ثقافةفن
أخر الأخبار

البطل يمنياً.. قراءة في شخصية البطل في الدراما اليمنية

تؤدي شخصية البطل في العمل الدرامي دوراً محورياً، إذ يقع على عاتقها وظائف متعددة يكمن أهمها في كونها الحامل والناقل للأفكار. إضافة إلى أنها تلعب وظيفة إدارة الصراع والحفاظ على مسار السرد القصصي في العمل الدرامي. ولأن الدراما وثيقة الصلة بالعناصر الثقافية في الحياة الاجتماعية العامة، فإن أي تغيير يحدث على المنحى السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي يقابله تغيير في البناء الدرامي.

وبحسب هذا، فإن شخصية البطل “الشخصية الدرامية الرئيسية ” تتعرض لهذه المؤثرات وتعبر عنها. فمن خلال تحليل شخصية البطل يمكن بناء تصور أولي عن طبيعة المجتمع وتطلعاته وأهم مشاكله الاجتماعية؛ مما يجعل بناء الشخصية الدرامية عملا فنيا متوفرا على الأبعاد البنائية الرئيسية (النفسية، والجسدية، والاجتماعية) هذا؛ علاوة على إيلاء أهمية خاصة للكيفية التي يتم بها خدمة الهدف العام للعمل الدرامي وبطبيعة الأثر الذي يمكن أن تتركه في المشاهد.

في هذه المقالة نحاول أن نقوم بقراءة شخصيات أبطال في الدراما الكوميدية اليمنية، من فترات زمنية مختلفة. ونحرص فيها على اختيار أكثر الشخصيات شعبية وثباتاً في الذاكرة الجمعية، وذلك من أجل تكوين تصور عن الكيفية التي تبنى بها شخصية البطل في الدراما اليمنية بأبعدها الثلاثة، وعن الانطباعات السلوكية والايحاءات المنعكسة من هذا البناء.

شخصية البطل، المعنى والأهمية

يعرف إبراهيم حمادة الشخصية الدرامية بأنها الواحد من الناس الذين يؤدون الأحداث الدرامية في صورة الممثلين[1]. فيما تُعرف شخصية البطل بأنها بناء إنساني متخيل، يبدعه صانع الفيلم من ثلاثة أبعاد رئيسية ( نفسية، جسدية، اجتماعية) ومن خلال التفاعل بين هذه الأبعاد الثلاثة تنمو الشخصية وينتج عنها مجموعة من الانفعالات و الغرائز والسلوكيات والأخلاق والعلاقات والتحولات التي تتداخل فيما بينها بطريقة منظمة ليرتكز عليها بشكل رئيس ومباشر البناء العام للاحداث [2]. مما يعني بأن شخصية البطل هي من تحمل البناء الدرامي، حيث تجسد الفكرة وتؤجج الصراع.

لكن من وجهة نظر آخرين فلا يكفي أن تكون الشخصية الدارمية الشخصية المحورية في العمل الدرامي لكي تصنف  كشخصية بطل، حيث يرى البعض بأن البطولة متعلقة بالمهمة وليس بالدور. فبينما تجسد الشخصية الدرامية دوراًً ما أيا كان، فإنه يتوجب عليها أن تتحلى بمعايير اخلاقية لترقى لشخصية البطل.  يؤكد على ذلك الكاتب اليمني وجدي الأهدل الذي تحدث عن الدور الأخلاقي للدراما قائلا ” وفن كتابة السيناريو لا يشذ عن هذه القاعدة، ولابد أن يسهم بسهم وافر في تهذيب السلوك البشري، واجتلاب المزيد من الجمال الروحي إلى هذا العالم”. وشدد الأهدل أن على كتّاب السيناريو الكف عن انتاج النماذج السلبية للأبطال ودعاهم إلى التركيز على ما أسماه ” البطل الأخلاقي” [3].

العمل الفني ل سعد الشهابي

ما يجدر بنا التنويه إليه هو أننا في هذه المقالة سوف نستخدم مصطلح شخصية البطل بالمعنى الشائع والعام والذي يشير إلى الشخصية الدرامية التي تتفرد بالدور الرئيسي في العمل الفني. 

  واقع الدراما اليمنية  

 تعود بدايات الدراما اليمنية الى السبعينات، حيث عرض أول مسلسل درامي يمني على التلفزيون الرسمي اليمني ” الوجه المستعار” في العام 1976 ليكون بعدها انطلاقة لسلسة من الأعمال الدرامية المتنوعة حتى العام 1991 حين أنتج مسلسل “حكاية دحباش” والذي كان بداية فارقة في عالم صناعة الكوميديا في اليمن[4] .   يرى البعض أن تأثير شخصية دحباش قد استمر لسنوات لاحقة حتى الآن في تشكيل صورة البطل في الدراما الكوميدية اليمنية.

لقد حصرت المسلسلات الدرامية اليمنية في فترات زمنية محددة، وفقا لظروف اقتصادية وسياسية مرت بها البلاد، حتى تحولت إلى ما يشبه الفاكهة الموسمية لا يمكن إيجادها في غير موسمها. ولعل هذا من أهم أسباب ضعفها. فعدم الاهتمام بهذه الصناعة من الجهات الثقافية المسؤولة قد أدى إلى انخفاض مستوى الإنتاج مما ساهم في ركود الحالة الفنية في جو خالٍ من التنافس.

وقد غلب على الإنتاج الدرامي في اليمن الطابع الكوميدي، وربما يعود ذلك إلى ارتباط ظهور هذه المسلسلات بمواسم معينة وعرضها في أوقات يطلب فيها المشاهد قوالب خفيفة ومسلية، كمسلسلات رمضان التي اعتيد عرضها في وقت تناول عشاء الإفطار. او للمدة الزمنية التي يتم فيها تجهيز الأعمال الدرامية، حيث أُنتجت الكثير من المسلسلات في فترات قياسية بسبب ارتباط الموارد المالية بظروف معينة تتاح قبل موسم العرض بفترة قصيرة. ومن هنا، فمن المحتمل أن الصناع توجهوا للقالب الكوميدي لاعتقادهم بأنه أسهل ما يمكن تجهيزه في الأوقات المحدودة والعاجلة بالرغم من أن صناعة الكوميديا الذكية تتطلب جهداً عالياً خصوصا في مرحلة كتابة النص. وقد ساهم ذلك في تضييق المساحة على الأنواع الدرامية الأخرى.

لكن مع ظهور قنوات محلية خاصة وشركات انتاج مختلفة بدا أن صناعة الدراما آخذة في التطور بسبب المنافسة التي باتت قائمة بين الشركات والجهات المختلفة. وإن كان هذا قد ساعد في زيادة عدد المسلسلات المنتجة بحيث تم عرض 15 عمل فني مختلف في عدد من القنوات اليمنية خلال شهر رمضان الفائت. [5]  صاحب ذلك تطور ملحوظ في التقنيات الفنية. غير أن القالب الكوميدي مازال هو المسيطر. كما أن غالبية هذه الأعمال مازالت تتسم بالهشاشة وسطحية الطرح في انعكاسٍ واضح لأزمة النص.

ولكون الشخصية هي أحد مرتكزات البناء الدرامي فقد كان لابد من إيلائها بعض الأهمية البحثية لتحليل نمط بنائها والإشارة إلى مواطن الضعف فيها. مما دفعنا لقراءة أشهر شخصيات الأبطال في الدراما اليمنية ” الكوميدية ” على وجهة التحديد لرواجها.

العمل الفني ل سعد الشهابي

دحباش، الوصمة الباقية

 ظهرت شخصية دحباش لأول مرة في العام 1991م على التلفزيون اليمني، والتي قدمها الفنان آدم سيف في مسلسل تلفزيوني كوميدي يحمل اسم “حكاية دحباش”. وقد شكلت -حينها- نقلة نوعية في عالم الكوميديا اليمنية حتى أن البعض شبهها بشخصية غوار التي أداها الممثل دريد لحام وشخصية مستر بن[6]. بالإضافة لكونها أول شخصية درامية يمنية تتحول إلى مصطلح متعدد الدلالات يقوم على تنميط تمييز مناطقي.

 منذ الحلقة الأولى في الجزء الأول من المسلسل، يظهر دحباش بملابس مغايرة لبقية الشخصيات، فهو يرتدي قطعاً مختلفة ونافرة بطريقة تبدو مفتعلة، ربما أريد بهذه الشكل تميز الشخصية عن قرينتها، وقد أثر ذلك النمط على بناء البعد الجسدي للعديد من الشخصيات الكوميدية اليمنية اللاحقة، حيث ارتبطت الشخصية الكوميدية بالمظهر الغرائبي.

سلوكياً، فدحباش يفتعل الكثير من المشاكل، وينشر الفتنة بين جيرانه ومعارفه، كما إنه لا يتورع عن استغلال أي شخص للحصول على عائد مادي. وعائلياً فليس بالشخصية التي يمكن الاقتداء بها، فزوجته لا تنفك تتذمر منه ومن بخله، وأبناؤه يتعجبون من كذبه واحتياله. كما إنه يفتعل الكثير من التعابير غير المتناسبة مع السياق، كاحولال العينين نهاية الكثير من المشاهد أثناء مخاطبته لنفسه دون حاجة مبررة لتلك اللازمة. بيد أن دحباش رجل موهوب ومهتم بالموسيقى؛ إذ يظهر في كثير من الأحوال وهو يعزف على عوده وقد مثلت تلك السمة أمراً إيجابياً.

اجتماعيا، فدحباش” في الجزء الأول” يحيا في منزل متواضع. ولا يبدو بأنه تلقى تعليما جيداً أو أن لديه طموحاً معرفياً؛ فهو يظهر في إحدى المشاهد وهو يسخر من جار له تعلم حتى وصل إلى نهاية المرحلة الثانوية، وقد تناسب ذلك مع تركيب أبعاد الشخصية الأخرى. كما أنه لم يمثل قدوة أخلاقية لائقة للمجتمع.

يمكن إذا الملاحظة بأن شخصية دحباش قد أسست لنمطين جوهريين، تم تقمصها في بناء العديد من الشخصيات الكوميدية اللاحقة وهي (الطابع الغرائبي في المظهر والسلوك، مستوى تعليمي أو ثقافي منخفض) حتى صارت ما يشبه الوسم الثابت.

 ربما لم تعد تملك هذه الشخصية وجوداً صورياً في ذاكرة العديد من شباب اليوم، إلا أن الأغلبية من مختلف الشرائح العمرية تعرف مصطلح ” الدحبشة ” أو ” الدحابشة” وهي تعبير يشير لأفعال وسلوكيات سلبية يقصد بها أبناء الشمال اليمني. وإذا كانت هذه المفردة قد أطلقت في بداية الأمر كشيء من النكتة فإنها بعد أحداث الحرب الأهلية بصيف 1994 قد تحولت لمعاني تحمل التفرقة العنصرية وتشجع على خطاب الكراهية. إن استمرار استخدام هذه المفردة يعكس مقدار الأثر الذي تركته شخصية البطل ” دحباش”. حتى إن السلطات آنذاك منعت عرض المسلسل لاعتقادها بان تركيب الشخصية غير موفق وبأنها ساهمت في تقديم صورة سلبية عن اليمنيين. بحيث يرجع البعض أنه ربما قد تم تهميش الفنان آدم سيف من قبل الجهات الإعلامية الرسمية لاحقاً للآثار السياسة والاجتماعية السلبية التي تركتها شخصية “دحباش”[7].

كشكوش، بطلا للأطفال

شخصية كشكوش هي إحدى أكثر الشخصيات الدرامية شعبية في تاريخ الدراما اليمنية والتي أداها الممثل سليمان داوود. وبالرغم من أنها كانت موجهة للأطفال إلا ان متابعيها تعدوا تلك المرحلة العمرية. بدأ عرض مسلسل كشكوش في بداية الألفيات واستمر بعد ذلك لمواسم عديدة قدمت خلال شهر رمضان المبارك. وقد حصل على الجائزة الفضية لدراما الطفل في الوطن العربي بالقاهرة[8].

كشكوش هو طفل، من عائلة متوسطة الحال، ذو نزعة خيرة. ولكن بالنظر لبنيته الجسدية يستطيع حتى الأطفال إدراك أن كشكوش هو رجل بالغ يعيش كطفل. وكما يبدو من خلال الدور الذي تؤديه الشخصية والتفاعل مع الشخصيات الأخرى فإنه لم يرد للمشاهد إلا أن يعتقد بأن كشكوش طفل صغير، وليس كما تظهره السمات الجسدية للممثل؛ أي كونه رجلاً بالغاً يعاني من صعوبات في الفهم.

  يقول سمير المذحجي، وهو كاتب السيناريو، بأنه كان حريصاً من خلال الأسلوب الذي اتبعه في كتابة الحوار على أن يكون المسلسل متناسباً مع عقل وذهن الطفل ذي المرحلة العمرية (5- 18)[9] . مما يعني أنه قد تم مراعاة السمات اللازمة لبناء شخصية موجهة للأطفال يمكن اعتبارها قدوة لهم.

غير أن المرء يلحظ نوعاً من التعارض بين السمات الجسدية للشخصية البالغة والدور الطفولي المناط بها تجسيده. فبدل ان توحي ببراءة الأطفال، فقد عكست ما يمكن تسميته بالبلاهة والمعاناة من صعوبات الفهم. حتى تعامل الشخصيات الاخرى مع شخصية كشكوش في المسلسل يبدو بالغ الحذر عند الحوار، وكأنما كشكوش لا يفهم بسهولة.

ومع أن بعض الشخصيات المقدمة للأطفال اليوم، تظهر قدرة عقلية متواضعة كالشخصية العالمية المحبوبة والمثيرة للجدل في آن “سبونج بوب”، إلا أن هنالك من يعارض هذا البناء من حيث وجود هذه النواقص السيكولوجية التي لا تؤهل مثل هذه الشخصيات لأن تكون مناسبة للأطفال. فالذكاء سمة أساسية ومهمة يتوجب ان تتحلى بها الشخصية المقدمة للأطفال. فينبغي أن تكون قادرة على حل المشكلات ومواجهة المواقف المختلفة بذكاء. وهذا ما ينبغي أن تطمح إليه، وتسعى من أجله، الجهات الصانعة؛ فلا يوجد عمل درامي هادف دون أن يكون منظوماً في بناء معرفي وتربوي متكامل.

هذا علاوة على أن السمات البيولوجية للشخصية المقدمة للأطفال لا بد أن تكون واضحة. فيجب توضيح شخصية البطل من حيث كونه ذكراً أم أنثى، طفلاً أم شاباً أم شيخاً. فعلى عكس شخصية سبونج بوب والتي مثلت شخصية ذكر بالغ، يعمل ويدير حياته بمفرده ولكنه يعيش بروح الطفولة- فان شخصية كشكوش غير واضحة بيولوجياً.

وقد كان بالإمكان إزالة هذا التشويش من خلال اختيار طفل حقيقي ليأخذ دور بطولة كشكوش. وكان سيكون من الأفضل أيضا لو أن لغة نص السيناريو المنسوبة إلى كشكوش قد رفعت واختيرت بعناية بما يتناسب مع الجمهور السابق تحديده (5-18)، وهو الأمر الذي سيكون من شأنه الإسهام في رفع مستوى تفكير جمهور الأطفال المستهدف ويشكل قدوة معرفية نافعة لديهم.

وأخيرا لا بد من مراعاة أن الأطفال لا يختلفون عن الكبار في مستويات الذكاء ولا ينقصهم، إن كان أصلا نقصاً، إلا الخبرة لقلة عدد سنوات أعمارهم. ومن هنا، فلا بد من أن يضع القائمون على هذا النوع من الدراما أهمية تقديم خبرات ومعارف نافعة للأطفال والناشئين.

شوتر وزنبقة، العائلة كبطل

بدا عرض مسلسل همي همك في العام 2009 واستمر لتسع مواسم لاحقة انتهى آخرها في العام 2018. ظهرت من خلاله الشخصيتان الشهيرتان في اليمن ” شوتر وزنبقة ” اللتان أداهما الممثلان فهد القرني ونبيل الآنسي. وقد مثّلا نوعا من البطولة المشتركة، فلا يكاد الاسمان ينفصل أحدهما عن الآخر. وقد أصبحا أكثر زوجين شهرة في الدراما اليمنية بجوار ” مسعد ومسعدة” بطلي الدراما الإذاعية اليمنية. وتتفرد شخصية ” زنبقة” بكونها أشهر شخصية درامية نسائية يمنية حتى الآن. بالرغم بأن مؤديها لم يكن امرأة!

شوتر وزنبقة زوجان يعيشان في إحدى القرى التهامية، في ظروف معيشية متواضعة. يواجهان مصاعب الحياة وسطوة الشيخ. شوتر رجل مسن خاضع، يخاف باستمرار ويعجز عن دفع الظلم عن نفسه، وهو يبدو أبلها في كثير من أحاديثه او في سلوكه العام.

وبالنظر لسمات شوتر الجسمانية فهنالك نوع من التكلف في خلق بعض العلل الجسدية كأسنان شوتر الغريبة. وهو أمر يعكس النمطية في تصوير السمات الجسدية للشخصية الكوميدية اليمنية فيما يشبه التهريج المفتعل الخاص بالسيرك.

أما زنبقة فقد مثلت عجوزا يمنية. وهي، وفق منظور الأبعاد الثلاثة للشخصية الدرامية ” النفسية والجسدية والاجتماعية ” المشار إليها آنفاً، لا تقارب واقع السيدات اليمنيات في ذات العمر. فجسدياً نراها عجوزاً مشوهة، بملامح ذكورية، وحواجب ملتصقة وأسنان مسودة ونظارات هائلة الحجم. وهي لا تكف عن فعل حركات مستهجنة، كالقفز بشكل غير مبرر أو متناسب مع القدرات الجسدية للمرحلة العمرية لتلك الشخصية. كما أن أسلوب الحديث اعتمد على إضحاك الجمهور بأدائها الكوميدي المتطرف. مما يجعله أقرب إلى التهريج منه إلى الكوميديا.

يقول محمد رضا، الصحفي المتخصص في السينما، واصفاً الخلل الذي تقع فيه الشخصية الكوميدية حينما تتجه إلى التهريج دون مسوغات فنية “هناك يسعى الكوميدي لإثبات قدرته على الإضحاك. قد يتأتئ، قد يهرش جسمه، قد «يبحلق» بعينيه، قد يرتدي زي امرأة ويسخر منها، قد يدّعي الجهل أو النسيان أو عدم التركيز. ليس أن الأدوات بحد ذاتها معطوبة، لكن استخدامها هو المعطوب والردي” [10].

 وقد واجهت هذه الشخصية رغم شعبيتها انتقادات لاذعه بتهمة هشاشتها وتشويهها لصورة المرأة اليمنية. وصفها الدكتور محمد الشامي، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة صنعاء، بأنها “تقدم شخصية المرأة اليمنية للمتفرج الخارجي في عصر السماوات المفتوحة بأسوأ صورة يمكن من خلالها تقديم هذه المرأة. وكأن صورة اليمن السلبية في الخارج بحاجة إلى مزيد من الإساءة إليها”.[11]

العمل الفني ل سعد الشهابي

إشكاليات بناء شخصية البطل في الدراما الكوميدية اليمنية

يقول الفنان ياسر العظمة في إحدى مقابلاته بأن هنالك فنانين كبارا قد حصدوا الشهرة في الوطن العربي هم ومسرحياتهم فقط لأنهم يضحكون لمجرد الاضحاك. فهم يخاطبون الغرائز الدنيا عند الإنسان وليس المثل العليا. ووفق رأيه فإن الضحك يبدأ من العقل، العقل يصنف الموقف ويضبطه ثم يضحك.  يشبه بعد ذلك عملية الاضحاك دون وعي وهدف بموقف ترمى فيه قشرة موز في طريق رجل عجوز ثم يكون الضحك على ذلك.

ونتبين من هذا بأن مشكلة البناء الهش للنكتة والشخصية الكوميدية هي مشكلة غير محصورة بإطارنا الجغرافي اليمني. لكن هذا لا يشكل مبرراً للتكاسل عن رفع مستوى النص المقدم. وفي هذا السياق، فلا بد من الكف عن الاعتقاد بأن الكوميديا هي مرادف للتهريج الفارغ، فنحن نرى أن الكثير من شخصيات الابطال في الكوميديا اليمنية مازلت تعاني من الضحالة في الفكر والمضمون.

هذا؛ مع العلم بأن النكتة الذكية أشد وقعاً من كل الحركات الطفولية الساذجة المضحكة. إن رسالة الكوميديا كفن هي رفع الذائقة وتنمية الفكر وليس العكس. يؤكد الدارسون للكوميديا أن الممثل في الكوميديا يقدم محتوى عقلياً وعاطفياً يستهدف عقول المتفرجين وقلوبهم قاصدا بذلك تحقيق المتعة الذهنية والوجدانية لدى جمهوره. وإذا ما خلت الكوميديا من تلك المتعة الذهنية والوجدانية، فإنها تتحول إلى مجرد تهريج. [12]

ونلاحظ أيضا بأن هنالك نمطية في بناء الشخصية الكوميدية في الأعمال اليمنية. وهي في الغالب تظهر تأثرها بشخصية “دحباش” حيث تعتمد في مظهرها الخارجي على الغرائبية في الملبس أو طريقة الحديث والتعبيرات المفتعلة بشكل واضح، وكذلك إظهار العلل الجسدية واللازمات غير المبررة. كما يظهر في لغتها الكوميدية التنكيت المباشر والسطحي. ومن الناحية الاجتماعية، فالشخصية الدرامية اليمنية عادة ما تكون متواضعة من حيث مستوى الثقافة والتعليم أو تعاني من مشكلة عقلية. وكأن الكوميديا اليمنية مرتبطة بالبله وبطء البديهة أو محدودية الثقافة.

تعتمد الشخصية الدرامية اليمنية غالبا على جسدها أكثر من مضمون النكتة. يجب أن تأخذ روحُ الدعابة واقعًا أعمق، وأذكى يعتمد على قوة الكلمة لا على الحركات الجسدية، فقد غادرت الكوميديا العالمية، الاعتماد على لغة الجسد وإمكاناته إلى قوة النص وذكاء العبارة وسرعة البديهة[13].

إن استمرار تكوين شخصية البطل الكوميدية بهذه الركاكة يؤثر سلباً على ذائقة المشاهد المحلي خصوصا ذاك الذي لا يتعامل مع المنتجات العالمية والذي يتأثر بشكل ملحوظ، فنراه يردد تفاهات الشخصيات بدون وعي وقد يقوم بتقليد الحركات غير اللائقة اعتقادا منه بأن هذا هو جوهر الكوميديا. بينما تتمثل الكوميديا الراقية في ذكاء الكلمة وقوة المعنى. كما أن لها القصد هدفا محددا، وهو تحسين الذائقة العامة ورفع مستوى المتابع فنيا وثقافيا.

في لقاء مع الجزيرة نت يذكر الناقد قائد غيلان  أن “المهرِّجين والشخصيات الممسوخة ساعدت في بعض أعمالها على إفساد أذواق الناس وتشويه مفهوم الفن، إلى درجة أن المواطن العادي أصبح يعتقد أن الكوميديا هي البهدلة والتشوُّهات الجسدية والغرابة في الملابس والإكسسوارات[14].

ويمكن قياس هذا التأثير من خلال متابعة المحتويات المرئية الأخرى. فنجد كثيرا من الشباب اليمني الهاوي يقدمون محتوى كوميديا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيه، غالبا، شخصية المخبول غريب المظهر او المهرج، محدود الثقافة والفكر.

من المهم أن نتنبه للانطباع الذي تقدمة الشخصية الدرامية عن مجتمعها للخارج. فقد تعزز من مظهره الإيجابي وقد تفعل العكس. ففي عالمنا المعاصر، في الغالب، لا يتوجه الناس في فهم ثقافات غيرهم من الشعوب الى مؤلفاتهم الموثوقة أو مخالطتهم بل أصبح المحتوى البصري الذي تقدمه البلدان عن نفسها هو أول ما يشكل الصورة الذهنية لدى الآخرين عن هذا البلد.

تنبهت لهذا الأمر المؤسسات الثقافية والسياسية في بلدان متقدمة مختلفة؛ فعززت الصورة الإيجابية عن مجتمعاتها من خلال شخصيات أبطالهم الذين قدموها للعالم. كما أن هذه الشخصيات في المقام الأول تؤثر على متابعيها المحليين في تكوين صورة ذاتية عن أنفسهم ومجتمعاتهم، فكيف يمكن أن تنمو الروح المعنوية لدى مجتمع ما وهو يرى أبطاله في صورة مجموعة من المهرجين لهم سلوكيات غير لائقة وليس لديهم قيم وغايات عليا.

 ما نرجوه هو أن تراعى أهمية بناء الأبعاد الثلاثة، النفسية والجسدية والاجتماعية، بشكل منطقي عند بناء الشخصية الدرامية اليمنية في الأعمال المستقبلية. فلا بد أن تكون الشخصية نموذجاً إنسانياً مستقلاً ينمو بحيوية وبصورة أصيلة ومقنعة؛ وأن تكون شخصية غير زائفة يكون لها أفكارها وطموحاتها وصراعاتها، وأن توضع من أجل أداء دور معين متناسب معها. هذا ما يمكن تسميته بسيرة ذاتية خاصة وليس أن تبنى الأبعاد المشار إليها في الشخصية بصورة لا تتناسب مع الدور والمشهد المضافين إليها. وينبغي أن تحمل الشخصية الكوميدية صفات ومضامين أوسع وأعمق عن الموجود المعروض في الدراما اليمنية؛ أي أن تخرج عن النمط التقليدي لتكون في ذاتها شخصية لها طموح وهدف وأن تعكس صورة إيجابية ومحفزة لمجتمعها.


[1] ابراهيم حمادة. (1971). معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية. القاهرة: دار الشعب.

[2] ماهر مجيد ابراهيم، نورس صفاء عبد الجبار. (بلا تاريخ). التوظيف الدلالي لابعاد شخصية البطل في افلام ما بعد الحداثة. بغداد: دراسة لكلية الفنون الجميلة.

[3] وجدي الاهدل. (2021). الرسالة الاخلاقية للدراما. تأليف وجدي الاهدل، اخرج يدك من جيبك واكتب سيناريو (الصفحات 47-55). صنعاء: دار نشر عناوين books _ دار نقش

[4] مروى العريقي. (26 ابريل, 2021). فن أم وجبات سريعة؟… نظرة لحال الدراما اليمنية هذا الموسم. تم الاسترداد من رصيف 22

[5] مصدر سابق (7)

[6] عامر الدميني. (3 يناير, 2019). الثقافة والمجتمع بين “دحباش” و “مستر بن”. تم الاسترداد من الموقع بوست

[7] علي سالم. (2012). «دحباش» … كوميديا يمنية تحولت أيديولوجيا للكراهية. تم الاسترداد من جريدة الحياة اللندنية

[8] محمد العزعزي. (25 اغسطس, 2008). كشكوش 5 يدشن مسلسلة الرمضاني بأحضان الشمايتين . تم الاسترداد من صحيفة الايام

[9] مصدر سابق (11)

[10] محمد رضا. (24 يوليو, 2015). بين فن الكوميديا والتهريج. تم الاسترداد من جريدة الشرق الاوسط

[11] عميد إعلام صنعاء ينتقد أداء “شوتر وزنبقة” ويصف “همي همك” بـ “العمل الرديء“. (3 يوليو, 2014). تم الاسترداد من مأرب برس

[12] سامي عبد الحميد. (4 2, 2013). الكوميديا والتهريج . تم الاسترداد من صحيفة المدى

[13] محمد الخناكي. (7 يونيو, 2020). تحولات الكوميديا العالمية… من التعبير الجسدي إلى ذكاء العبارة. تم الاسترداد من القدس العربي

[14] مأرب الورد. (24 7, 2013). الدراما اليمنية.. أعمال مكررة وجمهور عازف. تم الاسترداد من الجزيرة نت

اظهر المزيد

جهاد جارالله

كاتبة وفنانة يمنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى