النساء والنوع الاجتماعي

من بيع الخبز والورود إلى سوق العقارات والأسلحة النارية

نساء يمنيات يقتحمن فضاءات عمل جديدة

This post is also available in: English (الإنجليزية)

تقسيم العمل القائم على النوع الاجتماعي مسألة غير ثابتة في كل المجتمعات كونها تخضع للبناء الاجتماعي Social Construction الذي يتغير ويتشكل حسب الظروف التاريخية والموضوعية التي تحكمها عوامل كثيرة كتقلب الأيديولوجيا السياسية، والظروف الاقتصادية والاجتماعية. ويدخل ضمن ذلك، أيضا، عوامل أخرى كالتقسيم الطبقي والاختلافات الجغرافية بين الريف والحضر. وفي اليمن، وهو كغيره من المجتمعات البشرية، لا تخضع فيه التغيرات السياسية والاجتماعية، بالضرورة، لمسار خطيٍّ ثابت، فإنّ مدى مشاركة النساء في الفضاء العام بمختلف تجلياته، ومدى تقبّل المجتمع لأشكال وجودهن فيه هو أمر لم يسر دوماً وفق نمط خطيٍّ موحّد. وهذا ما نراه في المهن التي تشغلها النساء والتي يختلف إقبالهن عليها وتقبّل المجتمع لها اختلافا جذرياً من فترة زمنية إلى أخرى.

يستعرض الجزء الأول من هذا المقال تجارب نساء يمنيات أصبحن خلال سنوات الحرب الأخيرة، من نهاية العام 2014 حتى اليوم، يتجهن نحو أعمال لم تكن النساء تمتهنها خلال العقدين السابقين للحرب. ومن المفارقات أننا كنا نجد النساء يشغلن تلك المهن عينها في منتصف تسعينيات القرن الماضي وما قبل ذلك. أمّا الجزء الثاني من المقال، فسنتعرّف فيه على تجارب نساء اقتحمن مؤخراً مهناً كانت، في الأغلب، حكراً على الرجال في معظم فترات تاريخ اليمن المعاصر.

نساء في سوق العمل الشعبي: صعوبات ومضايقات 

يشير مسح القوى العاملة في الجمهورية اليمنية للعامين 2013 – 2014  الذي أجرته منظمة العمل الدولية بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط اليمنية، إلى أن من بين 293 ألف امرأة يمنية عاملة شملها المسح، كانت ثلث النساء يعملن في القطاع الرسمي بشقيه الخاص و العام. بينما عملت حوالي نصفهن في القطاع غير الرسمي في مهن كالزراعة وتربية المواشي والدواجن و منتجات الألبان. في هذا الإطار يمكننا القول إنَّ المجتمع اليمني اعتاد على عمل النساء في بعض القطاعات غير الرسمية. على سبيل المثال، اعتاد اليمنيون في مناطق يمنية مختلفة على رؤية النساء لعقود وهن يقمن ببيع أنواع الخبز اليمني المختلفة كالملوج، واللحوح والكدم، والبيض البلدي، والزهور والمشاقر على قارعة الطريق و في بسطات في الأسواق الشعبية.  فهذه المنتجات التي تحظى بطلب يومي كونها ذات حضور أساسي في البيت اليمني،  مصادر دخل للنساء اللاتي يعملن في القطاع غير الرسمي في المدن والريف. و المعلوم أن هذا النوع من العمل لا يمثل سابقة من نوعها أو ظاهرة كانت معتادة  في الماضي و تقلصت مع الوقت، على عكس أمثلة أخرى سنأتي على ذكرها لاحقاً. ومع ذلك، فإن النساء اللاتي عملن بائعات في الأسواق الشعبية خاصة أولئك اللاتي اضطرتهن ظروف الحرب لممارسة هذه المهنة لأول مرة في حياتهن يتعرضن لمضايقات وتمييز بالغ الأذى.

حالة من صنعاء

مريم، امرأة خمسينية فقدت زوجها وابنها حين التحقا بالقتال، كالكثير من الرجال، في المعارك الدائرة في البلاد و لقيا حتفهما لتجد نفسها في ليلة و ضحاها مسؤولة عن إعالة أبنائها الخمسة إضافة إلى أحفادها الأيتام الثلاثة. اتجهت مريم، التي لم تعمل خارج المنزل من قبل، إلى بيع اللحوح الذي تعده في الصباح الباكر كل يوم ثم تتجه لبيعه في الأسواق الشعبية في الظهيرة. وفي بداية عملها اختارت أحد أشهر الأسواق الشعبية التي تكتظ ببسطات اللحوم والخضروات والقات والمخبوزات الطازجة في وسط العاصمة صنعاء في منطقة القاع؛ إلا أنها تعرضت للكثير من المضايقات من قبل قريناتها البائعات اللاتي انزعجن من قدوم منافسة جديدة. و هكذا اضطرت للانتقال إلى سوق آخر في منطقة الصافية حيث قل عدد زبائنها و دخْلها مقارنة بذلك الذي كانت تتحصل عليه في سوق القاع. توضح مريم أنها تعاني من كافة النواحي، فمن الناحية الاقتصادية أصبحت مهنة بيع اللحوح غير مربحة، والدخل الشحيح الذي تحصل عليه من بيع اللحوح لا يفي بمتطلبات عائلتها، خاصة في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الذرة وباقي المواد المستخدمة في صناعة اللحوح، إضافة إلى انعدام اسطوانات الغاز المنزلي الذي أصبح من الصعب جداً الحصول عليها بشكل منتظم أو بأسعار معقولة ليترك المواطن أمام خيار شرائها من السوق السوداء وبأسعار باهظة لا يحتملها معظم اليمنيات واليمنيين. مريم حدثتنا أيضاً عن معاناتها من نظرة المجتمع الدونية تجاه النساء البائعات في الأسواق الشعبية ومعاملته لها بتمييز لمسته حين تغيرت معاملة جيرانها بمجرد أن اتخذت من هذه المهنة مصدراً للرزق، فقد توقفت بعض جاراتها عن زيارتها أو دعوتها لمناسباتهن الخاصة.

العمل الفني لشذى التوي

حالة من عدن

 المضايقات التي تتعرض لها النساء أثناء عملهن في الشوارع ليست محصورة في فئة عمرية أو مستوى تعليمي أو محافظة يمنية دون غيرها. تحدثنا منى، وهي شابة عشرينية من محافظة عدن، عن تجربتها التي بدأت عقب انتهاء المعارك المسلحة في محافظة عدن في صيف ٢٠١٥، حيث حاولت جاهدة أن تجد فرصة عمل في إحدى الشركات التجارية دون جدوى، فقررت عدم الاستسلام واتخذت من الرصيف المقابل لأحد المحال التجارية في منطقة كريتر مكاناً لبسطتها التي تبيع فيها الحُلي و المشغولات اليدوية للنساء المارات في السوق. وتقول منى بأنها كالكثير من النساء و الفتيات في هذا المجتمع المحافظ، تتعرض للكثير من الصعوبات والمضايقات أثناء عملها وتحاول دائماً أن لا تقف أمامها وأن تتجاوزها وتتغلب عليها.

ونساء في المحلات والمطاعم

في محل الخضار

وإذا كانت النساء اللاتي يعملن في بيع المنتجات المختلفة في الأسواق الشعبية لم يسلمن من المضايقات والتمييز رغم وجودهن في هذه المهن لسنوات طويلة سبقت الحرب، فلنا أن نتخيل ما يواجه نساء كإيمان التي استطاعت أن تتحدى ظروف الحرب القاسية ونجحت في افتتاح محل لبيع الخضروات والفواكه في حي حدة، أحد الأحياء التي يسكنها أثرياء العاصمة صنعاء. فعلى عكس بسطات الأسواق الشعبية التي تفترشها النساء في أماكن مكتظة ولفترات محدودة، فإن محال الخضار والفواكه مقتصرة في الغالب على الرجال ومن النادر جداً، إن لم يكن على الإطلاق، رؤية امرأة تمتلك محلاً لبيع الخضروات في العاصمة وفي معظم المحافظات.  تقول إيمان ذات الأربعين عاماً: «لم أكن متخوفة من أن أخوض تجربة تعد حكراً على الرجال و تحيطها العديد من المخاطر بسبب نظرة المجتمع لكني بمساندة بناتي وصديقاتي، استطعت أن أحقق استقرراً مالياً مناسباً».

في المطعم

قد تستحضر أجيال سبعينات و ثمانينات القرن الماضي وجود نساء يعملن في المطاعم في بعض المحافظات اليمنية، إلا أن هذا المشهد اختفى وأصبح بالغ الندرة منذ التسعينات ليعاود الظهور من جديد في فترة الحرب. فاطمة ابنة العشرين ربيعاً تتنقل من مطعم إلى أخر للعمل كنادلة في مطاعم محافظتي صنعاء وعدن، وتصادفها متاعب لا تحصى خلال عملها الذي بدأته في مطعم شهير في عدن، اضطرت لتركه بسبب الوضع الأمني غير المستقر الذي دفعها للانتقال إلى صنعاء. تقول فاطمة: «أثناء تقديمي الطعام للناس وخاصة الرجال في أحد أكبر المطاعم في صنعاء، فإنهم ينظرون لي بعين الشفقة وكأنني متسولة، لكنني مع مرور الأيام تعودت على ذلك طالما أنني أعمل على كسب لقمة العيش بالحلال».

النساء اليمنيات وقطاع الشرطة: بين رؤية الدولة ونظرة المجتمع

كان دخول النساء قطاع الشرطة، كدخولهن غيره من القطاعات العامة، أقل جدلاً حين التحقت النساء به في اليمن الجنوبي لسنوات عديدة حتى نهاية الثمانينات، وقد عكس ذلك سياسة الدولة الاشتراكية التي تبنت رؤية حداثية بخصوص النساء؛ ولا سيما في ما يخص قانون الأسرة الذي سنته الدولة مطلع العام 1974م وطبقته رغم وجود عوائق اجتماعية وثقافية.  أما في اليمن الشمالي، فقد كان الوضع مختلفا؛ إذ إن دخول النساء في  قطاع  الشرطة  كان محل رفض على المستوى الاجتماعي وعلى مستوى سياسات الدولة على حد سواء. غير أنّ الوضع شهد تغييرا في مطلع الألفية حين دعمت الدولة دخول النساء في سلك الشرطة والأمن، وتخرّجت أول دفعة نسائية من كلية الشرطة في العام 2002. ظل المجتمع، في الغالب، ينظر إلى عمل المرأة في الشرطة بعين الريبة؛ بل ظل يضعهن في خانة النساء اللاتي يحيط سلوكهن الأخلاقي علامات الاستفهام. ومنذ بداية الحرب توقفت الغالبية العظمى من أفراد الشرطة النسائية عن عملهن في القطاع العام لأسباب عديدة، منها: الانفلات الأمني  وما يصاحبه من مخاوف الأهل على النساء خاصة، وتوقف صرف الرواتب، والتغييرات التي طالت مؤسسات الدولة.

الاتجاه نحو الشركات الأمنية الخاصة

بحكم هذه الظروف في الوقت الراهن اتجهت العديد من الشرطيات إلى قطاع الأمن الخاص؛ حيث زاد عدد العاملات في شركات الأمن الخاصة التي تتعهد بتأمين الشركات التجارية والأعراس والمناسبات المختلفة. في هذا الصدد تشكو خلود، وهي إحدى الشرطيات اللواتي اضطررن للعمل في إحدى شركات الأمن الخاصة، من استغلال تلك الشركات لظروفهن المعيشية، حيث يفرض مالكو تلك الشركات على النساء الدوام لساعات طويلة مقابل أجر قليل.  وفي نفس السياق، تؤكد أمل أنها تركت العمل في شركة أمن خاصة كانت تحرمها من أبسط حقوقها؛ وترى أمل أنه لا وجود لجهة تدافع عن حقوق الموظفات في هذا القطاع؛ فلا السلطات الحاكمة قادرة على الحفاظ على حقوقها هي وزميلاتها، ولا المجتمع التقليدي بنظرته القاصرة تجاه النساء العاملات في مجال الشرطة والخدمات الأمنية سينهض للدفاع عنهن.

اقتحام فضاءات عمل غير معتادة

تقول نساء كثيرات تحدثنا معهن أن الحرب الحالية قد أثرت على مستوى معيشتهن، خاصة في ظل فقدان موظفات وموظفي القطاع العام لمصادر الدخل بسبب انقطاع الرواتب الحكومية منذ ما يقارب الأربع سنوات. إضافة إلى ذلك، فقد أدى انخفاض عمالة الرجال إلى ازدياد وطأة الأعباء الاقتصادية على معظم الأسر اليمنية. تشير دراسة بعنوان “لا مستقبل لليمن دون النساء و الفتيات” صدرت عام ٢٠١٦ عن منظمتي كير وأكسفام إلى أن اتجاه الرجال إلى جبهات القتال أو فقدانهم لوظائفهم قد أدى إلى خروج النساء، اللاتي لم يكنّ يعملن خارج المنزل قبل الحرب، إلى سوق العمل لإعالة أسرهن، وهو الأمر الذي غير الأدوار القائمة على النوع الاجتماعي Gender Roles إلى حد كبير. وهو الأمر الذي قد يؤسس لتقبل أدوار جديدة للنساء بالشكل الذي يستمر بعد الحرب و يسهم في المساواة بين الجنسين. غير أن هناك اتجاها آخر في التحليل يشكك في كون  تبدل الأدوار القائمة على النوع الاجتماعي خلال فترة الحرب دليلاً على تغيير جذري بعيد المدى في نظرة المجتمع اليمني لتقسيم العمل بين النساء والرجال. ففي البحث الذي أجراه المركز اليمني لقياس الرأي بالتعاون مع مركز الأبحاث التطبيقية بالشراكة مع الشرق (كاربو) و منظمة سيفرورلد في عام ٢٠١٧ و صدر بعنوان “دور النساء في الصراع والسلام والأمن في اليمن” نجد أنَّ التحليل يتجه إلى أن تبدل الأدوار القائمة على النوع الاجتماعي خلال فترة الحرب هو ليس إلا آلية عملية للتأقلم مع ظروف الحرب القاسية و لا يعكس بالضرورة حتمية حدوث مساواة حقيقية بين النساء والرجال بعد انقضاء الحرب.

ما تزال الأبحاث التحليلية المتعلقة بمهن النساء في السنوات الأخيرة، خاصة تلك التي لم يألفها المجتمع، شحيحة للغاية في اليمن.  ومع ذلك، فإن بالإمكان طرح فرضية ترى أن ظروف الحرب القاسية قد ساهمت في اتجاه النساء نحو أعمال لم يعتدها اليمنيون على الإطلاق من قبل.

العمل الفني لشذى التوي

في سوق العقارات

هدى، امرأة  ثلاثينية من محافظة المحويت، كانت تعمل معلمة في إحدى المدارس الخاصة في صنعاء حتى عام٢٠١٧. ومع انحدار الوضع الاقتصادي في البلاد بسبب الحرب التي لا تلوح نهايتها في الأفق، وجدت هدى نفسها عاطلة عن العمل بعد أن أغلقت المدرسة التي كانت تعمل فيها أبوابها بسبب إخفاقات مالية.  من هنا بدأت رحلة البحث عن مهنة أخرى تُدر عليها دخلاً يكفي لسداد إيجارات الشقة المتراكمة التي تسكنها هي وزوجها وأطفالهما الثلاثة. هدى تعول أسرتها منفردة خاصة بعد إصابة زوجها بشلل نتيجة جلطة دماغية. وتروي لنا أنها لم تستسلم؛ إذ عملت في بيع الملابس الجاهزة للنساء اللائي كن يحضرن مناسبات الزواج والولادة في الحارة التي تسكنها، غير أنها لم تسلم من ألسنة الناس: “كانت النساء يُطلقن عليّ لقب ‘الدلّالة’ وهو وصف يستعمل للتقليل من المكانة الاجتماعية للنساء العاملات في هذه المهنة. كان ذلك الوصف يُزعج أولادي وزوجي إضافة إلى أن الدخل المادي من بيع الملابس في قاعات المناسبات لم يكن مجدياً فقررت أن أبحث عن مهنة أخرى». حين سمعت هدى أن قطاع العقارات في صنعاء في تنامٍ مستمر رغم الحرب، رأت في ذلك فرصة للسعي إلى دخول هذا المجال والعمل كوسيطة في تأجير الشقق السكنية وبيع وشراء الأراضي، وبالفعل استطاعت أن تحصل على مئات الآلاف من الريالات بدلاً من القليل الذي كانت تحصل عليه نظير بيع الملابس أو مرتب التدريس الذي طال انقطاعه، وهو الذي لم يكن يزيد عن ستين ألف ريال شهريا؛ أي ما يعادل مائة دولار أمريكي. تؤكد هدى أنها فخورة بعملها في تأجير العقارات، رغم أنها تواجه صعوبات ومضايقات من الرجال الذين يملكون المكاتب الشركات العقارية، فهم يرون أن النساء دخيلات على مهنة تأجير وبيع العقارات وأنها مهنة ينبغي أن تكون محصورة في الذكور.

في مجال بيع الأسلحة النارية

أما تجربة سماح، وهي شابة نزحت مع أسرتها من محافظة تعز حين اشتدت المعارك فيها، فهي مثيرة للاهتمام على نحو خاص. تقول سماح إنها بعد أن خاضت مع أسرتها النازحة صراعا مريرا مع شظف العيش قررت أن تقتحم مهنة بيع الأسلحة النارية كالمسدسات والكلاشنكوف للرجال والنساء على حد سواء. وتشير أنها بدأت العمل في تلك المهنة عبر إحدى جاراتها في العاصمة صنعاء، وأن المردود المادي لبيع السلاح يكفي لحل مشاكلها هي وأسرتها التي تعولها حالياً. لكن تلك المهنة محفوفة بالمخاطر ، تقول سماح: «كنت في  البداية أقوم بعرض السلاح الذي توفره لي جارتي لنساء يهوين شراءه من خلال تواصلي معهن بشكل شخصي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكنت أحصل على مكافأة مالية منها مقابل كل قطعة أبيعها، وعندما حققت نجاحاً في بيع أنواع مختلفة من الأسلحة للنساء والرجال، بدأت في بيع السلاح بمفردي وبشكل مستقل، وأصبحت أشتريه بسعر مناسب و أحصل على ربح معقول. أتعرّض لمضايقات بين الفنية والأخرى من قبل بعض الرجال، رغم أني أعمل بشكل سري، وهذه المضايقات تتسبب  في إثارة أهلي الذين يعترضون على عملي هذا رغم حاجتنا جميعاً لمصدر دخل يعيننا على الظروف المادية الصعبة بعد أن فقدت أسرتي كل مدخراتها المالية نتيجة النزوح الاضطراري».

خاتمة: مسارات مقترحة لبحث الظاهرة

قد يكون من شأن هذه الحالات المعروضة في هذا المقال أن تساهم في لفت نظر الباحثات والباحثين في الدراسات الاجتماعية إلى التعمق في فهم دوافع ومحركات وشروط هذه الظاهرة. وفي هذا السياق يمكن طرح السؤال المحوري الآتي: هل انشغال النساء بهذه المهن حالة ناتجة عن ظروف قسرية في زمن الحرب أم أنها خيارات نابعة عن رغبات ذاتية لديهن، ولم تكن الظروف الاقتصادية الحالية إلا مثيرا ساهم في جعل تلك الرغبات ” التحررية” ترى الضوء؟ وهل سيكون من شأن عمل النساء في هذه المهن أن يغير الصورة النمطية التي اختزلت أدوار النساء في حقول ومساحات محددة انطلاقا من تقسيم العمل القائم على النوع الاجتماعي في الذهنية الجمعية للمجتمع اليمني طيلة العقود الماضية؟ و هل خروج النساء عن المساحة التي رسمها المجتمع لهن في الفضاء العام مجرد مسألة آنية فرضتها ظروف الحرب التي إذا ما انتهت ستعيدهن إلى الحدود  السابقة أم أنها ستوسع  مدى مشاركة المرأة الرجل في الحياة العامة؟

 وأيا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن من شأن استخدام الأدوات البحثية الكمية والنوعية في دراسة هذه التمظهرات الجديدة لعمل النساء اليمنيات في الفضاء العام أن يضعنا أمام فهم أفضل للحراك الاجتماعي في البلد خلال العقدين الأخيرين وللتصورات القيمية الراسخة بخصوص الأدوار الاجتماعية وعلاقتها بمشكلات اجتماعية تؤثر، بالضرورة، على عملية التنمية بمختلف جوانبها. ونحن، بناء على معطيات هذا المقال، نستطيع أن نستخلص أن النساء اليمنيات العاملات في مختلف المهن يتعرضن لمصاعب جمة، لكن الكثيرات منهن أصبحن يبرزن يوماً بعد يوم بالمقارنة مع السنين التي سبقت الحرب.  ويبدو أن التجارب المهنية التي شاركتها معنا النساء هنا، قد أتاحت لهن، بشكل متفاوت و نسبي، قدراً من الاستقلالية والتمكين الاقتصادي الذاتي والشعور  بالثقة على أن بمقدورهن النجاة بذواتهن وأسرهن من النفق المظلم الذي تعيشه البلاد.

اظهر المزيد

Alaaddin Al-shalali

صحفي مستقل ومنتج ومقدم برامج. الشلالي حاصل على درجة البكالوريوس في الإعلام ، والعديد من الدبلومات في الصحافة والعلاقات العامة وكذلك الإنتاج التلفزيوني والإذاعي والإخراج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى