المجتمع المدنيالنساء والنوع الاجتماعي

نساء حضرموت من أجل السلام .. نضال من أجل فتح مطار الريان وطريق الضبة الدوليين

This post is also available in: English (الإنجليزية)

منذ دخول التنظيمات الارهابية وسيطرتها على مدينة المكلا في أبريل 2015م أغلق مطار الريان الدولي وتوقفت الملاحة الجوية وحركة المسافرين بصورة تامة فيما أصيب المطار بالشلل بعد نهب مرافقه وتدمير معداتها. وعقب تحرير ساحل حضرموت من براثن الإرهاب في 24 أبريل 2016م انتظر المواطنون المواطنات إعادة فتح المطار، إلا أن خيبة الأمل اعترضتهم وظلت أبوابه موصودة أمام الملاحة الجوية. وعلى الرغم من الوعود المتكررة التي أطلقتها الحكومة اليمنية والسلطة المحلية بمحافظة حضرموت بإعادة افتتاحه، فإن مطار الريان الدولي ظل مغلقاً للسنة الرابعة على التوالي. وهو الأمر الذي حرم بنات وأبناء مديريات حضرموت الساحل والمناطق المجاورة استخدام منفذها الجوي الوحيد للتنقل الخارجي. والأمر أشد وطأة على المرضى المحتاجين للعلاج في الخارج.

وأما طريق ضبة الدولي الرابط بين مدينة المكلا والمناطق الشرقية فقد أُغلق هو الآخر في وجه المواطنين بعد التحرير لدواعٍ أمنية ولتأمين ميناء ضبة النفطي كما جاء على لسان سلطة المحافظة. وقد استمر إغلاقه نحو العامين إلا أنه فُتح جزئياً بعد مطالبات وحراك مجتمعي.
من قلب هذا الحراك المجتمعي برز فريق “نساء حضرموت من أجل السلام” وهو أول فريق نسائي يتبنى قضية إعادة افتتاح مطار الريان الدولي وطريق ضبة سعياً منه لرفع المعاناة الانسانية التي يتجرعها الأهالي جراء الإغلاق وإيصالها للجهات المعنية. وبالإضافة إلى ذلك يقوم الفريق النسائي بالكثير من الأنشطة التي تساهم في زيادة الوعي والمناصرة المجتمعية

شكل الفريق إضافة جديدة لسجل النساء اليمنيات في حضرموت ومشاركتهن في القضايا المؤثرة في الحياة المدنية مقاومات أشكال التهميش والانكفاء عن ممارسة دورهن العلني في تناول قضايا المجتمع. و قد استطعن أن يقفن بشجاعة ليسجلن حضوراً مميزاً ومشهوداً ويدافعن بثبات عن توجهاتهن ويبادرن في تصدر المشهد .. 

الصورة بإذن من سعيد غودل

مؤخراً نجحت حملة المناصرة التي يقودها الفريق في إعادة فتح طريق ضبة جزئياً وتقليل الآثار المترتبة عن الإغلاق.

سارة محمد – طالبة في جامعة حضرموت – عن الطريق الفرعية الشحر – غيل باوزير بدلاً عن طريق ضبة تقول “استخدامنا الطريق الفرعية بحد ذاتها معاناة بسبب طول الطريق ووعورتها وظلمتها ليلا، في فترة أصبحت مسارنا الاجباري نعبرها للذهاب إلى الجامعة بدلا عن طريق ضبة. لقد كنا نخرج من منازلنا قبل شروق الشمس ونعود قبل غروبها بدقائق. 5 ساعات تقريبا في الطريق كأنها رحلة سفر!”.

يرجع بداية تأسيس فريق نساء حضرموت من أجل السلام إلى أبريل 2018م وجاء كمخرج لمشروع المعهد الديمقراطي NDI لتعزيز قدرات النساء على المشاركة الفاعلة في صنع السلام حيث تم تدريب وتطوير قدرات ثمان من القيادات النسوية في محافظة حضرموت وهن: د. أبهاء باعويضان ورائدة رويشد وعبير بابعير وأماني باخريبة وسولاف الحنشي وعطيات باضاوي و د. شادن بازهير وعائشة الجعيدي. انبثقت عن هذه الجهود أربع جلسات بؤرية استهدفت السلطة المحلية والقيادة الأمنية في محافظة حضرموت وشخصيات مجتمعية والشباب والأحزاب والإعلاميين؛ وذلك من أجل بحث أهم القضايا الحساسة التي تتعلق بحياة المواطنين. وعلى ضوء ذلك تم اختيار قضية إعادة فتح مطار الريان الدولي وطريق الضبة الشرقي لما لحق من أذى بكافة شرائح المجتمع إزاء هذا الإغلاق.

الصورة بإذن من سعيد غودل

عقد فريق نساء حضرموت من أجل السلام عدة لقاءات مع محافظ حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني وقيادة الأركان والسلطة المحلية لمناقشة أسباب إغلاق المطار والاطلاع على رأي تلك الجهات والأفراد تجاه القضية وعرض الحالات الإنسانية المتضررة. ونفذ الفريق النسائي عددا من ورش العمل حول دور منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية ودور الإعلام والتجار والأكاديميين والمكونات السياسية والأمنية والشخصيات الدينية والاجتماعية والأعيان في مناصرة قضية فتح مطار الريان وطريق الضبة لرفع الوعي وتشكيل رأي عام في الشارع الحضرمي. كما سعى الفريق لتوسيع ورش العمل لتشمل القضاة والنشطاء الحقوقيين والمحامين ومسؤولية الإعلاميين في مناصرة القضية. وقد خصص معرض للفنانين شارك فيه رسامون من جميع الفئات العمرية مناصرة لقضية المطار بمن فيهم الأطفال الذين كانت لهم مشاركات بارزة للتعبير عن مشاعرهم إزاء هذه القضية.

استطاع فريق نساء حضرموت من أجل السلام عمل عدة جلسات استماع مع المتضررين من إغلاق مطار الريان الدولي للتعرف على معاناة المواطنين في التنقل وحق العلاج وإشراكهم في المناصرة. وخلال الجلسات نقل المتحدثون المعاناة الإنسانية ومشقتهم التي يتكبدونها أثناء سفرهم إلى الخارج وتعرض أقرباء البعض منهم إلى الوفاة خلال رحلتهم إلى مطار سيئون. وإلى ذلك أخرج الفريق كتيبا بعنوان “حتى لا ننسى” تضمن قصصا إنسانية من واقع جلسات الاستماع. الغرض من تلك القصص هو إيصال رسائل للجهات ذات العلاقة والمسؤولة عن المعاناة التي يتعرض لها سكان مديريات ساحل حضرموت جراء استمرار إغلاق المطار. وقد طبع الكتيب باللغة العربية وترجم إلى الإنجليزية. إضافةً إلى ذلك تم إنتاج فيلم قصير يحكي المعاناة تحت عنوان “أطول طريق إلى أحلامنا“.

توجه الفريق النسائي إلى الإذاعات المجتمعية في حضرموت لعقد سلسلة من اللقاءات على خمس إذاعات محلية، كما التقى الفريق بوزير النقل الأستاذ صالح الجبواني بمدينة المكلا لنقل مناشدات المواطنين وسرد القصص الواقعية والمؤلمة والآثار السلبية للإغلاق.

واجه الفريق في بداية تكوينه عقبات على رأسها التشكيك في عمله. وتعرض لحملة هجومية وتشويه على مواقع التواصل الاجتماعي. وتعلل عطيات باضاوي ذلك “بعدم تقبل بعض التيارات للقضية ومحتواها وضعف الوعي”. وتقول عبير بابعير إن نظرة المجتمع القاصرة للمرأة وقدرتها على التفاعل والقيام بدورها نحو القضايا الهامة التي تخص المجتمع كانت إحدى التحديات التي واجهها الفريق. كم أردفت بشأن حملات التشويه على مواقع التواصل الاجتماعي: “كانت ستقضي على المناصرة من بدايتها لولا التحدي وعزم عضوات فريقنا على الاستمرار”، وتضيف عائشة الجعيدي “أن الفريق تلقى تهديدات وكيلت لنا الاتهامات بأننا فريق مسيس. وكان هدف من ذلك هو التشويش على عملنا”، وأضافت ” خوف الاهل والأقارب كوننا نساء شكل ضغطا إضافيا علينا”.

الصورة بإذن من سعيد غودل

تأسف د. شادن بازهير “لدور الإعلام في بداية حملة المناصرة برغم أن القضية هي قضية الصغير والكبير على حد سواء”. وترجع عائشة الجعيدي السبب إلى عدم وجود الثقة فيما يقوم به الفريق وإلى غياب رؤية واضحة. غير أن الجميع ما لبث أن تفاعل مع القضية بعد تحقيق بعض ثمار الحملة. وتؤكد سولاف الحنشي “أن المناصرة إحدى الطرق الحضارية؛ إذ يمكن للناس أن تطالب بحقوقها وقضاياها العادلة. إن المناصرة تأتي لتعزيز دور السلطات المحلية ومساعدتها لإيجاد حلول”.

استطاع فريق نساء حضرموت من أجل السلام بث الروح في الجهات الرسمية وتحريكها باتجاه فتح مطار الريان الدولي الذي أصبح هو الملف الأبرز في حضرموت الذي يهيمن على الخطاب الحكومي الرسمي المتعلق بالمحافظة. وحقق الفريق النسائي نجاحا في تشكيل لجنة مجتمعية لاستمرار عمل المناصرة وإعادة فتح طريق ضبة جزئيا أمام حركة مواطني المديريات الشرقية كما رافق الفريق محافظ حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني أثناء زيارته مطار الريان الدولي للاطلاع على سير العمل والتجهيزات مع وعد من السلطات بفتح المطار قريبا.

وعلى الرغم من عدم الايفاء بالمواعيد التي قطعتها سلطة محافظة حضرموت والجهات الحكومية بفتح المطار، فإن الفريق النسائي لم يرفع الراية البيضاء بعد وما زال مستمراً في نشاطه واستكمال ما بدأه من خطوات نحو تحقيق كافة أهداف المناصرة سواء في فتح طريق ضبة كلياً أو في خوض غمار نشاطات ولقاءات قادمة من شأنها أن تسهم في فتح مطار الريان أمام حركة المسافرين.

الصورة بإذن من سعيد غودل

أحمد بو عابس، كاتب ومدون يمني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى