ثقافة

مسرحية: فيلم يمني

This post is also available in: English (الإنجليزية)

مسرحية “فيلم يمني” قدمها مجموعة من الشباب والشابات على مسرح المركز الثقافي في صنعاء. مثل العرض الأول للمسرحية الذي أقيم يوم السبت 28 أكتوبر 2017 خطوة مهمة في طريق إعادة المسرح اليمني بأفكار جديدة وروح شبابية منطلقة. و تعتبر المسرحية عملا جريئا؛ إذ تناولت موضوع الحرب وأثرها على الإنسان اليمني في عمل فني جماهيري.

تتناول المسرحية طموح شاب يحاول إنتاج فيلم سينمائي مع مجموعة من أصدقائه. في المسرحية إبراز للمشاكل التي تعاني منها اليمن أثناء الحرب. على خلفيات موسيقية وغنائية تمثل أعمالاً فنية معروفة، تنوعت فيها  الأزياء واللهجات والديكور في كل مشهد. أما الشكل الفني للمسرحية الذي نزع نحو المحاكاة الساخرة (Burlesque)، فلم يقصد منها السخرية العبثية فقط، بل تضمنت رسائل هادفة مباشرة

 الصورة بإذن من محمد خالد الصورة بإذن من محمد خالد

 كتب  المسرحية محمد خالد، وهو خريج كلية الإعلام وكاتب سيناريو، ويعمل في عدة إذاعات محلية  ومشارك في تأسيس بعضها. يقول عن مسرحيته (فلم يمني) التي كتبها و أخرجها:
“تناولتُ في المسرحية أعمالاً فنية يحبها الجمهور لتضمنها عنصر المحاكاة. حاولت عن طريقها ترجمة مشاعرهم وقضاياهم بطريقة كوميدية؛ ففي الفترة الأخيرة لم نعد نسمع إلا الأخبار الموجعة”.

:يقول خالد عن فكرة المسرحية

“بسبب الوضع المحبط في البلاد قررت أن أكتب عملاً يلهم المخرجين الآخرين لينتجوا أعمالهم الخاصة، وليتجاوزوا هذا اليأس الذي ينتشر بسبب الحرب. احتجت إلى شخص متخصص في الإدارة كي ينجح العمل، فقدمت سيناريو المسرحية للأستاذ نايف النجم، وهو شاب مهتم بالفنون ولديه أعمال خاصة. وقد وافق على إنتاجها فوراً، ونحن ندرس حالياً فكرة إقامة عروض أخرى إن حصلنا على دعم أكبر”.

قبل العرض

قرر خالد أن يخرج المسرحية التي كتبها؛ فالمخرجون المحترفون لا يتحمسون لفكرة ما زالت على الورق كما يقول؛ فهم يبحثون عن عمل مموّل.

وقد تم اختيار الممثلين عن طريق تجارب الأداء التي تعدّ مرحلة صعبة؛ فما زال الكثير من المخرجين في بلادنا يختارون الممثلين بناء على التزكية الشخصية بسبب الوقت والجهد الذي تتطلبه تجارب الأداء. تقدم 197 ممثلاً من عدة محافظات يمنية لتجارب الأداء، منهم ما يقارب 10 فتيات. ويعلّق محمد خالد على ضعف المشاركة النسائية: ” المرأة في اليمن تواجه الكثير من العوائق الاجتماعية حين تعمل في المجال الفني؛ فالمجتمع إنْ لم يجرّم الفن فهو يعتبره مجرد ترفيه غير ضروري”.

موضوع الفيلم

تناولت المسرحية المشاكل التي يعاني منها المجتمع في الحرب كارتفاع الأسعار، وتجارة السلاح، ومنع الإعانات عن المحتاجين، واستغلال بعض المتمكنين لهذه الأزمة، وتضييق الخناق على المواطن العادي.  وبهذا فالمسرحية يمكن أن تعد خطابا فنيا حول الأزمة اليمنية في إطار كوميدي وحبكة حوارية. يقول محمد خالد:

 “يجب أن يترجم العمل الفني معاناة الناس ومشاكلهم وقضاياهم، فقد وصل الوضع إلى حد لم يعد يتحمله أحد. إنْ لم يعبر الفنان عن هذه الأمور فما دوره إذاً؟”.

كان موضوع المسرحية الرئيسي صناعة السينما في اليمن، والصعوبات التي تواجهها، وعوامل نجاحها كالالتزام بمبادئ العمل الجماعي، وإيجاد طرق جديدة .للتمويل والإنتاج، واستخدام التكنولوجيا والإنترنت في التسويق والتواصل

:يقول خالد

 ملصق  المسرحية 
ملصق  المسرحية

“هناك الكثير من الشباب لديهم الموهبة والرغبة والطموح والقدرات، ولكنهم مشغولون بالسعي وراء لقمة العيش بسبب الوضع الاقتصادي في البلاد، ومنهم من يضطر إلى بيع أغراض من بيته لإنتاج عمل فني صغير، لذلك نحتاج إلى الدعم وإدارة أصحاب هذه المواهب لإخراج أفضل ما لديهم”.

:وعن صناعة السينما في اليمن يقول

“ليس هناك دور سينما في اليمن، والقنوات التلفزيونية محتكرة وغير متعاونة، فهم يشترون الأعمال من الشباب بسعر زهيد. و فوق ذلك نظرة المشاهد العادي إلى الأفلام السينمائية المحلية سلبية. أما المسرح فيعد نوعا من التهريج”.

يعتقد خالد أن الكثير من الشباب الطموح لم يجدوا الفرصة المناسبة لإنتاج أعمالهم الخاصة، ففي بلادنا يعتبرالإنتاج الفني موسمياً وشركات الإنتاج القليلة تحتكر
.السوق

وليس الدعم هو المشكلة الوحيدة أمام الفنانين الشباب كما يرى خالد:

“الفنانون في اليمن يحتاجون إلى تدريب، فلا يوجد معهد تدريب فني متخصص في اليمن”

حصل محمد خالد على تدريب دولي سابق في كتابة السيناريو عند عمله في أحد المشاريع الإذاعية، وهذا ما أفاده كثيراً. هذا الأمر جعله يدرك قيمة التدريب ويحرص على توعية الفنانين بأهميته. الحماس وحده لا يكفي، إذ يجب أن يكون الفن حرفة لا هواية فقط، وهذا ما سيدفع الفنان إلى تطوير نفسه وقدراته.

الممثلون

تناول النص الكوميدي قضايا متنوعة بطريقة ممتعة، كما ميز المسرحية إجادة توزيع الأدوار حسب القدرات الذاتية للممثلين الذين يقف بعضهم للمرة الأولى على المسرح. وكما أسلفنا فقد تم اختيار الممثلين الثمانية (ستة ذكور وفتاتين) عن طريق تجارب الأداء.

 ملصق  المسرحية 
ملصق  المسرحية

:يقول خالد

“كنت قلقاً في البداية لأن معظم الممثلين يقفون على المسرح للمرة الأولى، لكنهم أجادوا أداء أدوارهم، ولو كان لدينا معهد للفنون لما اضطررنا إلى البحث عن
.”الهواة عند تنفيذ الأعمال الفنية

شارك الممثلون بحماس حباً للفكرة والعمل الذي عبر عن قضايا تهمهم. وقد دعا خالد بعض شركات الإنتاج لحضور المسرحية كي يوفر للممثلين فرصاً أخرى للعمل. وهذا ما حصل فعلاً حيث اتفقت بعض شركات الإنتاج مع اثنين من الممثلين للعمل معها في أعمال تلفزيونية قادمة. يقول خالد:

“نحن لا نريد احتكار الموهوبين، فما زلنا في البداية ولسنا في منافسة مع أحد، وما يهمني هو تأهيل الشباب وتدريبهم لنرتقي بالفن في اليمن”.

وفي إجابته على سؤال إن كان هذا العمل بداية إنشاء فرقة مسرحية قال:

إذا ظللنا معاً سأسعى إلى الحصول على دعم من المنظمات لتدريب الفريق خارج اليمن، ثم العودة لتدريب موهوبين آخرين هنا، فهدفي هو تأهيل الشباب” ومساعدتهم على تأهيل آخرين”.

الدعم
.العقبة الأكبر أمام الفنانين كما تطرح المسرحية تتمثل في غياب دعم و تمويل وإنتاج أعمالهم وكان الحل الذي وضعته المسرحية في نهايتها هو تنفيذ العمل وإنتاجه بالإمكانيات المتاحة، ونشره على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما سيجذب المنتجين إن كان العمل جيداً. لم يطلب محمد الدعم من جهات رسمية؛ فهو – كما يقول- يعرف الوضع الذي تمر به البلاد. ولا يمكن الحصول على دعم لعمل فني في دولة لم تعد قادرة حتى على صرف المرتبات للموظفين. ورغم ذلك فهو يرى أن على  الحكومة في الوضع الطبيعي دعم الأعمال الفنية دون طلب. يرى محمد خالد أن صناعة السينما في العالم نجحت بدعم من رجال أعمال ومؤسسات خاصة وليس من الحكومة فقط. وهذا  الأمر يمنح الفنانين هامش حرية أكبر بعيدين عن تنفيذ أجندات السياسيين.

وعن المخاوف التي واجهته أثناء العمل يقول خالد: “خشيت انسحاب المنتج في أي مرحلة من مراحل العمل، إلا أن هذا لم يحدث”. ومن المخاوف التي ذكرها  خالد أنه كان يخشى أن لا يُسمح له بعرض العمل في المركز الثقافي الذي يُعد المسرح الوحيد المتكامل في صنعاء. لكن تم عرض المسرحية دون مشاكل. وعن سبب قلقه قال: “هناك أشخاص لا يريدون سماع أصوات الآخرين. هم يحبون وطنهم  ولكن يفترض عليهم أن يعلموا أن هنالك آخرون من أبماء وطنهم يحبون وطنهم المشترك بطريقة تختلف عن طريقتهم”.

 ملصق  المسرحية  ملصق  المسرحية

المسرح في اليمن

هل انتهى دور المسرح في اليمن؟

:أجاب محمد خالد على هذا السؤال

“لا يفقد المسرح أهميته، والفنون البصرية لا تموت؛ فالناس يهتمون بالمحتوى أياً كانت الوسيلة. ولكن الوضع في اليمن همّش دور الفن بأشكاله المختلفة، حتى في مؤتمر الحوار الوطني لم يكن هناك تمثيل للفنانين، كما  أن دورهم السياسي في صنع القرار غائب. وفي الفعاليات العامة تتم استضافة الفنانين فقط لتقديم أعمال ترفيهية. وبذلك تم تجاهل دور الفنان في صناعة الرأي ونقل قضايا المجتمع وصنع التغيير”.

يدعو خالد الفنانين إلى التعامل مع الأعمال الفنية بحرفية كصناعة متكاملة تحتاج إلى دراسة وتخطيط، وتدريب وتجهيز فني. ويؤكد خالد على ضعف الأجهزة والمؤسسات الفنية في اليمن. وهو الأمر الذي يستدعي  تأهيل كادر متخصص في كافة الجوانب إن أردنا صناعة فن حقيقي.

بعد العرض

رغم خوفه من أن لا يأخذ الجمهور العمل بجدية بسبب غياب نجوم معروفين عن العمل،  فإن تفاعل الجمهور مع المسرحية كان مشجعاً سواء في قاعة المسرح أو في الرسائل التي تصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يقول خالد عن رد فعل الوسط الفني على المسرحية: “رغم قلقي من عدم تقبل المخرجين المعروفين لكاتب سيناريو يخرج مسرحية للمرة الأولى،  فإنهم غمروني بتشجيعهم وكلماتهم المحفزة”.

:ويقول محمد خالد في  ختام حديثه معنا

أظن أننا أثبتنا بعملنا هذا أن بإمكان الشباب أن ينتجوا عملاً فنياً دون تمويل رسمي أو من المنظمات المهتمة. ورغم أن عائد العرض الأول من ثمن التذاكر لم يسدد جزءاً من تكاليف العمل، فإن العمل نجح بجهد جماعي متكامل.  والسر يكمن في أن فريق العمل يؤمن بدور الفن وقدرته على إحداث تغيير في المجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى