This post is also available in: English (الإنجليزية)
في بلد كاليمن، من الصعوبة بمكان أن تجد امرأة لا تشكو من تعرضها للظلم والاضطهاد وعدم قدرتها على انتزاع حقوقها. و برغم أننا أصبحنا في القرن الحادي والعشرين، فما زالت النساء يناضلن في هذه البلد بشراسة من أجل بعض الحقوق الأساسية والمفروغ منها في عالم اليوم.
الصورة بإذن من مبادرة التضامن النسوي
ونظرا لطبيعة المجتمع اليمني المحافظ يتعامل الرجل مع المرأة كوصي. ومن المعروف أن غالبية النساء في اليمن لا يعملن في مهن أو وظائف توفر لهن أجرا شهريا لإعالة أنفسهن. وهو الأمر الذي يجعل الرجل متحكما بمصير المرأة. يعطيها متى شاء ويحرمها متى شاء. حتى الميراث المكفول في نصوص القانون تُحرم كثيرات من النساء منه إما بالتحايل أو الإكراه. وواقع الحال هذا يختلف بعض الشيء لدى المرأة العاملة التي تمكنت من تحقيق الاستقلال الذاتي الذي ضمن لها مكانة أكبر داخل أسرتها ومحيطها وجعلها مستقلة بقرارها بشكل أو بآخر.
قبل الحرب، كان قد بدأ وضع المرأة في التحسن بعد مناضلة جهات حقوقية في البلد من أجل ذلك. غير أنَّ الوضع عقب اندلاع المعارك في البلاد منذ نهاية العام 2014 ومطالع العام 2015 وما صاحب ذلك من تعطل العديد من مؤسسات الدولة، قد تدهور أكثر وخسرت العديد من النساء أعمالهن. هذا إلى جانب أن أخريات قد تحملن أعباء ثقيلة نتيجة لموت عائل الأسرة.
خلال سنوات الحرب تعرضت المرأة لانتهاكات كبيرة. و تزايدت وتيرة الانتهاكات مع تعطيل دور المؤسسات الحقوقية التي تُعنَى بالنساء. لم يبقَ إلا أصوات قليلة تناصر المرأة، و منها شبكة “التضامن النسوي” التي تم تسجيلها بشكل رسمي في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
يتركز عمل هذه الشبكة حول المرأة؛ إذ تحاول إبراز بعض قضايا النساء المختلفة للرأي العام. فمثلا تعمل على توثيق و إظهار الانتهاكات التي يتعرضن لها. و تحتفي بالمناسبات المختلفة المرتبطة بالمرأة. وتعمد الشبكة في ورشها وفعالياتها إلى مناقشة بعض الظواهر المجتمعية ذات الطابع التشريعي والثقافي. هذا علاوة، على تشجيع من حققن نجاحا من النساء في مختلف المجالات. كما لعبت الشبكة دورا بارزا ضمن المساعي المطالبة بإيقاف الحرب عبر تقديمها لمبادرة “السلام” في سبتمبر/أيلول الماضي، التي دعمت تشكيل وفد نسوي يمثل المجتمع المدني بمشاورات السلام اليمنية.
وتوصي تلك المبادرة بنقاط عدة. أولها: إيقاف إطلاق النار، ونزع السلاح من المجاميع المسلحة، وانسحابهم، وإخلاء المدن من المعسكرات. ثانيها: التركيز على الملف الاقتصادي عبر دعم أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية. ثالثها: دعم مشاركة النساء والمجتمع المدني. رابعها: تقديم معالجات حقيقية لملف المعتقلين، وللقضايا الشائكة في البلاد كالقضية الجنوبية، وقضايا المدن غير المستقرة أو المحاصرة.
اضطهاد
تؤكد رشا جرهوم العضو المؤسِّس في منظمة التضامن النسوي أن النساء في اليمن يناضلن من أجل حقوقهن بطريقة أو بأخرى. فبلادنا تأتي في المراتب الأخيرة في مؤشرات المساواة والعدالة بين النوعين. إضافة إلى أن التمييز متأِّصل أولا بالمنظومة القانونية والتشريعية، وثانيا بالعادات والتقاليد التي تنظر إلى النساء نظرة دونية. فالقوانين الحالية قائمة على أساس نظام الوصاية الأبوية والذكورية، ولا تستطيع النساء في بلدنا أن تتنقل أو تعمل أو تتعلم أو تتزوج بدون إذن ولي أمرها الرجل. ويرى المُشرِّع أن هذا ضروري لحمايتها، ويستخدم الشريعة لتبرير ذلك أيضا، برغم أن هناك حاليا آراء دينية داعمة لاستقلال النساء ذاتيا وتمتعهن بحقوقهن كاملة.
و تعود “جرهوم” قليلا إلى الوراء لتقارن بين واقع المرأة اليوم والأمس. وقالت: “لم يكن هذا حالنا دائما. ففي الجنوب كانت القوانين مبنية على أساس المساواة. وبعد الوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990 بين شطري البلاد، طغى النظام الذكوري الأبوي وكانت حقوق النساء هي أول ما تم التضحية به على مدى العقود التي تلت الوحدة. وشيئا فشيئا فقدنا حقوقنا. وأصبح إرث المرأة نصف إرث الرجل، و ديتها نصف دية الرجل. وأصبحنا مواطنات من الدرجة الأخيرة”.
تناصر “جرهوم” قضية المرأة بقوة وتدعو إلى نيلها حقوقها وتمتعها بالمساواة والعدالة الاجتماعية. وتتفق مع ذلك ياسمين الناظري العضو في منظمة التضامن النسوي. ترى ياسمين أن أغلب النساء لا يعلمن عن حقوقهن شيئا. فضلا عن أن يجدْنَ من يدعمهن عند المطالبة بهذه الحقوق. ومن هنا تخوض النساء في اليمن معارك حقيقية بشكل يومي من أجل انتزاع حقوقهن المعنوية كالكرامة أو المادية سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية. تدور رحى هذا النضال في المنازل و أماكن العمل وفي الشوارع والفضاءات العامة.
وضع المرأة اليوم
الصورة بإذن من مبادرة التضامن النسوي
برغم اضطهاد المجتمع للمرأة إلا أنها -كما ترى “جرهوم”- لم تصمت؛ بل ناضلت بكل الطرق على مدى السنين لتغيير القوانين، ودفعت ثمن ذلك باهظا؛ إذ تم مهاجمتها وتكفيرها وتهديدها، ثم برزت النساء مجددا خلال ثورات الربيع العربي التي بدأت أواخر العام 2010 في تونس، ومطلع العام 2011 في اليمن، وكان لهن دور قيادي كبير لتحقيق التغيير وذلك خلال المرحلة الانتقالية التي استمرت حتى مطلع 2012. و قد حققن مكتسبات بدأت بتمثيلهن في الحوار الوطني مارس/آذار 2013 – يناير/كانون الثاني 2014) بنسبة 28% الذي أدّى إلى إخراج منظومة حقوق وحريات تاريخية، ومن ضمنها تأكيد مشاركة النساء بما لا يقل عن 30% في كل مساحات صنع القرار.
أما حول كيفية تأثير الحرب على وضع المرأة اليمنية، فتقول عضو التضامن النسوي عبير القدسي إن وضع النساء زاد سوءا نتيجة لارتفاع حالات العنف القائم على أساس اختلاف النوع الاجتماعي. وهو نتيجة ضرورية لعدم وجود توعية قانونية، وعدم العمل على تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا. في المقابل ظهرت قيادات نسوية أكثر من السابق، فقد مُثلت المرأة في المشاورات السياسية وشغلت مناصب دبلوماسية و إدارية؛ فرأينا في السنوات القلية الماضية السفيرات ووكيلات الوزارات. ويعود السبب في ذلك إلى الجهود السابقة التي بُذلت في هذا الإطار والتي تم فرضها سواء بمؤتمر الحوار الوطني الشامل أو غيره.
وهو ما تختلف معه قليلا رشا جرهوم التي أوضحت أنه وبعد تصاعد وتيرة الحرب، أصبحت النساء يعانين من الإقصاء من المساحات السياسية والمفاوضات. وقالت إنها حين سألت موظفي الأمم المتحدة والمانحين والأطراف اليمنية، بمن فيهم نساء ومدافعات عن حقوق النساء، حول تمثيل المرأة الضعيف في المفاوضات كانت الردود صادمة مثل “مش وقت النساء” (في إشارة إلى تهميشهم للمرأة).
واستطردت “الذي يفشل في فهمه الكثيرون هو أن النساء- أولا- لهن الحق في أنْ يكن ممثَّلات في المفاوضات وبنسبة لا تقل عن 30%؛ لأنهن يمثلن أكثر من 50% من تعداد السكان. وثانيا، لأن النساء حاليا يتحملن أعباء مضاعفة للحرب، ففي تعز في ظل الحصار يمشين يوميا لأكثر من 4-6 ساعات في طرق وعرة وخطرة للحصول على أبسط مقومات الحياة من الغداء والدواء والأساسيات لحماية أسرهن، ويضحين بأنفسهن للعبور من خلال النقاط الأمنية لحماية الرجال من خطر الاعتقال”.
“النساء اليوم هن صانعات السلام على الأرض، فالعديد منهن يعملن على قضايا الإفراج عن المعتقلين، ويخاطرن بحياتهن من أجل إنقاذ أسر عالقة في خطوط النار، ويوصلن الإغاثة للنازحين”. و تؤكد جرهوم أن السلام العادل والمستدام يجب أن يكون منطويا على تمثيل منصف، منتقدة غياب دور النساء القيادي في الميدان في تحقيق السلام. ويعود ذلك، في رأيها، إلى أن الإعلام والمنظمات الدولية والمحلية تصورهن كضحايا لا يستطعن عمل شيء. وهو أمر عارٍ من الصحة؛ لأن تلك الفئة الناجية من النساء في الحرب يكافحن يوميا لحماية أسرهن.
تنتقد “جرهوم” وبشدة، مُطالبة البعض للنساء بعدم الحديث عن المناصب أثناء وجود المبعوث الأممي كما حدث عام 2016، برغم أن الرجال حين يجتمعون في المشاورات يكون النقاش حول تقاسم السلطة. بينما حين تشارك المرأة بشكل فاعل وبتمثيل عادل فإن النقاش يتحول من تقاسم السلطة الى تقاسم المسؤولية تجاه المجتمعات المتضررة، على حد تعبيرها.
أما “الناظري” فتطرقت إلى أن معاناة المرأة هي نتيجة الحرب التي صنعها الرجال. وهاهم اليوم يرفضون مشاركتها في تقديم رؤية لإخراج البلاد من دوامة الحرب التي لا يمكن أن تنتهي من دون جهود مشتركة. والنساء تقف في الصفوف الأولى من تلك الجهود، بنسبة قريبة من الشباب الذين يبذلون جهودا حقيقية لصناعة السلام، والتلاحم ، و التماسك الاجتماعي.
وبيَّنت “الناظري” أن الكثير من المشاريع التي تقدمها الدول المانحة في اليمن، تقتصر فقط على الدعم الإنساني، وربما بعض الدعم لمشاريع تنموية بسيطة التي تعمل فيها المرأة كمتطوعة بنسبة لا تقل عن 80%. هذا إلى جانب أن النساء يساهمن في إعالة أسرهن من خلال مشاريعهن الخاصة ومنها صناعة المواد الغذائية والخياطة، وغيرها من المشاريع التي أسهمت في وضع حلول مؤقته وقوية لدعم استمرارية القدرة على مقاومة ظروف الحرب.
و تؤكد “القدسي” أن التفاعل مع ” شبكة التضامن النسوي” كان كبيرا. وقد اقتصر في البداية على النساء في جنوب اليمن، ثم تم فتح المجال للتفاعل في جميع أنحاء اليمن. وأصبحت المنظمة منصة للتعبير عن هموم النساء اليمنيات؛ فقد أصبحن قادرات على إيصال أصواتهن إلى العديد من الجهات.
أنشطة مختلفة
عن طبيعة عمل ونشأة شبكة “التضامن النسوي” تقول رشا جرهوم: “إن سبب غياب النساء والمجتمع المدني والشباب من المساحات المهمة لصنع القرار، كان الدافع وراء تأسيس مبادرة مسار السلام، والتي كانت نتيجة أعمالنا التطوعية على مدى السنين الماضية في هذا المجال. بعد ذلك عمدنا إلى مأسسة هذا العمل عن طريق تشكيل الشبكة و تسجيلها كمنظمة بشكل رسمي في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي”.
الصورة بإذن من مبادرة التضامن النسوي
و الجدير ذكره أن مبادرة مسار السلام تهدف إلى خلق مساحات للأصوات المغيبةمن أجل المساهمة بشكل فاعل في صنع السلام. و من غاياتها العمل بمنهجية انطلاقا من القاعدة إلى الأعلى؛ وذلك أن السلم الاجتماعي يبدأ من المجتمعات المحلية. وكان من برامج المبادرة تنظيم اجتماع نسوي مع المبعوث الجديد في جنيف في أبريل/نيسان الماضي، وعقد ورش تشاورية حول قضايا تدخل ضمن أجندة السلام مع النساء. وقد تم على إثر ذلك ترشيح نساء لمؤتمرات واجتماعات عالية المستوى لإيصال أصواتهن، كما تم إيصال صوت عدد من النساء العاملات على الأرض لمنظمات دولية للحصول على فرص تمويل مشاريعهن.
ومن ضمن أوليات المنظمة -كما تضيف جرهوم- “التركيز على دعم الحركة النسوية عبر إعادة إحياء شبكة نسوية بدأت في 2013 لدعم حقوق النساء في الحوار الوطني والدستور. وقد تم تغيير اسمها من مجموعة “دستورنا” إلى “شبكة التضامن النسوي”. وتضم الشبكة أكثر من 250 عضوة يمثلن مختلف المجالات، وهي دون أي قيادة أو رئاسة”.
وتردف ” كان الهدف من التضامن النسوي تنسيق جهود النساء نحو دعم حقوق النساء ودعم بناء السلام، وأيضا، دعم بعضنا البعض وحماية بعضنا البعض. ومن خلال الشبكة استطعنا تنسيق جهودنا من أجل تبادل المعلومات والمناصرة المشتركة حول قضايا النساء. أماعضوات الشبكة، فيعملن في مجالات مختلفة؛ منها: الاغاثة، ومكافحة تجنيد الأطفال، والإفراج عن المعتقلين، ومناهضة العنف الموجه ضد النساء، وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان، ومكافحة التطرف. وأبواب الشبكة مفتوحة لجميع النساء داخل اليمن وخارجه. ومن ضمن المهام القادمة تطوير سياسة العضوية”.
و تتابع رشا جرهوم “قمنا بعمل شبكة أخرى على المستوى الإقليمي اسمها مينا 1325، وتضم نساء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعملن في مجال النساء والسلام والأمن؛ وذلك لتبادل الخبرات في هذا الميدان. إضافة إلى تنسيق جهود النساء لإعداد الاجندة الوطنية للنساء والسلام والأمن والتي قمنا بنشرها في 2016 وتسليمها لمجلس الأمن. وقد رحب المجلس بها وأصدر رئيس المجلس بعد ذلك بيانا يطالب فيه بتمثيل النساء في وفود المفاوضات بما لا يقل عن 30%”.
وتشير “جرهوم” في ختام حديثها إلى توجيه المنظمة مؤخرا رسالة عبر شبكة التضامن النسوي للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، تطالبه فيها بجعل عدد من القضايا ضمن الأولويات في المرحلة القادمة. ومن تلك القضايا: معالجة ملف النازحين، وموضوع الرواتب، والمشاركة العادلة للنساء، ودعم وجود وفد نسوي مستقل.
وكما هو معروف، فإن المرأة تشكل قرابة 52% من تركيبة المجتمع اليمني مع توقعات بارتفاع النسبة مستقبلا نتيجة لسقوط العديد من الذكور قتلى في الحرب. والجدير بالذكر أن منظمة اليونسيف الدولية تؤكد أن 31% من فتيات اليمن أصبحن اليوم خارج نطاق التعليم، بسبب استمرار الحرب. وهو ما يعكس الوضع المتدهور للنساء في البلاد، خاصة في ظل عدم حصولهن على الرعاية الصحية اللازمة.