المجتمع المدني

التعليم في اليمن: ضحية تجار الحرب

This post is also available in: English (الإنجليزية)

وفقا لتقرير نشرته اليونيسف مؤخرا، فإن هناك نحو ٤،٥ مليون طالب في اليمن حُرِموا من مواصلة التعليم في عام ٢٠١٧. وذلك نتيجة لإضراب المعلمين الذين يطالبون بمرتباتهم التي لم تدفع منذ أكثر من عام. و مع أن التعليم هو العامل الأساسي وراء نجاح أكثر الدول استقرارا سياسيا واقتصاديا في العالم، وكذلك العامل الرئيسي للنهضات الثقافية والتاريخية، فإن  التعليم  متوقف اليوم في اليمن بصورة تكاد تكون شاملة. لقد بدأت .السنة الدراسية والمدارس مغلقة وخالية من الطلاب

يعتبر تراجع إمكانية الوصول إلى التعليم هذا العام، من اسوأ الأزمات من بين العديد من الأزمات التي شهدها اليمن منذ بداية الحرب في عام ٢٠١٥. دُمرت الكثير من المدارس كليا أو جزئيا منذ بداية الصراع نتيجة للاشتباكات الداخلية بين الحوثيين والمقاومة الشعبية من جهة، ونتيجة للقصف الخارجي من التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة أخرى. أما المدارس التي لم تدمر، فقد تحولت إلى ثكنات عسكرية أو ملاجئ للنازحين من .صعدة  في الشمال وتعز في الوسط وغيرهما من المحافظات

ذكرت الأمم المتحدة في وقت سابق، أن عدد الطلاب الذين لم يحضروا المدارس في عام ٢٠١٥ بلغ ٢،٩ مليون طالب، في حين أن ١،٨ مليون طالب تسربوا من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة. وأضاف التقرير أن آلاف الطلاب مهددون بالتسرب من الدراسة في حال لم يحصلوا على المساعدة، مما يعني أن ٧٨٪ من الأطفال في سن الدراسة لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في السنوات القادمة في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية وفقا لدراسة أجرتها اليونسكو في عام ٢٠١٥

 الصور بإذن من تمجيد الكهالي الصور بإذن من تمجيد الكهالي

الأحلام تختنق في الدخان

تقول ماريا، وهي طالبة في السادس عشر من العمر تدرس في المدرسة الثانوية، “بعد أن أدرك والدى أهمية التعليم
.”بالنسبة للمرأة، كنت الأكثر حظا بين أخواتي. فقد توقفن عن التعليم وتركن المدرسة في وقت مبكر

وخلافا لأخواتها الأكبر سنا اللواتي تركن المدرسة للزواج، تلقت ماريا الكثير من الدعم من والدها الذي أدرك أهمية التعليم ووعد بدعمها لاستكمال تعليمها الجامعي. ومع ذلك، فإن ماريا اليوم في المنزل، وعادت لوالدها فكرة
.تزويجها مرة أخرى

تستكمل ماريا وعينيها مليئة بالدموع، “والدي موظف حكومي وفي الوقت الحالي ليس لديه راتب ولا يستطيع تحمل تكاليف مدرسة خاصة. وقال لي إن الزواج سوف يكون مصيري في حال لم تفتح المدارس. أنا أريد العودة إلى
.”الدراسة، لدي الكثير من الأحلام التي أود تحقيقها

هناك العديد من الفتيات والفتيان مثل ماريا الذين يتطلعون إلى  تحقيق أحلامهم التي أصبحت مثل السراب الذي لا يمكن الوصول إليه. في السابق كان التعليم هو السبيل الوحيد لتحقيق أحلامهم، أما الآن فقد أصبح طريقهم
.مسدودا

 

التعليم لمن لديه المال فقط

انتقلت نور، وهي صديقة ماريا المقربة، إلى مدرسة خاصة لإكمال تعليمها. تختلف ظروفها عن ماريا، حيث أن والدها المغترب قادر على إرسال الرسوم الدراسية لتسجيل ابنته في المدرسة، في حين لا تزال ماريا تأمل أن تفتح
.جميع المدارس الحكومية أبوابها

تخبرنا ماريا بحزن، “نور هي صديقة طفولتي وأقرب الناس إلي، وهي جارتي أيضا. لقد درسنا معا منذ الصف الأول، وقضينا الكثير من الوقت معا. تشاركنا الدراسة، والنشاطات، والأحلام، وكنا نذهب إلى المدرسة سويا. لم أتخيل أبدا أننا لن نكمل المدرسة معا. ومع ذلك، بسبب الظروف اضطرت إلى الانتقال إلى مدرسة خاصة لأن
.”والدها لديه المال. ما زلت أزور نور كل يوم لتخبرني عن مدرستها

فتحت المدارس الخاصة أبوابها، لكنها رفعت رسوم التسجيل بسبب ارتفاع الأسعار وارتفاع سعر الدولار. أما المدارس الحكومية فلم تتمكن إلا القليل منها من فتح أبوابها، وتسعى إلى جلب المتطوعين لتعليم الطلاب حيث لا توجد رواتب. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن هذه الحلول غير مستدامة، ومن المرجح أن هذه المدارس أيضا
.سوف تغلق قريبا

هناك العديد من الحالات مثل نور، فقد  قرر آخرون أيضا الانتقال إلى مدارس خاصة، ولكن لأسباب مختلفة. تقول أم أمل، التي كانت ابنتها طالبة في مدرسة آمنة بنت وهب في مدينة صنعاء، إنها مضطرة إلى تسجيل ابنتها في مدرسة خاصة لأنها في السنة الدراسية الأخيرة. “درست ابنتي كل السنوات في مدرسة حكومية، وكانت الرسوم ٣٠٠ ريال فقط. لم نفكر أبدا في الالتحاق بمدرسة خاصة لأنها مكلفة جدا، وفي بعض الأحيان تصل الرسوم إلى ١٥٠،٠٠٠ ريال للمرحلة الثانوية، وذلك بالإضافة إلى رسوم الكتب والمواصلات. أما اليوم بسبب ظروف الحرب، فقد أصبحت المدارس الخاصة هي الحل الوحيد للاستمرار في الدراسة. لذلك قررت أن أبيع خاتم ذهب لكي أتمكن
.”من دفع الرسوم. أنا لا أريد ابنتي أن تتوقف عن الدراسة لا سيما أنه ليس هناك أي أمل في المدارس الحكومية

ويؤكد مدراء المدارس أن الطلبة يتسربون من المدارس الحكومية لحضور المدارس الخاصة، وخاصة في المراحل الأخيرة من المستوى الثانوي والمتوسط، كما أن نسبة التسرب أكثر في مدارس البنين.  في لقاء مع حنان حيدرة، مديرة مدرسة آمنة بنت وهب، ذكرت أنه منذ بداية العام ” يأتي الآباء إلى المدرسة لأخذ ملفات أطفالهم. أعرف تلك العائلات بشكل جيد، وبعضهم ليس لديهم المال لتسجيل أطفالهم في المدارس الخاصة. أنا متأكدة من أنهم
.”أجبروا على بيع شيء ثمين أو اقتراض المال لدفع الرسوم

 الصور بإذن من تمجيد الكهالي الصور بإذن من تمجيد الكهالي

في رأي حنان حيدرة، فإنَّ وزارة التربية والتعليم  قد أخطأت حين سمحت للمدارس الخاصة بفتح أبوابها قبل إيجاد حل لمشكلة التعليم الحكومي، وتقول حنان، “إن قرار استئناف الدراسة في المدارس الخاصة أذهلني، خاصة وأن وزارة التربية قد قررت توقيف التعليم في المدارس الحكومية”. وتتسآل  بأسى، “لماذا سُمح فقط للمدارس الخاصة
.”بالاستئناف؟ هل سيكون التعليم فقط لمن لديه المال؟

في المدرسة أعلنت حنان أنها لن تجبر أي معلم على الحضور. فقد كافح الكثير من المعلمين والطلاب العام الماضي من أجل إكمال السنة الدراسية. وقد وصل الأمر إلى حد أن بعض المعلمين لم يتمكنوا من تحمل تكاليف المواصلات للحضور إلى المدرسة. بعد قرار وزارة التربية والتعليم باستئناف الدراسة في المدارس الخاصة، وقف الكثير من الطلاب في المدارس الحكومية يطالبون بالمساواة ووقف التعليم في جميع المدارس رافعين شعارهم أن التعليم حق
.للجميع، ولا ينبغي أن يكون فقط حقا للطلاب الذين لديهم الإمكانيات لدفع الرسوم الخاصة

ثورة الجوع قادمة

في اليوم الأول من السنة الدراسية، ذهبت المعلمات إلى مدارسهن في مدينة صنعاء، حاملات شارات حمراء للتعبير
.عن غضبهن من الوضع، ووقفن معا تحت شعار “لا تعليم دون رواتب“ ثم عدن إلى منازلهن

وترحب رقية الموسوي، معلمة اللغة العربية في مدرسة الروضة، بفكرة الإضراب حتى يتم دفع الرواتب. “قضيت ٢٠  عاما من عمري في التدريس والآن لا أملك حتى نصف راتب “. وتواصل، “المشكلة ليست مشكلة اقتصادية. في الواقع رواتبنا نهبت من قبل الحوثيين الذين يسيطرون على جميع مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، والحكومة
.”الشرعية في المملكة العربية السعودية تولي كل اهتمامها فقط  بالمناطق الجنوبية المحررة

وتؤكد رقية أنه إذا استمر الوضع على هذا النحو، فلا شك أنها ستقوم ثورة جياع. وأضافت قائلة “إننا نتضور جوعا، ليس لدي مال لشراء الدواء لابني. لا أستطيع دفع الإيجار أيضا، ولذلك انتقلت إلى غرفة في منزل والد زوجي.
.حرمت من الراتب وأبنائي محرومون من دراستهم

بعد الكثير من الخبرة في مجال التدريس، يذهب المعلمون للبحث عن وظائف في المدارس الخاصة وعن وظائف في مجالات أخرى  في القطاع الخاص، مثل المطاعم والمستشفيات ومحلات السوبر ماركت، من أجل الحصول على
.سبل العيش تحت أي ظرف

الوعود لم تتحقق

في العام الماضي، كان المعلمون يعملون دون مقابل، على أمل تحسين الوضع ودفع الرواتب في ظل العديد من الوعود
.والقرارات من وزارة التربية والتعليم، إلا أن السنة الدراسية الجديدة بدأت دون أن يتحقق أي شيء

تعليقا على هذه الوعود تقول رقية، “خلال العام الماضي، لم نتلق سوى نصف راتبين، بالإضافة إلى سلال غذائية تحتوي على الدقيق والسكر وزيت الطهي. إنه حقا شعور بالظلم والاضطهاد عندما تنتظر راتبك، وهو أحد حقوقك،
.”كما لو كان صدقة

أعلنت وزارات المالية والخدمة المدنية والتعليم مؤخرا عن التزامها بدفع نصف راتب وبطاقة حصص غذائية لكل معلم. ومع ذلك، وبحلول نهاية أكتوبر ٢٠١٧، لم يحصل المعلمون إلا على نصف راتب. في الوقت نفسه، ارتفعت
.أسعار النفط والغاز والديزل، حيث ارتفع سعر ٢٠ لترا من النفط من ٥،٢٠٠ إلى ٨،٠٠٠ ريال

 الصور بإذن من احمد شهاب القاضي
الصور بإذن من احمد شهاب القاضي

عن حقيقة الوضع تقول رقية، “نصف الراتب – فقط – حل غير عادل، ولكننا سوف نقبل بذلك إذا ما وفوا بوعودهم واستمروا في دفع نصف الراتب شهريا. نحن كمواطنين يراقبون ما يحدث في البلاد، لسنا متفائلين في الحصول على أي شيء في شهر نوفمبر وديسمبر. إن ارتفاع الأسعار بدون رواتب يجعل الوضع أسوأ. نحن ضحايا تجار
.”الحرب داخل البلاد وخارجها. إنهم لا يشعرون بآلامنا، وهدفهم الوحيد هو تحقيق انتصارهم وأهدافهم الشخصية

ومن خلال دفع نصف الراتب للمعلمين، تمكن بعض المدراء من استئناف الدراسة، على الرغم من أن معظم المعلمين
.ما زالوا مضربين. وقد أدى هذا الوضع إلى الالتجاء إلى المتطوعين غير المؤهلين لتعليم الطلاب

يستمر انقطاع الرواتب منذ أكثر من عام، وقد تفاقم الوضع حين قررت المملكة العربية السعودية وعبد ربه منصور هادي نقل البنك المركزي إلى عدن وتغيير إدارته. على خلاف الشمال، تعتبر المناطق الجنوبية مستقرة ماليا، حيث يتلقى المواطنون رواتب شهرية والتعليم مستمر بشكل طبيعي. من جهة أخرى، يسيطر الحوثيون على إيرادات قطاع الاتصالات والإيرادات المحلية للجمارك والضرائب والنفط والغاز التي تصل إلى مليارات الريالات سنويا. في نهاية
.كل هذه الأحداث التي صنعها تجار الحرب يبقى الشباب و تعليمهم وأحلامهم ضحية هذا الوضع المزري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى