رأي
أخر الأخبار

ما بين الثعالبي والريحاني: رواية اليمن في رحلتين

This post is also available in: English (الإنجليزية)

كانت اليمن رغم عزلتها محط اهتمام عدد من السياسيين والكتاب العرب الذين كانوا مشغولين بنهضة الأمة في بدايات القرن العشرين، وكان كثير منهم يعتقد أن شمال اليمن – تحديداً- بسبب بعده عن الاستعمار قد يكون منطلقاً جيداً لمشروع سياسي نهضوي بأبعاد إسلامية أو قومية. ومنذ بداية النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين انقسم الفكر العربي أو التوجه السياسي العربي نحو تيارين أساسيين، تيار قومي عروبي علماني وكان أبرز منظريه المسيحيون الشوام وتيار آخر إسلامي. وفي كلا الحالتين كانت اليمن لها مكانة خاصة، فهي أصل العرب عند القوميين ومنطلق الإسلام لدى الإسلاميين.

ومن اللافت أن ذوي التوجه الإسلامي كانت تصوراتهم وآراؤهم إيجابية تجاه الإمام يحيى حميد الدين خاصة أنه لم يحاول مساندة الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى، ومن هؤلاء عزيز العظمة وعبد العزيز الثعالبي. بينما كان أصحاب التيار القومي أكثر نقداً لتجربة الإمام باعتبارها شديدة التخلف والبؤس، ومن هؤلاء أمين الريحاني.

 في هذا المقال سنحاول مقارنة “الرحلة اليمانية” لعبد العزيز الثعالبي الكاتب والسياسي الإسلامي التونسي الشهير وفيها يدون ما رآه أثناء رحلته في اليمن بحدود عام 1924، مع رحلة أمين الريحاني إلى اليمن التي تقاربت في زمنها مع رحلة الثعالبي؛ فقد كانت في 1922م، ودونها في كتابه “ملوك العرب”. ومن واقع النصين ننظر كيف بدت اليمن متشابهة حيناً ومختلفة أحياناً بسبب اختلاف زاوية نظر الشخصيتين وتباين تصوراتهما ومنطلقاتهما الفكرية.

لحظة سقوط الخلافة

كانت الرحلتان في لحظة تاريخية استثنائية، صحيح أن وصف “تاريخية واستثنائية” متكرر في منطقتنا، لكن السياق التاريخي لبداية القرن العشرين لم يكن هيناً بالفعل، لحظة سقوط آخر خلافة إسلامية بعد أكثر من ألف عام ولحظة الاستعمار الغربي لجزء كبير من الدول العربية والإسلامية. مرحلة جسيمة بالفعل لا يمكن مقارنتها بكل ما لحقها من تداعيات وأزمات وحروب، وهذا يعبر عنه أحد اليمنين أثناء زيارة الثعالبي وهو يحدثه بدون تصديق من شدة ذهوله عند سماعه أخبار اعلان إلغاء الخلافة الذي صدر ببيان من إسطنبول عام 1924[1].

كان أمين الريحاني مسيحياً من جبل لبنان قضى جزءاً كبيراً من حياته في أمريكا، عاد الريحاني للوطن العربي وجاب وترحل فيه مدفوعاً بحلمه في إقامة الوحدة العربية، وبعد زيارته لكل ممالك الجزيرة العربية ألف كتابه “ملوك العرب”. كان الريحاني لا يخفي مقته للعثمانيين الذين هاجمهم كثيراً أثناء حياته، وكان يشيد بكل من شارك في الثورة العربية الكبرى ضدهم مثل الملك حسين في الحجاز أو الإمام الإدريسي في عسير وكان يمتدح بشدة نزعتهما القومية العربية. كان الريحاني ينتقد أيضاً الاستعمار البريطاني لكنه يرى أن على العرب الأخذ بأسباب النهوض وأن العلاقة بين العرب والغرب يجب أن تختلف سياقاتها لو عدل الغرب وعقل العرب ليصبح هناك علاقة تربطها المصلحة المشتركة[2].

في هذا السياق، انتقد الريحاني بشدة معاهدات الحماية بين الإنجليز وسلاطين وأمراء الجنوب قائلاً إن ظاهرها حماية الإنجليز لهم لكن في واقع الأمر هي حماية العرب للإنجليز، مستخلصاً أن الحل لمشاكل العرب هي سياسة مثل سياسة بريطانيا؛ سياسة مرنة وشاملة وتعطي العرب ما يحلمون به هو الاستقلال لكل أمير وحاكم. فهو لم يخفِ انزعاجه من فقدان مدينة عدن هويتها العربية، كما ينتقد بشدة عدم انصاف الإنجليز في عدن التي تفتقد مقومات الحياة “فلا تعمير للبلاد ولا اهتمام بصحة أبنائها وعقولهم بمستشفيات ومدارس “[3].

أما الثعالبي فهو ابن المجاهد الجزائري المعروف عبد الرحمن الثعالبي الذي غادر الجزائر بسبب مقاومته للاستعمار الفرنسي وتوجه إلى تونس قبل أن تستعمر هي أيضاً، لكي يواجه ذات الاستعمار ابنه عبدالعزيز الذي يجوب الشرق ويذهب للآستانة للقاء العثمانيين في بداية القرن العشرين لشرح القضية التونسية، ويظل طيلة حياته يدعو للتحرر من الاستعمار ووحدة الدول العربية والإسلامية، كما كان أحد منظمي المؤتمر الإسلامي العام في القدس الذي انعقد في 1932[4].

 في مسألة الاستعمار لا يهادن الثعالبي وهذا يتضح من خطبته العصماء للإمام يحيى عن استعباد الأوروبيين للشرق وأنه لا يريد سوى إضعاف روح الاستقلال والنبوغ[5]. يبدو الثعالبي أكثر حدة من الريحاني بهذا الخصوص، رغم أن الريحاني يحذر الغرب من احتمالية نهوض الشرق وانقلاب الحال بينهما، لكن الريحاني لا يخفى رغبته في خلق علاقة تبنيها المصلحة المشتركة بين الطرفين، بينما لا يبدو أن محاولة إصلاح العلاقة مع أوروبا أمر محتمل بالنسبة للثعالبي أو يشغله على الأقل فهو لا يفكر سوى بكيفية مواجهة هذا الاستعمار منحازاً لفكرة الجامعة الإسلامية.

يتضح حجم التضاد بين الرجلين في رأييهما المتناقضين تماماً بخصوص شريف مكة الملك حسين في الحجاز حيث يصفه الثعالبي بالخائن الذي شق عصا المسلمين في مواجهة الدولة الإسلامية الوحيدة وهي الخلافة العثمانية[6]، بينما كان محل إعجاب الريحاني.

العمل الفني لعبير الماس

الأسى على الأتراك

يروي كلا الرحالتين، بمن فيهما أمين الريحاني الذي يمقت العثمانيين، بعض مظاهر وتعبيرات التحسر على الأتراك من قبل اليمنيين، فهو يقول ” إن الضرائب والميزانية تشهد أن الحضرة الشريفة (يقصد به الإمام) غنية، غنية جداً، لأنها مثل الإكليروس عند النصارى تأخذ ولا تعطي. في أيام الدولة (يقصد بها العثمانيين) كان أهل اليمن يدفعون الزكاة فقط، وكانت العشائر معفاة منها. أما اليوم فهم كلهم يترحمون على الأتراك”. ثم يستمر الريحاني في الحديث عن الضرائب وشكوى الناس منها[7]. بعدها يتحدث عن حوار دار بينه وبين ولد وصفه بالذكاء، قائلاً: “وما أكثر الذكاء في الأولاد هناك ولكنه كالأرض الطيبة غير المزروعة”، ويحدثه الولد الصغير أنه كم كان يتمنى التعليم ويتحسر على الأتراك “فالورق والحبر والكتب ذهبت مع الأتراك”[8].

أما الثعالبي فيتحدث عن لقائه بنساء في تعز، إحداهن تسأله إذا كان الأتراك سيعودون لحكم اليمن، فأجابها أنهم لن يعودوا ” والواجب على اليمنيين أن يكونوا هم أتراك بلادهم”، فاشتكت له من الجهل المتفشي والكسل وضياع الوقت بسبب انتشار القات، قائلة: ” حتى الفقير الذي لا يجد مالاً لشرائه يبيع كساءه وطعامه ويشتري بثمنهما قاته”، معتبرة هذه كلها أسباب تبرر عدم رغبتها في أن يوكل أمر اليمنيين إليهم. ثم تواصل شكواها بأن فترة الأتراك كانت أفضل؛ فجبايات الإمامة كثيرة، ومن كثر المبالغة في تقدير الأعشار من قبل عمال الإمام توقف الناس عن زراعة الأرض، كل هذه الجبايات فُرضت ولم يكن مقابلها أي خدمات بل إن الإمام أغلق كل المدارس والمحاكم والإدارات التي انشأها الأتراك. هذا وتقول إنهم لا يمكن أن يرضوا بحكم الزيدية فهم لا يعرفون الحرية ولا يحكمون بالعدل[9].

في حضرة الإمام

 يتحدث الثعالبي عن الإمام بإعجاب بل إنه قال: لا يوجد في اليمن ما يسرّ سوى الإمام وجيشه، وشرح علاقته بالإمام في أحد الرسائل بإنه رجل وافر الذكاء وغزير العلم، حاضر الذهن، لا عيب فيه غير كرهه للمدنية المعاصرة وتجافيه عن نشر التعليم[10]. ومن الضروري ملاحظة أن الإمام استقبل الثعالبي بمودة وترحاب مما انعكس على العلاقة بينهما، بينما الأمر يختلف مع الريحاني الذي قابله الإمام بتشكك وجفاء.

 يقارن الريحاني منذ البداية بين الإمام والملك حسين في الحجاز متعجباً من حجم الأبهة والفخفخة التي يتمتع بها الإمام قياساً بنظيره الحجازي وكذلك مظاهر الإجلال والتعظيم التي يبديها الناس نحو الإمام بعكس بساطة التعامل مع ملك الحجاز[11]، لكن أشد ما أزعج الريحاني هو حديث الإمام أن المسيح سمي بالمسيح بسبب إن رجله مسحاء[12]، مما أثار استياء الرجل رغم محاولته تجاوز الأمر، غير أن هذا يتعذر بعد أن ينتهي اللقاء بإشارة من الإمام أعطت الريحاني شعوراً بإنهم خرجوا مطرودين[13].

 بالطبع يميل الريحاني لتفسير هذا الجفاء في التعامل معه للديانة، ففي وقت لاحق يرحب الإمام بخادمه عندما يراه صدفة في السوق، وبعد أن يسأله الإمام عن ديانته، فيعلم إن خادم الريحاني مسلم، يبدي الإمام تقديره ويقف يصافحه[14].

يتفق الريحاني مع الثعالبي في حقيقة أن الإمام عالم بل إنه فوجئ بحجم اطلاعه ومعرفته بالأحداث في أوروبا والعالم[15]، لكن هذا لا ينعكس على بلد الإمام الغارقة في الجهل ولا يوجد فيها مدرسة، باستثناء العلوم الشرعية القاصرة على طبقة معينة من الناس، رغم أنه في سياق حديثه يذكر حجة الإمام بإنه منشغل بالحروب ولم يفرغ لبناء شيء. ولا يبدو الريحاني متبنٍ لهذا العذر[16].

العمل الفني لعبير الماس

على عكس الثعالبي عندما يوضح حجة الإمام بخصوص عزلة اليمن التي يعزوها إلى الأطماع الخارجية وخشيته على السيادة والاستقلال، فالسياق يوحي بتعاطف الثعالبي الذي لم ينتقد الإمام إلا بالحد الأدنى[17]. وربما النقد الوحيد الصريح للإمام كان بخصوص النساء وأنه يتزوج أربع ويطلق إحداهن عندما يريد الزواج من أخرى هذا غير الجارية التي يمتلكها، لكن الثعالبي في نقده لا يخص الإمام بل يعتبرها مصيبة شرقية في النظر إلى المرأة “كمستبضع شهوة ووعاء للنسل” وغياب مفاهيم تشكيل الأسرة وموقع المرأة في المجتمع، ولا يلبث أن يستطرد إن الإمام أكثر عفة من غيره من حكام الشرق لأنه لا يفعل ذلك إلا في إطار الشريعة[18].

بينما يؤمن الثعالبي أن الإمام رجل مهاب وأن اليمنيين بدونه سيقتتلون ويغرقون في الفتن والفوضى لو لم يؤسس الإمام حكومة منظمة تضمن انتقال السلطة بسلاسة حسب الوراثة أو الاختيار والانتخاب بحسب الأصول الزيدية[19]، والثعالبي هنا يتجاهل مفهوم الغلبة والسلاح في الزيدية، الذي ينتقده الريحاني بشدة بل ويعتبره أساس المشاكل؛ لأنه يمنع الاستقرار، ولا عجب أن يكون نظام الرهائن هو أساس الملك وهو أساس فاسد حسب رأي الريحاني[20].

كذلك يعول الثعالبي بشدة على اليمن؛ لأنها حسب رأيه أقوى وأغنى بلاد العرب؛ فعدد سكانها يصل إلى خمس ملايين حسب إحصاء حسين حلمي باشا الصدر الأسبق العثماني، ويصف الإمارات الخارجة عن سيطرة الإمام بالقحطانية[21]. أما الريحاني فيغلب عليه تقسيم اليمنيين إلى زيود وشافعيين مع انحيازه الواضح إلى الشافعيين، فالإمام هو الزيود حسب الريحاني وهم يعتمدون على المذهب والوطنية والوحشية، ثم يوضح أن الوحشية هي النفور من الغريب والنزوع للعزلة. أما ضعف الزيود فيكمن في نظر الريحاني في جهلهم ليس فقط بالمقارنة بالأوروبيين بل بالنسبة للمصريين والسوريين والعراقيين. قائلاً: “كأنك في السياحة في تلك البلاد السعيدة قولاً وتقليداً تعود فجأة للقرن الثالث الهجري. لا مدارس. لا جرائد. ولا أدوية ولا أطباء ولا مستشفيات في اليمن. إن الإمام لكل شيء. وهو المعلم والطبيب والمحامي والكاهن. هو الأب الأكبر” يتفق الريحاني مع الثعالبي في أن غياب الإمام بالموت مثلاً قد يتسبب في المشاكل لليمنيين لكن لسبب مختلف عن الثعالبي، وهو أنه قد أهمل عقول اليمنيين إهمالاً محزناً مفجعاً[22].

الوحدة الشاغل الأكبر

كان الثعالبي متحمساً لعرض الخلافة الإٍسلامية على الإمام لأنه “ليس خائناً” مثل شريف مكة، واليمن تمتلك ثروات وموارد طبيعية أكثر من الحجاز، باعتبارهما آخر ما تبقى خارج سطوة الاستعمار الأوروبي، لكن الإمام رغم إعجابه بالكلام يرفض لأنه لا فائدة من تنصيبه إماماً للمسلمين عوضاَ عن إمام اليمن في وقت لا يستطيع فيه جمع ما تفرق من أجزاء اليمن. ويذكر الإمام فشل تحقيق حلف عربي في نطاق الجزيرة العربية بين مملكته وشريف مكة بالحجاز وعبد العزيز آل سعود في نجد. هذا الرد أثار إعجاب الثعالبي معتبراً إياه صراحة تتمتع بالبصيرة[23].

 ثم يقترح الثعالبي على الإمام وحدة كونفدرالية مع بقية الإمارات اليمنية المستقلة عن حكمه (القحطانية حسب تعبيره)، فيبدي الإمام الإعجاب بفكرته ويكمل الثعالبي باقتراح مؤتمر يناقش فيه الجميع أسس هذا الاتحاد الكونفدرالي[24]،حسب فكرة الثعالبي؛ فهذا الاتحاد نواة الجامعة العربية التي تعد أيضاً خطوة في طريق اتحاد المسلمين. إذن الهدف النهائي هو الوحدة الإسلامية من خلال الجامعة العربية أولاً وقبلها البدء بالدول الخارجة عن الاستعمار وهي اليمن التي ينبغي توحيدها، حسب تصور الثعالبي.

غني عن الذكر أن جهود الثعالبي لم تنجح رغم سفره ولقائه بسلطان لحج، ولعل هذا يعود لعدم الثقة السائدة هناك في شخص الإمام، فالسلطان قال له ” لا أكتمك وأنت واحد مننا، فإن الإمام أصبح خطراً يتهدد بلادنا”، بل إن السلطان اعتبر إن الإمام لا يهمه سوى الوحدة الظاهرية والخطبة باسمه وجبيّ الضرائب حتى لو أدى هذا لمزيد من السيطرة الفعلية للإنجليز على مناطقنا (الجنوب)[25].

أما الريحاني فقد خطب خطبة عصماء بمآثر الوحدة العربية، لكن لا يبدو أن الإمام أبدى حماسة للفكرة وأوضح عدم قناعته بالعقيدة القومية، رغم محاولة الريحاني ربطها بالدين عندما قال: “فمن أعز العرب، أعز الإسلام”. ثم عندما حاول الريحاني الدخول في تفاصيل الرابطة القومية ومآثرها على الدينية مثل دمجها للمسيحين في بلد الرحالة وهي سوريا (حينذاك كانت سوريا تعني لبنان أيضاً)، لمح بعض اهتمام من الإمام فيما أعطى الريحاني شعوراً أن الإمام يندمج أكثر بالتفاصيل مما يكشف عن طبيعته العملية[26].

العمل الفني لعبير الماس

لم ينفتح الإمام للريحاني وظل متوجساً منه رغم بقائه مدة طويلة في صنعاء، لذا تضاءلت مهمة الرحلة من مناقشة الوحدة العربية إلى حدود حل إشكالية الإمام مع منافسه الإدريسي خاصة حول ميناء الحديدة التي يسيطر عليها الإدريسي. فحتى في هذه المهمة أخفق الريحاني في وقف الصراع الدائر بين الشوافع الذين يستعينون بالإنجليز كما استعانوا بالأتراك ضد الإمام على مدينة الحديدة، التي أصبحت بسبب هذا الصراع مكاناً للخراب والفوضى. بل إن الريحاني فشل حتى في إقناع الإمام في عقد مؤتمر بينه وبين الإدريسي حيث قابل اقتراحه ببرقية: “لا حق للإدريسي بجميع اليمن” معتبراً أن الحل كله في عدن مع الإنجليز، بينما الإدريسي كان يرحب بالاتفاق حول المدينة مقابل الاعتراف بسيادته على عسير، ورغم سفر الريحاني ظل الإمام ثابتاً على موقفه في رفض أحقية الإدريسي في أي جزء من اليمن. مما يدفع الريحاني لمكاتبة الإمام أنه ليس من المعقول التعامل مع الإدريسي كدخيل لأنه أمر لا يوافق الناس، هذا وقد كان أشار الريحاني أكثر من مرة إلى أن الإمام لا يعترف سوى بحدود اليمن التاريخية بما فيها عمان مما يوضح حدود المملكة التي يطمع بحكمها[27].

رغم تباين الرحالين في موقفهما تجاه الإمام بسبب اختلاف طبيعة معاملته واستقباله من جهة وكذلك بسبب اختلاف توقعات وأولويات كل منهما من جهة أخرى، فالريحاني أكثر انفتاحاً على الغرب ومؤمن بالعلم والحداثة كأولوية للتحرر ورفع مرتبة العرب، بينما ينشغل الثعالبي بتحقيق الاستقلال من الغرب أكثر من التطوير والتعليم. فرغم استياء الثعالبي من حالة الجهل العامة التي كانت اليمن غارقة فيها، فإن هذا لم يقلل من إعجابه بالإمام بصفته رجلاً يحافظ على استقلال البلد وسيادته. إذن تباين الأولويات بين الشخصيتين ظاهر، لكن كلاهما ينتهي به الحال إلى ذات المصير وهو الفشل الكلي في تحقيق الوحدة التي كانا يطمحان فيها.

يقدم الكتابان لمحة عن أوضاع اليمن، بالتحديد اليمن الشمالي، الواقع تحت سيطرة الإمام، وهو يكشف أن آليات عمل الإمامة لم تتغير سواء في الماضي أو الحاضر: التجهيل، وجمع الضرائب المضاعفة؛ رغم عدم تقديم أية خدمات، إضافة إلى الحروب المستمرة بسبب الشقاق الاجتماعي الذي تتسبب فيه، واستقواء معارضي الإمام بالخارج بسبب ضعفهم وانقسامهم.

 


[1] الثعالبي، عبد العزيز. 1997. الرحلة اليمنية (12 أغسطس- 17 أكتوبر 1924). بيروت. دار الغرب الإسلامي. ص 119

[2]. من هو أمين الريحاني. تمت استعادته 14 فبراير، 2021 ما لا تعرفه عن أمين الريحاني .. من هو؟ سيرته الذاتية، إنجازاته وأقواله، معلومات عن أمين الريحاني (arageek.com)

[3] الريحاني. ص 397-411

[4] عبد العزيز الثعالبي.. مفكر إسلامي قاوم الاستعمار الفرنسي في تونس | صحيفة الاستقلال.  مفكر إسلامي قاوم الاستعمار الفرنسي في تونس. تمت استعادته في 14 فبراير،2021  (alestiklal.net)

[5] 87الثعالبي. ص

[6]  الثعالبي.  ص 99

[7] الريحاني، أمين. 1987. ملوك العرب (الجزء الأول). بيروت. دار الجيل. ص154

[8] الريحاني. ص 163

[9] الثعالبي. ص 58- 59

[10] الثعالبي. ص141

[11] الريحاني. ص 127

[12] الريحاني. ص 134

[13]  الريحاني. ص 128

[14] الريحاني. ص 160

[15] الريحاني. ص 135

[16] الريحاني. ص 162

[17] الثعالبي. ص 100

[18] الثعالبي. ص 106

[19] الثعالبي. ص 142

[20] الريحاني. ص 143

[21] الريحاني. ص 142

[22] الريحاني. ص 167

[23] الثعالبي. ص 100

[24] الثعالبي. ص 96

[25]  الثعالبي. ص 130

[26] الريحاني. ص 132

الريحاني ص 214- 217 [27]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى