإضافة إلى نسخة صوتية.

كمثال أخير نضربه هنا، فإن نادي القصة اليمنية “إلمقه” الأدبي، والذي يعقد نشاطاً ثقافياً كل أربعاء من كل أسبوع قد وجد السبيل للوصول إلى أعضائه والتعريف بأنشطته من خلال الفيسبوك، وقس مثل ذلك على غيره من الملتقيات الأدبية اليمنية.

يصعب اليوم إنكار الأثر البالغ الذي أحدثه فيسبوك على الحركة الأدبية في العالم العربي بشكل عام واليمن بشكل خاص، لكن ما يزال هنالك جدل حول نوعية هذا التأثير سواء كان إيجابياً أم سلبياً. فهنالك من يرى بأن الحركة الحيوية للكُتاب على فيسبوك قد ساعدت في إثراء المحتوى الثقافي وشجعت الكثير على الولوج لعالم الأدب واستثمار مقدرتهم على الكتابة. وعلى العكس من هذا يظن البعض بأن سهولة النشر قد ساهمت في تشويه المشهد الثقافي من خلال تمكن غير المجيدين لفن الكتابة من الوصول إلى عدد كبير من الجماهير ونشر المحتوى الرديء الذي سيؤثر لاحقاً على مستوى ذائقة القراء الأدبية.

اظهر المزيد

جهاد جارالله

كاتبة وفنانة يمنية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى