المجتمع المدني

حديقة الحيوان في تعز

This post is also available in: English (الإنجليزية)

 نعم.. أتذكر الحيوانات والأسود في القفص.. كنت أخاف منها كثيرا”، هذا بعض مما لا يزال عالقا في ذاكرة مجد” أحمد (10 سنوات)، الذي زار حديقة الحيوان في تعز قبل الحرب التي بدأت في نهاية العام 2014 ثم عمت معظم مناطق اليمن.

قبل خمس سنوات زار مجد حديقة الحيوان في تعز مع والديه وإخوته وعمه وأبناء عمه، وقضوا قرابة ثلاث ساعات فيها، انقضى معظمها في الوقوف أمام الحيوانات، وتقديم الطعام لها خاصة للقرود التي  كان يتوفر منها أعداد كثيرة في الحديقة.

 صور موبايل بإذن من اماني علي
صور موبايل بإذن من اماني علي

يتذكر مجد الكثير من التفاصيل في تلك الحديقة، منها زئير الأسود التي كان يثيرها العامل بطلب من الزوار الذين كانوا يلتقطون الصور بجانبها.

أما أم مجد أكدت بأنها غالبا ما كانت تتوجه مع أطفالها، وهم في العقد الأول من عمرهم على وجه التحديد، لمشاهدة الحيوانات والتعرف عليها عن قرب، كون ذلك إحدى وسائل تعليمها لهم، فمن خلالها تمكن أبناؤها من حفظ أسماء الحيوانات، والتفريق بين الأليف منها وغير الأليف، كما بيَّنت أم مجد.

وفي لحظة صمتها، وحين أخذها التفكير مني، سألتها عن سبب حزنها الذي ظهر على وجهها فجأة، قالت: “تذكرت عمار ابن عم مجد الذي زار الحديقة معنا قبل خمس سنوات، وقُتل برصاص قناصة الحوثيين بتعز عام 2016”.

حينها اغتال الحزن كذلك ابتسامة عريضة كانت تبدو على وجه مجد، الذي أكد بأنه لن يزور الحديقة مرة أخرى بعد مقتل ابن عمه الذي كان كأخيه.

تروي الشابة العشرينية سلا أن أكثر ما كان يسعدها أثناء زيارتها الحديقة التي كان آخرها عام 2013، هو قضاؤها وقتا طويلا في تصوير الحيوانات التي التقطت لها العديد من الصور.

لقد كان مجد و سلا محظوظين إذ تمكنا من زيارة الحديقة قبل أن تندلع الحرب بتعز، فمنذ أن بدأت المعارك بالمدينة في مارس/آذار 2015، لم يزر غالبية الأطفال ذلك المتنزه –ولا أي متنزه آخر- بعد أن تغيَّر واقع المحافظة بشكل كبير ومنها حديقة الحيوان الواقعة في منطقة الحوبان شرق تعز الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

 صور موبايل بإذن من اماني علي
صور موبايل بإذن من اماني علي

فعقب الحرب انقطعت المخصصات المالية للحديقة التي كان مصدر أغلبها صندوق النظافة والتحسينات التابع للسلطة المحلية في تعز. وبدأ وضع الحيوانات بالتدهور بشكل مخيف، خاصة بعد أن فرض الحوثيون الحصار على المدينة، وأصبح من الصعب توجه أكثر من ستين عاملا فيها إلى الحديقة. و قد تم إغلاق أبواب ذلك المتنزه، الذي توقفت عنه الحياة كما هو الحال في كل المدينة. و إثر ذلك بدأت معاناة الحيوانات التي لم يسمح الحوثيون لأحد أن ينقذها رغم النداءات المتكررة.

برغم القصف الذي كان يطال أغلب مناطق المدينة، ومنها الحوبان، بقيت الحيوانات سجينة في أقفاصها تنتظر الموت الذي يختار ضحيته منها بعشوائية. لم يتوقف الحال عند ذلك الحد، فقد أدى غياب الدعم عن الحديقة إلى قلة الطعام المقدم للحيوانات وتفشي الأمراض. وتداول أبناء المدينة صور الحيوانات الهالكة فيها بسبب الجوع أو المرض أو بسبب أكل بعضها البعض الآخر جراء الصراعات بينها على بعض الفتات. و في تلك الحال انتظر بعضها الموت بصمت.

ورغم الحرب والحصار فقد عملت بعض الجهات على إنقاذ الحيوانات وتم نقل بعض الحيوانات إلى صنعاء، وتوفير بعض الغذاء الذي لا يعد كافيا، واستمر الوضع بالتدهور حتى اليوم لكن بشكل أقل.

مدير حديقة الحيوان شوقي الحاج، قال في تصريحات صحفية إن الجوع والمرض قتل 11 أسدا  و ستة نمور عربية نادرة من أصل 31 نمرا، فضلا عن عدد من الحيوانات من ضمنها المها العربي النادر الذي كانت الحديقة تمتلك 18 منها من ثلاثة أنواع، ولم يتبقَ منها على قيد الحياة سوى خمس.

 صور موبايل بإذن من اماني علي
صور موبايل بإذن من اماني علي

انتشرت العديد من الأمراض بين حيوانات الحديقة.  و زاد عدد حشرات القرد التي أصبح من الصعب القضاء عليها بسبب عدم قدرة العاملين في الحديقة بشكل طوعي على توفير اللقاحات والمبيدات.

في محاولتي لمعرفة الوضع الحالي للحديقة، قضيت وقتا طويلا في البحث للتأكد عن ما إذا كانت الحديقة تفتح أبوابها أم لا، وقوبل سؤالي باستغراب الكثيرين، فهم وفي ظل الحرب لم يعودوا يفكرون في المتنزهات، خاصة أبناء المدينة الذين يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة القوات الحكومية، والذين أصبح من الصعب عليهم زيارة الحديقة كون ذلك يستغرق ساعات طويلة، بسبب قطع الطرقات والحصار المفروض عليها من قِبل الحوثيين.

استطعنا عقب البحث لبضعة أيام التأكد من فتح أبواب الحديقة. وأكدت لنا ذلك أماني حمود التي تعيش في منطقة الحوبان الواقعة تحت سيطرة الحوثيين أن الحديقة فقد فتحت مؤخرا. وقد وزارتها أماني. وقالت لنا إنها لم تعد وزوجها يفكران بتكرار زيارة الحديقة ثانية بسبب الوقت الطويل المتطلب للزيارة؛ إذ ليس هنالك لوحة إرشادية بارزة توضح مدخلها سوى لوحة صغيرة  في مكان مهجور مكتوب عليها “حديقة الحيوان”.

تقول أماني إنها لم تكن تتوقع أن تجد زائرين في الحديقة، فالمكان يبدو هادئا، ولا أشجار فيه. لكنها وجدت بعض الأسر بما في ذلك الأطفال هنالك وهو ما بعث في قلبها بعض الطمأنينة.

 صور موبايل بإذن من اماني علي
صور موبايل بإذن من اماني علي

اندهشت أماني حين شاهدت منظر الحيوانات.  وقالت: “لقد آلمني منظرها، فطعامها قليل وغير نظيف، وماء الشرب أمامها متسخ، وكذلك أماكنها، متسخة. وتبدو الحيوانات نحيفة لقلة الأكل. و مثلا البط في ماء قليل
متسخ، و الأسود لا تسمع لها زئيرا وعليها تقرحات”.

وتبدو آثار الحرب على الحديقة واضحة. فعلى سطح إحدى غرف الأسود مثلا فتحة من أثر قذيفةز

ويشرف الحوثيون على حديقة الحيوان الحكومية الوحيدة في تعز بمنطقة الحوبان الواقعة تحت سيطرتهم.
و تعد الحديقة من أكبر حدائق اليمن وتحتوي على العديد من الحيوانات النادرة كالنمور العربية التي تكاثرت فيها، ورفدت العديد من الحدائق بها في عدد من الدولز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى