This post is also available in: English (الإنجليزية)
انخرطت اليمن في العديد من الصراعات عبر التاريخ. ودخلت في نزاع مسلح واحد على الأقل كل عشر سنوات على مدى الثمانين سنة الماضية بعد ثورات الستينيات التي أطاحت بالاستعمار البريطاني في الجنوب وبنظام الإمامة في الشمال. وقد كان لهذه الصراعات آثار مدمرة على التنمية من جميع الجوانب الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان مصير هذه الصراعات المتوالية التوقف بعد فترات قصيرة من اندلاعها. عندما اجتاح الربيع العربي اليمن في عام ٢٠١١، دخلت العديد من مناطق البلاد في صراع مسلح، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وقد تصاعد الصراع في نهاية عام ٢٠١٤ حتى أصبح حربا شاملة بالوكالة مع حلول مارس ٢٠١٥. بعدها أخذ الوضع الإنساني يتدهور بشكل مستمر مؤثرا على جميع شرائح المجتمع. غير أن فئة الشباب قد نالت الحظ الأكبر من وطأة الحرب وستكون هي المتضرر الأكبر من آثارها المدمرة. والشباب هم المجموعة الديموغرافية التي أشعلت الثورة في الأمس و أصبحت اليوم وقودا للحرب المستمرة. وفي ظل غياب أي مؤشر لانتهاء الصراع في الأمدالقريب، فإن الشباب سيواجهون مستقبلا قاتما في حال لم يحصل أي تدخل إيجابي لحل الصراع.
يشكل الشباب في اليمن غالبية السكان. ويقدّر عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين ٠-٢٤ سنة بأكثر من ٦٠٪ من السكان. يبلغ معدل البطالة بين الشباب ٣٠٪، ويمكن أن تعزى زيادة انخراط الشباب في العنف والمشاركة في النزاع في دول مثل سوريا واليمن إلى تزايد عدد الشباب المقصي الذي يعاني حالة اغتراب واحباط. ويعد الوضع البائس لهؤلاء الشباب الدافع وراء اشعالهم الثورة والنزول إلى الشارع في عام ٢٠١١. وقد وجدت دراسة حديثة أن الشباب لم يحظَ بالإهتمام أو الدعم الدوليين. كما وجدت الدراسة أن الافتقار إلى الفرص التعليمية والاقتصادية قد أدى إلى خلق فراغ لدى الشباب وشعور بالعجز تجاه أسرهم ومجتمعاتهم. كان هذا الإحباط وما زال قنبلة موقوتة. وقد أدت الحرب الحالية إلى استنزاف فرص تنمية الشباب، مما جعلهم عرضة للتجنيد من قبل مختلف الجماعات السياسية والمتطرفة التي تستخدم الحوافز الاقتصادية لجذبهم كما تقدم لهم الشعور بالانتماء والإنجاز كي تضمن ولاءهم. أصبحت مشقة الحياة اليومية غير محتملة بالنسبة للجميع، وهي حاليا المشكلة الأساسية التي تؤثر علىالشباب بشكل خاص.
ووجدت دراسة حديثة أخرى أن المشكلة الأكثر إلحاحا التي يواجهها الشباب حاليا تتعلق بالعوامل الاقتصادية، حيث يشعر الغالبية من الشباب أن هذه الحرب وضعت حدا لتطلعاتهم. ويعتبرالمجتمع اليمني الأسرة شبكة الأمان الأساسية، إلا أن عوامل مثل ارتفاع الأسعار وفشل العديد من المؤسسات والصناعات، سواء الخاصة أو العامة، قد ألحقت ضررا ماليا كبيرا بالأسرة. و قد أدى توقف صرف المرتبات الحكومية منذ فترة طويلة إلى جعل نحو مليون موظف حكومي يتركون أعمالهم. و هو الأمر الذي جعل ثمانية ملايين من أفراد الأسر التي يعيلونها في وضع صعب. يشهد اليمنيون الشباب العوز المالي الذي تعاني منه أسرهم وتفكك شبكة أمانهم، ويواجهون شعورا بالعجز نحو المساهمة في التخفيف من معاناة أسرهم بسبب الافتقار إلى الفرص الإقتصادية. أفاد ٤٣٪ مشاركا، من بين ١٥٠٠ مشارك في هذا التقرير، بأن أسرهم تعاني معاناة كبيرة بسبب الزيادة في أسعار المواد الغذائية. وفي مسح ميداني حول أهم ما تحتاج إليه الأسر الآن، احتل الغذاء المرتبة الأولى. وجد برنامج الأغذية العالمي أن متوسط سعر الطحين قد ارتفع بنسبة ٢٨،٤٪ بالمقارنة بفترة ما قبل الأزمة. كما ارتفعت أسعار السكر والزيت النباتي بنسبة ٢٧،٢ ٪ و ١٥ ٪ على التوالي، وغاز الطبخ بنسبة ٨٢،٥ ٪ ، والبنزين بنسبة ٤٢،٧ ٪ ، والديزل بنسبة
٪ ٤١،٦.
بعد فترة قصيرة من التركيز على مشاريع تنمية الشباب، تركز المنظمات الدولية حاليا على تقديم المساعدات الإنسانية إلى البلاد. يوجد اليوم ١١،٣ مليون طفل في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، ويقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن حوالي ٢٢،٢ مليون شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء، و١٦،٣٧ مليون في حاجة إلى الرعاية الصحية الأساسية. و إلى ذلك، تعاني اليمن اليوم من انتشار وباء الكوليرا و قد تم العثور على حالات في معظم المحافظات وحوالي ٣،٣٣٢ مديرية. وأفادت منظمة الصحة العالمية بوجود أكثر من مليون حالة يُشتبه في إصابتها بالمرض في العام الماضي و٢،٢٠٠ حالة وفاة. و من المتوقع زيادة عدد الحالات مع اقتراب فصل الصيف بسبب عدم توفر المرافق الصحية المناسبة وصعوبة توفير المياه النظيفة. مرة أخرى يجد الشباب أنفسهم مهملين ويواجهون ظروفا يبدو التغلب عليها مستحيلا؛ منها حاجة نحو ٤،١ مليون طفل إلى مساعدة تعليمية، وزيادة عدد الأطفال الذين يتركون المدارس بنسبة ٢٠٪، أي مليوني طفل، و٤٢٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥-٢٥ الذين كانوا مسجلين في المدارس أو الجامعات. في حين انقطعت رواتب نحو ثلاثة أرباع المعلمين العاملين في التعليم الحكومي منذ أكثر من عام، مما أدى إلى تفاقم المشكلة وعرقلة التعليم. والمعلوم أن غياب الدولة يؤدي إلى تضخم المشاكل، لذلك على منظمات المجتمع المدني المحلية والمنظمات غير الحكومية الدولية العمل على معالجة قضايا تنمية الشباب وملء هذه الفجوة، ومن المهم اعتماد نهج شامل بدلاً من التركيز فقط على المساعدات.
إن من شأن غياب أي تغيير حقيقي أنْ يجعل الشباب عرضة للاستغلال من طرف الحركات السياسية والحركات المتشددة المختلفة. وقد أعلنت الأمم المتحدة أن حوالى ١٥٠٠ من الأطفال قد جندوا للقتال في نهاية عام ٢٠١٧. ونظرا للظروف الحالية الصعبة، أصبح الانضمام إلى الميليشيات من أجل الاستقرار الاقتصادي خيارا محتملا للعديد من الناس، كما أن إمكانية تبني أيديولوجيات راديكالية تزداد بسبب ضعف التعليم وتصاعد التطرف الديني. والجدير ذكره أن معظم النزاعات التي يواجهها الشباب اليمني تدور داخل الأحياء، ويرجع ذلك أساسًا إلى الاختلافات السياسية، ونقص الغذاء والأدوية والوقود. هذا مع انعدام البدائل لملء الفراغ لدى الشباب وعدم شعورهم بقيمتهم. ومن هنا، تقل احتمالية إسهامهم في المجتمع.
سيصبح هذا الإهمال تجاه الشباب في المستقبل أكثر إشكالية مع تزايد عددهم وتوقف التعليم. وهو الأمر الذي يخلق جواً ساما يصبح فيه ملايين الشباب اليمنيين عبئاً ليس فقط على اليمن بل على المجتمع الدولي بشكل عام. وإذا استمرت الحرب واستمر الوضع في التدهور، فسوف يواصل الشباب المبعدون عن التعليم دورهم في تأجيج الصراعات المستقبلية ويصبحون تهديدًا أكبر على المجتمع. إن الفرص المتاحة لهم حاليا قليلة أو شبه معدومة، حتى أن فرصة البحث عن مخرج إلى بلدان أخرى مستبعدة للغاية بسبب الصعوبة الهائلة في مغادرة البلاد. ويرجع ذلك إلى انعدام وجود منافذ يمكن أن تكون فيها الهجرة الجماعية خياراً كما هو الأمر في الحالة السورية حيث تمكن العديد من الشباب السوريون من الهجرة إلى دول مختلفة بحثًا عن فرص وحياة أفضل. يجد الشباب اليمني أنفسهم سجناء في بلدهم غير قادرين على تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم ومحرومين من حقوقهم الأساسية. هناك العديد من البلدان التي تستثمر في الشباب والتعليم وتجني الفوائد الاقتصادية والاجتماعية في فترة قصيرة من الزمن و التي ينبغي استخلاص الدروس من تجاربها. وعلى سبيل المثال كوريا الجنوبية مثال على تلك الدول. يجب ايجاد حلول للشأن اليمني مستفادة من تلك التجارب وغيرها، إنْ نحنُ أردنا أن نتجنب مستقبلاً كارثياً ينتظر ملايين الناس في اليمن الذين حرموا فرص العيش الكريم قبل أي شيء آخر من كماليات الحياة ومتعها.