ثقافة

اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين

This post is also available in: English (الإنجليزية)

أسس مجموعة من الأدباء والكتاب اليمنيين البارزين عام 1971 (منهم عمر الجاوي، وعبدالله البردوني، وأحمد قاسم دماج)، أول كيان يمني موحد باسم: (اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين). لقي الاتحاد ترحيباً كبيراً رغم الوضع السياسي المضطرب والمتشظي بين الدولتين وقتها (اليمن الشمالي واليمن الجنوبي). وافتتح أول مقر له في عدن باحتفال رسمي عام 1972 وبحضور مسؤولين حكوميين ومثقفين.

عمل الاتحاد في فترات ازدهاره التي امتدت عقوداً على توفير مناخ للتعايش، ورفد الساحة بالأصوات الأدبية المميزة، وتولى حماية الأدباء، وأدان الرقابة والتعدي على حقوقهم الإنسانية والأدبية، وكان له دور تنويري في المجتمع.

 العمل الفني بإذن من عمار العوامي 
العمل الفني بإذن من عمار العوامي

كما تكفل بطباعة كتب أعضائه، ونشر نصوصهم في مجلة أدبية متخصصة يصدرها (مجلة الحكمة)، ونظم المهرجانات والفعاليات الأدبية والثقافية المحلية والعربية، وضم تحت سقفه أدباء من كافة التوجهات، وعزز مبدأ الوحدة اليمنية والانتماء والعطاء الإنساني والحفاظ على الإرث الثقافي والفكري.

عدا فترة وجيزة قبيل اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011 واشتداد قبضة الدولة البوليسية، ظل الاتحاد معقلا لأصوات مفكرين وكتاب عضويين  وخارجين على إرادة السلطات الشمولية. و ما فتيء الاتحاد، على الأقل في موقفه الرسمي، يقف إلى جانب  حرية التعبير وكرامة الإنسان اليمني.

دعوة لاستعادة الدور التاريخي

 و بعد ما يقرب  من نصف قرن من تأسيسه تعرض الاتحاد لتصدع مؤسسي و لتناقض في الرؤية والموقف تجاه الأحداث الجسام التي تمر بها البلاد حاليا. و قد وقف مجموعة من الأدباء والكتاب اليمنيين الشباب في أبريل 2018 أمام مقر الاتحاد في صنعاء رافعين لافتات كتب عليها: “معاً لاستعادة الدور الوطني للاتحاد”، “عدم ممارسة الاتحاد لأنشطته الثقافية يعرض مقراته للسطو”، “رفد الاتحاد بالدماء الجديدة يعزز الوحدة الوطنية”.

التقت مجلة المدنية مجموعة من الأدباء اليمنيين؛ من الشباب ومن قيادات الاتحاد، لمعرفة وضع الاتحاد حالياً، وأسباب صمته، ودوافع الحركة الاحتجاجية التي قادها الشباب، ونتائجها، وموقف قيادة الاتحاد تجاهها.

في البداية أكد الأديب والشاعر أنور البخيتي -الذي كان أحد قادة الحركة الاحتجاجية- أن الهدف الأساسي من تحرك الأدباء الشباب هو إعادة تفعيل الاتحاد واستعادة دوره التاريخي والوطني، فالجميع يعرف الظروف التي أُسس فيها الاتحاد الذي كان نواة للوحدة اليمنية، رفع الأدباء وقتها راية السلام، وجمعوا الأصوات المتباعدة تحت مظلة واحدة، حيث كان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أول كيان وحدوي مدني في اليمن.

وقال الشاعر الشاب زين العابدين الضبيبي: “قدمنا هذه المطالب لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين لأنه الكيان الجامع للمبدعين من كل الأطراف، فالاتحاد مؤسسة تدافع عن الأديب وتسعى للمطالبة بحقوقه، وطبع نتاجه، وإقامة الأنشطة الأدبية، في ظل ركود تام للعمل الثقافي في البلاد بأكملها”.

مبادرة سلام

يطالب الشباب الهيئات التنفيذية للاتحاد بتقديم مبادرة سلام لإيقاف الحرب كواجب وطني، سواء تم التفاعل الإيجابي معها من قبل الأطراف المتصارعة أم لم يتم، وتهيئة البلاد لما بعد الحرب.

تقول الأديبة والناقدة أميرة شايف التي شاركت في الوقفة الاحتجاجية: “من المخجل أن يقدم أدباء عرب مبادرات لوقف الحرب في اليمن، في حين يقف الأديب اليمني صامتاً منتظراً تحسن الظروف”.

يقول البخيتي: “ستلعننا الأجيال القادمة إن لم نفعل شيئاً الآن”.

في حديثها مع المجلة أكدت الشاعرة الأستاذة هدى أبلان -الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء اليمنيين – أن الاتحاد يقف مع الشباب في أي مبادرة سلام، فالاتحاد داعية للسلام والاستقرار واحترام التنوع السياسي والاجتماعي في اليمن.

وأضافت: “نحن ضد الحرب والدمار وهذه هي المواقف الضمنية للاتحاد طالما لم يعلن غيرها، فقد تأسس الاتحاد على قيم الوحدة والديمقراطية والحرية الثقافية والفكرية، وهو ضد الصراع والعبث بحياة وأرواح اليمنيين والمشاريع المناطقية والجهوية”.

تحدث أحد المسؤولين في قيادة الاتحاد إلى مجلة المدنية (طلب عدم ذكر اسمه ورمزنا له هنا بالأحرف م.م)، قائلاً: “لا يستطيع الاتحاد أن يقدم مبادرة لحل النزاع دون أن يجتمع عليها كل أعضائه من جميع التوجهات، حيث يقيم 80% من أعضاء المجلس التنفيذي في الجنوب وقد يكون لهم موقف مختلف” ويتساءل: “هل سترضي هذه المبادرة كل التوجهات والانتماءات السياسية؟”.

ووضح: “الاتحاد يلزم الصمت في هذه الظروف كي لا يثير المشاكل ويسبب الفرقة، وهذا أفضل ما يفعله للحفاظ على الوحدة الوطنية وتجنب الخلافات”.

كما أشار الشاعر جميل مفرح -نائب رئيس فرع الاتحاد في صنعاء- إلى أن الاتحاد يضم جميع التوجهات والأطياف، لهذا لا يستطيع اتخاذ رأي في اتجاه واحد. ويضيف: “تتمثل القيادة الحقيقية للاتحاد في المجلس التنفيذي، ولا يمكن اتخاذ قرار منفرد دون الرجوع إليه، وقد ينهار الاتحاد إن أقدم على خطوة غير محسوبة وغير متفق عليها في الوقت الحالي”.

 العمل الفني بإذن من عمار العوامي 
العمل الفني بإذن من عمار العوامي

في المقابل يقول زين العابدين الضبيبي: “سيكون للاتحاد أثر كبير بلا شك إذا وعت قيادته أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه في تقريب وجهات النظر بين الأطراف، وسَعَت من خلال كوادر الاتحاد وأعضائه لتكريس ثقافة الحوار، والضغط على القوى المتصارعة للعودة إلى جادة الصواب وتغليب مصلحة الوطن، فإذا شعر الأديب أن ثمة كيانا يحميه لن يتوانى عن طرح وجهة نظره وتوجيه سهامه للطرف المعرقل والمتسبب في استمرارية الحرب”.

هل تتجدد دماء الاتحاد؟

وضع الأدباء الشباب استراتيجية لتحقيق أهدافهم، كانت أولى خطواتها المطالبة بقبول العضويات المعلقة منذ ما يقارب العشرة أعوام في جميع فروع الاتحاد، حيث تمت عرقلتها -رغم استيفائها الشروط- بسبب الإجراءات البيروقراطية الخانقة التي تحكم إدارة الاتحاد، ونظامها الذي يفتقد المرونة، وابتكار الحلول، واستخدام الوسائل الحديثة كما يقولون.

يرى أنور البخيتي أن قبول الأعضاء الجدد هو وسيلة تسمح لهم بتأدية دورهم لتحقيق أهداف الاتحاد، وتقديم مبادراتهم، واستعادة نشاط الاتحاد، وتحريك ركوده، وقد تمت تهدئة غضب الشباب بوعود قبول العضوية واستقبال الملفات المعلقة دون البتّ فيها نهائياً.

أشارت الأستاذة هدى أبلان إلى وجود عوائق إدارية تعيق البتّ في هذه الطلبات، إلا أنهم بدؤوا بالخطوات الأولى بخصوص قبول العضويات الجديدة، فقد تم تشكيل لجنة عضوية منتخبة، وقُبلت هذه العضويات، ورفعت إلى الأمانة العامة، لكن بسبب توزع الأعضاء داخل اليمن وخارجه لم يكن من السهل عقد اجتماع للمجلس التنفيذي الذي يتكون من 31 عضواً لإقرار هذه العضويات بطريقة قانونية كي لا يتم الطعن فيها من أي طرف.

ووضحت أبلان أن الأمانة العامة للاتحاد مجرد سكرتارية لإدارة عمل المجلس التنفيذي، ولا يمكن اتخاذ قرار فردي دون موافقة جميع أعضاء الهيئة التنفيذية الذين يصعب اجتماعهم، حيث يوجد 11 فرعاً للاتحاد في اليمن، يتوزع فيها أعضاء المجلس التنفيذي الذين غادر بعضهم اليمن.

يتساءل البخيتي: “هل يعقل أن تعجز إدارة الاتحاد عن تنفيذ هذه الإجراءات عبر وسائل الاتصال الحديثة؟”

ويتابع: “لو كانت هناك نوايا صادقة لتم حل المشكلة بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، بإنشاء دائرة إلكترونية يتم فيها التواصل بين هيئات الاتحاد التنفيذية، لتسهيل تنفيذ الإجراءات التنظيمية”.

عقبت أميرة شايف على حديثه واصفةً الإجراءات التنظيمية في الاتحاد بغير المعقولة، واندهشت من بقاء أرشيفه ورقياً حتى هذه اللحظة دون محاولة تجديده.

 العمل الفني بإذن من عمار العوامي 
العمل الفني بإذن من عمار العوامي

يقول الأستاذ م.م: “يملك اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أكثر اللوائح والأنظمة الإدارية انضباطاً ودقة على مستوى مؤسسات المجتمع المدني في اليمن، وليس هناك بيروقراطية، بل نظام محكم لا يمكن تخطيه، وعلى الشباب أن يستوعبوا آلية وتسلسل عمل هذا النظام فالأمور ليست بالسهولة التي يتصورونها”.

أبواب مغلقة وميزانية متوقفة

يصف أنور البخيتي الأدباء اليمنيين الشباب بالاستثنائيين، فقد أصبحوا معتمدين على أنفسهم كلياً في نشر أعمالهم وطباعتها وتسويقها دون دعم أو رعاية، وهم من يحافظ على الحراك الثقافي في اليمن رغم شحة الإمكانيات، فيقيمون فعاليات أدبية بجهدهم الشخصي في أماكن متفرقة حيث توصد في وجوههم أبواب مقرات الاتحاد.

يقول زين العابدين الضبيبي: “قد يكون أهم سبب يقدمه أعضاء الأمانة العامة لعدم فتح أبواب الاتحاد هو خشيتهم من محاولة جرّ الاتحاد إلى صف أي طرف، وهذا أمر يمكن تلافيه بالالتزام بلوائح وأهداف الاتحاد الذي يقدم رؤاه للجميع ولما فيه الصالح العام، ودون انحياز لأحد باعتباره كيانا وطنيا جامعا  لكل أبناء الوطن”.

توضح الأستاذة هدى أبلان سبب إغلاق مقر الاتحاد: “مقر الاتحاد مغلق منذ 2013 لأن ميزانية الاتحاد متوقفة، كميزانيات جميع النقابات والاتحادات في اليمن، ويمكن التأكد من ذلك عبر وزارة الشؤون الاجتماعية. وظروف الاتحاد المتأثرة بوضع البلاد هي ما منعنا من الالتئام”.

يقول م.م: “نحن لا نستطيع دفع أجرة الحارس إن فتحنا أبواب الاتحاد، كما أن الاجتماعات العادية تكلف ميزانية كبيرة، وهذا يجعل اجتماع المجلس التنفيذي لاتخاذ أي قرار يخص الاتحاد صعباً جداً، فالأمر لا يخضع للرغبة الشخصية والقرارات الفردية، حتى إن كان قرار رئيس الاتحاد نفسه”.

ويستطرد: “نحن لا نضمن ما يمكن أن يجره فتح المقر في هذا الوضع الأمني والسياسي المضطرب، ونأمل بعد انتهاء الحرب أن يعود قادة الاتحاد المتفرقين لعقد مؤتمر عام وإعادة الأنشطة إلى سابق عهدها”.

يقول جميل مفرح: “تواجه الاتحاد ثلاث مشاكل كبيرة حالياً: مشكلة الفروع والأعضاء المتفرقين، ومشكلة الميزانية، ومشكلة الوطن”.

صراع أجيال

هل يعتبر الصراع الحالي بين الأدباء الشباب والقيادة القديمة صراع أجيال؟ أم صراعاً بين الجمود والتمرد؟ أم معركة لاسترداد ما يراه الشباب حقهم؟ أم مجرد محاولة للحصول على مكاسب؟

ترى الأستاذة هدى أبلان ” الشباب هم الركيزة الأساسية للعمل الثقافي في اليمن، وهم الواجهة القادمة لإدارة المؤسسات الثقافية، خاصةً أنهم من الشباب المثابرين سواء على مستوى النص أو على مستوى المؤسسات”.  وتعتبر أبلان وجودهم فاتحة أمل وتنوع، فالاتحاد يدعو إلى التنوع، والمزيد من استقطاب الأسماء الشعرية والإبداعية الكبيرة خاصة أنهم مميزون، وليس هناك أي موقف ضدهم.

وتضيف: “إن أي نشاط في الاتحاد يقوم على الشباب، لكن الشباب يخشون استبعادهم وهذا ما لن يحدث، وأنا أضمن أن لا يُستبعدوا”.

من جانبهم عبّر الشباب المحتجون عن احترامهم لتاريخ الاتحاد، وأكدوا أن من أهدافهم إعادة هذا التاريخ الذي بدأه المؤسسون، وهم يفتخرون بالرعيل الأول والقيادات التاريخية . ويشيد البخيتي بوقوف أدباء كبار إلى صف الشباب. هذا؛ وهدأ الشباب حركتهم الاحتجاجية بسبب الظروف الصحية لبعض قيادات الاتحاد، إلا أن خيارات التصعيد ما زالت مفتوحة كما يقولون.

يرى (م.م) أن الأديب يظل أديباً دون النظر إلى سنه، والكثير من القيادات الحالية في الاتحاد تولوا مناصبهم حين كانوا شباباً، وأكد أن العضويات الجديدة التي طالب الشباب بقبولها ضمت أدباء من جميع الأعمار.

غياب الاتحاد لا يعني اختفاءه

الأدباء والمثقفون اليمنيون كثيرون ومتميزون، وموجودون في كل الظروف، فالنقابات والمؤسسات الثقافية لا تصنع الإبداع، بل تهتم بالمبدعين وتحتضنهم وتحمي حقوقهم الفكرية وتقدم لهم الرعاية، وتفتح لهم أبوابها ليوصلوا أصواتهم، ويقوموا بدورهم النضالي والتنويري.

   يطمح الشباب المحتج إلى استعادة دور الأدباء في إحداث تغييرات واقعية، وإعادة تدوير التاريخ لاستعادة مكانة الاتحاد ودوره في صنع السلام، واستقبال الأعضاء دون تمييز، بعيداً عن الانتماء الحزبي والطائفي والمناطقي، وإعادة الأدب اليمني إلى مكانته السابقة.

 و من جانبه وجه الدكتور مبارك سالمين – رئيس الاتحاد- رسالةً للشباب على صفحة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين  على الفيسبوك رداً على حركتهم الاحتجاجية في أبريل الماضي، قال فيها: “التنظير سهل، لكن الحفاظ على هذه المؤسسة الوطنية العريقة ليس سهلاً، فلا تعملوا على تفكيك الاتحاد، وهو الأمر الذي عجزت عنه السلطات المتعاقبة على اليمن”.

 العمل الفني بإذن من عمار العوامي 
العمل الفني بإذن من عمار العوامي

 وتعليقا على ذلك يقول أنور البخيتي: “نحن مؤمنون بقضيتنا وسنحققها، فنحن نقوم بدورنا الطبيعي”.

وتقول  أبلان “غياب الاتحاد لا يعني اختفاءه، ومتى ما تعافت البلاد.. سيعود الاتحاد”.

و يرى بعض المعلقين أن هذا الاستقطاب في الاتحاد يحمل في طياته مواقف سياسية واجتماعية مضمرة يمكن استجلاؤها من خلال تتبع مواقف الأدباء من الحرب الجارية و أطرافها. ومهما يكن من أمر، فإن تاريخ الاتحاد سينتصر لحاضره ومستقبله؛ فهو مؤسسة يمنية جامعة لأصوات الابداع وتضم داخلها أصواتا فردية عصية على التطويع لخدمة أي سلطة أو موقف يمليه طرف منتصر في حلبة السياسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى