ثقافة

الطيور المهاجرة و المستوطنة في اليمن: سخاء الطبيعة وجور الإنسان

This post is also available in: English (الإنجليزية)

 تمتلك اليمن سواحل رائعة وطويلة وجزر غنية بالتنوع البيئي. ومن ذلك الطيور المتنوعة التي تفد إلى هذه المناطق. ويعد شريط خليج عدن ومضيق باب المندب والشريط الساحلي على البحر الأحمر من جهة، وساحل أبين الواقع على البحر العربي من جهة اخرى، من الأماكن المضيفة لهذه الطيور. وفيها يمكن للمرء مشاهدة الطيور الخواضة الصغيرة مثل عائلة الطيطوي والزقزاق. و توجد أنواع من الطيور النادرة المهاجرة والمستوطنة مثل الفلمنجو «المقدس عند قدماء الأسبان» والنورس والبطريق. وهنالك أنواع جميلة أخرى من الطيور  في جزيرة مقاطين  في مديرية أحور المحمية الطبيعية التي تضم أنواع مختلفة من الطيور المهاجرة والنادرة. و إلى ذلك يضم مرفأ حصن بلعيد وقرية الشيخ سالم الساحلية أعدادا من الطيور المهاجرة.

ومن الأماكن الجاذبة للطيور والمشهورة عالميا جزيرة سقطرى التي تعد إحدى  المواقع الساحرة التي  تستضيف سواحلها و أوديتها و أشجارها طيورا متنوعة في فصائلها ومتعددة في أحجامها و أشكالها. ويصل عدد طيور ارخبيل سقطرى إلى أكثر من 200 نوع.

 الصور بإذن من ابراهيم منوعيم الصور بإذن من ابراهيم منوعيم

تشير الدراسات إلى أن السبب في عبور وبقاء أسراب من الطيور المهاجرة في الأراضي اليمنية عائد إلى التنوع البيئي للمواطن الطبيعية من جبال وسهول وصحارى وهضاب وسواحل بحرية والتي تعد بيئة ملائمة لهذه الطيور. ومن البيئات المناسبة لتلك الطيور الأراضي الرطبة، وههي أماكن من اليابسة مغطاة بمياه ضحلة، كالجيوب المائية وحواف الأنهار والبحيرات.

وفي هذا الصدد يبرز كتاب (دراسة حصرية لطيور محافظة عدن خلال الهجرة الصيفية والشتوية من عام 2005 – 2006م) للباحث د.فضل عبد الله ناصر البلم من جامعة عدن. و الكتاب عبارة عن دراسة علمية عن طيور محافظة عدن  وقد أتي في إطار مشروع ( برنامج الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية ) والذي غطي نشاطه عددا من المشروعات البيئية المتميزة في عدد من محافظات الجمهورية ومنها محافظة عدن. وبلغت تلك المواقع المغطاة (27) موقعا حيويا في مناطق مختلفة.  وخلصت الدراسة إلى حصر وتسجيل (168) نوعا من الطيور منها (29) نوعا (مقيما متكاثرا و (16) نوعا مهاجرا صيفيا و ( 123 ) مهاجرا شتويا. و تتبع تلك الطيور ( 41 ) عائلة و (91) جنسا ما بين الأنواع المحلية والمهاجرة ، و ( 54)  نوعا من الطيور في فصل صيف 2005 م ،وحوالي (114) نوعا من الطيور المهاجرة خلال الهجرة الشتوية.

 يعد ساحل أبين وبحيرات عدن الثلاث المحاذية للجسر البحري ومحمية الحسوة أماكن جيدة لمشاهدة الطيور الخواضة الصغيرة مثل عائلة الطيطوي والزقزاق. وفيها يوجد عدد كبير من عائلات أبو منجل الأسود والنحام بنوعيه الكبير والصغير ودجاج الماء في محمية الحسوة، غير أن الكم الهائل من هذه الطيور لم يعد يظهر في الآونة الأخيرة.

تحذيرات واتفاقيات وتوصيات

 أطلقت الهيئة العامة لحماية البيئة مؤخراً تحذيرات من انقراض 11 نوعاً من الطيور المستوطنة في اليمن والمهاجرة إليها، وهي أبو منجل الأصلع والنورس أبيض العين والعقاب المنقط الكبير والعقاب الملكي والحمراوي أبيض العين ومرعة البر ودرسة سقطرة والعوسج وزرزور سقطرة والهازجة اليمنية والشحرور اليمني. المنتدى العربي للبيئة- مجلة البيئة والتنمية، أبريل 2005م العدد 85.

وقد أفاد خبراء محليون أن بعض الطيور بدأت فعلاً في الاختفاء ولم تشاهد خلال الفترة الماضية، و من أهمها أبو منجل الأصلع الذي يبلغ طوله 75 سنتيمتراً ويعتبر من الطيور النادرة عالمياً. وكانت تتواجد أسراب صغيرة من هذه الطيور في المروج الخضراء حول مستنقعات المياه العذبة قرب مدينة تعز في المناطق الوسطى.

وأوضح تقرير الهيئة السابق ذكره أن من أبرز المخاطر التي تهدد بيئات الطيور اليمنية جفاف المناطق الرطبة وانحسار الغطاء الحراجي أي الغطاءات النباتية الأكثر استهلاكاً للماء والتي تشكل حاجزاً جيداً يفصل بين الأمطار وجريانها في المجاري والأخاديد والوديان. ومن هنا اختفاء عدد من بيئات الطيور التي تعتبر مؤشراً لمستوى السلامة البيئية.

 الصور بإذن من ابراهيم منوعيم الصور بإذن من ابراهيم منوعيم

وحذر خبراء وباحثون في مجال الطيور من مخاطر تهدد بيئات الطيور المهاجرة والمستوطنة في اليمن بسبب النشاطات السلبية للإنسان التي أدت إلى تجفيف المناطق الرطبة وانحسار الغطاء في المناطق. و في هذا السياق، أشار الدكتور عمر الصغير الأمين العام للجمعية اليمنية لحماية الحياة الفطرية، وهي منظمة غير حكومية، إلى أن من أبرز مسسببات نفوق الطيور المهاجرة مشاريع شق وإنشاء الطرق المعبدة التي طالت بعض المحميات الطبيعية فيها مما أدى إلى هدم وتجفيف بعض تلك المواطن والبيئات. وقال الصغير ” إن أعمال الردم بالحجارة والأتربة لبحيرات ومستنقعات في مناطق رطبة تجاور شواطىء عدن بغية إقامة مشاريع عمرانية عليها ساهم أيضا في هجرة بعض الطيور التي كانت ترتاد هذه الأماكن”. وأكد الصغير” أن عمليات قطع الأشجار والتحطيب الجائر التي يعاني منها عدد من المحميات في مناطق أخرى متفرقة من اليمن ساهم أيضا في تخريب البيئة التي تعيش فيها تلك الطيور.”

و تبرز عدد من التهديدات الدائمة للطيور والناتجة عن ممارسات الإنسان وهي: أولا:  قطع الأشجار الذي يعد من أهم عوامل التهديد للطيور التي تعيش على أشجار مختلفة، ومن تلك الأشجار شجر الطلح الذي يتعرض للقطع، وتعيش عليه طيور عديدة منها نقار الخشب العربي والسمنة اليمنية والمغرد اليمني والنعار العربي والحسون السقطري والحسون اليمني. وثانيا:  الاصطياد الجائر التي تتعرض له الطيور في بعض المناطق و خاصة في منطقة تهامة. ثالثا: التلوث النفطي والنشاطات السياحية في الموانئ اليمنية التي لا تراعي الحفاظ على البيئة و تؤثر سلباً على مواطن الطيور البحرية، وأهمها الطائر الاستوائي الأحمر المنقار والأطيش المقنع والأطيش البني والنورس السويدي والخرشنة البيضاء والنوارس البيضاء العيون المهددة عالمياً.

ويعتبر كثير من علماء الطيور أن اليمن هي البلد الوحيد في شبه الجزيرة العربية الذي تستوطن فيه مجموعة من طيور الحبارى الآسيوية من جهة، وتمر فيه، من جهة أخرى، أعداد مهاجرة تصل عبر البحر الأحمر. و يعبر الباحثون عن  قلقهم  من استمرار ظاهرة الاصطياد غير الشرعية للطيور الجارحة وبالأخص الصقور. و يقول هؤلاء الباحثون إن الاصطياد غير الشرعي يشكل تهديدا لمسار هجرة هذا النوع من الطيور في منطقة باب المندب. ودعوا إلى وضع خطة عاجلة للسيطرة على أعداد الغربان التي أصبحت منافس مدمر لكل الأنواع الأخرى.

والملاحظ أن الجهود الرامية إلى منع صيد الطيور  لم تحل دون تعرض الطيور المهاجرة حول العالم ، وفي اليمن على وجه الخصوص، للصيد الجائر. إنَّ المشهد ينبيء عن أن هذه الظاهرة ليست في تقلص و إنما في ازدياد. وهو الأمر الذي ألجأ القائمين على حماية البيئة إلى سن قوانين للصيد تكون، حسب اعتقادهم، بمثابة المدونة المعيارية الدولية للحفاظ على الطيور. و وقّع صيادون من دول عدة، بينها اليمن،  تعهداً يقضي بالحفاظ على البيئة والتزام معايير الصيد المسؤول. ونص القانون على وجوب الحماية الكاملة للطيور الحوّامة المهاجرة على مسار الهجرة في حفرة الانهدام /البحر الأحمر. وتعهد الصيادون الموقِّعون على الاعلان بتبني الميثاق العام بخصوص الممارسات الفضلى للصيادين ومجموعات الصيد؛ وذلك من أجل صيد مستدام وحماية مستدامة للطيور الحوّامة المهاجرة.

غير أن واقع الحال لا يرقى إلى مقررات هذه الاتفاقيات وتلك الصرخات المحذرة من الصيد الجائر. ففي بعض المواقع الحيوية للطيور انعكست تلك الممارسات العبثية سلبا على تواجد الطيور سواء من حيث وفرة عددها أو أنواعها. ويُلاحظ ذلك بشكل واضح، مثلا،  في ساحل أبين والمنطقة الحرجية في منطقة الممدارة.

وبما أن  الصيد  جزء من الأنشطة التقليدية في عدد من البلدان  كاليمن، فإنه لابد من توفر بعض الشروط والضمانات الدائمة لحماية الطيور والتنوع الحيوي بصورة عامة. أولا: ضرورة ضمان التزام أنشطة الصيد بالقوانين الوطنية التي تختص بصيد طيور الطرائد وغيرها. وهذا يعني ضرورة تفعيل هذه القوانين على المستوى الوطني من جهة، وتماشيها مع ميثاق ممارسات الصيد المستدام الدولي من جهة أخرى. ثانيا: ضرورة توفر قاعدة بيانات مكتملة، فمما فاقم الأزمة  ضعف قاعدة المعلومات في هذا المجال. والجهات المعنية مدعوة، هنا، إلى ضرورة  استمرار واستكمال دراسات العد و الحصر إلى جانب الدراسات البحثية المعمقة. ويمكن أن يتم إجراء ذلك ضمن نُطُق جغرافية محددة، فخلال الأعوام القادمة يمكن دراسة التنوع الحيوي في محافظة أبين وعدن وتعز لأهمية تلك الأماكن وخصوصاً في المناطق التي أعلنت محمياتٍ بيئية. ثالثا:  ضرورة إنشاء متحف للتاريخ الطبيعي .رابعا: تفعيل التوعية المستمرة بأهمية الطيور من النواحي البيئية والحيوية والسياحية والإقتصادية. وهذا يعني استخدام كافة أنواع وسائل الإعلام والتعليم. ومن ذلك توعية النشىء الجديد من اليمنيين بأهمية ترك الطيور وشأنها في بيئاتها الطبيعية وعدم إزالة الغطاء النباتي في مواقع تواجد الطيور.

 الصور بإذن من ابراهيم منوعيم الصور بإذن من ابراهيم منوعيم

 :الجهود المبذولة والآفاق المنشودة 

وفي هذا الصدد تسعى عدد من الجمعيات اليمنية المهتمة بحياة الطيوروحمايتها إلى لفت نظر المواطنين الى الأضرار الناجمة عن الإكثار من اصطياد هذه الطيور. وقد وقَّعت اليمن مع دولة الإمارات في تشرين الأول (اكتوبر) 2004 اتفاقية للتفريخ الاصطناعي للحبارى الآسيوية المستوطنة في اليمن وإعادة توطينها. وتنص الاتفاقية على الاحتفاظ بمخزون من الحبارى اليمنية في المركز الوطني لبحوث الطيور التابع لهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها في أبوظبي. وتهدف الاتفاقية إلى الحيلولة دون انقراض هذا النوع من الطيور من البرية اليمنية. ويتضمن مشروع الاتفاقية جمع بيض وأفراخ حبارى من اليمن خلال فترة خمس سنوات بدأت عند توقيع الاتفاقية.

إلى ذلك دعى باحثوون لعقد فعاليات توعوية  في مناطق عبور الطيور المهاجرة. و يهدف هؤلاء الباحثون إلى تنمية الوعي المحلي بأهمية حماية هذه الطيور، والتقليل من المهددات التي تواجهها خلال رحلتها السنوية من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها.

غير أن الملاحظ أن كثيرين من المواطنين لا يزالون يعتبرون تلك الطيور هبة من السماء يحق للإنسان التصرف فيها كيفما يشاء. و مادام أن الحال كذلك، فلا بد من التأكيد مرة أخرى على أن من واجبات الدولة اليمنية تبني خطة عملية مكونة من حزمة من الاجراءات التي من شأنها الحد دون تقلص هذه الطيور أوتهديدها الوجودي. ولا بد أن تتضمن حزمة الاجراءات برامج توعوية مخططة إلى جانب قوانين صارمة ونشاط فعلي على أرض الواقع. ودون حدوث ذلك فعلى الطيور الجميلة و تنوعنا البيئي السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى