This post is also available in: English (الإنجليزية)
أفتقد العاصمة السياحية إب وجبالها الخضراء وشلالها القوي. وأفتقد تعز، المدينة الحالمة والثقافية، و (منتزه”
السكون) الذي يصل إلى السماء؛ أفتقد السياحة في المواقع الأثرية التاريخية القديمة والمساجد. أفتقد مدينة عدن الساحرة وشواطئها الذهبية. أفتقد المدينة الهادئة، حراز، التي تحلق فوق الغيوم. أفتقد المزيد والمزيد من الأماكن الطبيعية في وطني اليمن، ولكن هيهات فأنا مكتوف الأيدي ومحبوس القدمين لا أستطيع زيارة أيٍّ منها. لا أستطيع حتى الذهاب في جولة بسيطة إلى الجبال والوديان في مدينة صنعاء. الأماكن الوحيدة التي أستطيع زيارتها
.”للاستمتاع بوقت الفراغ هي المتنزهات ومراكز التسوق والمقاهي
.بسَّام، أب يبلغ من العمر ٣٩ عاما
تتمتع اليمن بالمناظر الطبيعية والأثرية في كل أرجائها. وتتميز كل محافظة عن الأخرى بتقاليدها وعاداتها ومعالمها الأثرية. في الماضي، عندما كان الملايين من السياح الأجانب يزورون اليمن سنويا، وصفوها بأنها متحف نظرا لمبانيها القديمة المزخرفة وللعدد الكبير من المواقع الأثرية. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود مساحات واسعة من
.الجمال، إلا أن السياحة الداخلية والخارجية قد توقفت تماما بسبب انعدام الأمن الناتج عن المشاكل السياسية
الصورة بإذن من تمجيد الكهالي
ما لا يعلمه العالم الأوسع عموما، وبعض اليمنيين أيضا، هو أنه خلال السنوات الأربع الماضية، فقدت اليمن الكثير من المعالم الأثرية والمناطق السياحية. ووفقا للإحصاءات الأولية التي نفذها عبدالكريم البركاني، مدير الحماية في هيئة الآثار، فإن ما يقارب ٦٢ موقعا أثريا قد تضرر من جراء تفجيرات التحالف العربي بقيادة السعودية، إلى جانب الاشتباكات الداخلية. وذلك بالإضافة إلى تضرر ٢٦ موقعا أثريا دينيا، كالمساجد التاريخية القديمة. وعلاوة على ذلك، دمر ما يقارب ٤،٠٠٠ مبنى تاريخيا في صنعاء القديمة، التي دخلت قائمة التراث العالمي منذ عام
.١٩٨٦
يحدثنا البركاني قائلا ” إنَّ اجمالي عدد المواقع السياحية المدمرة والمعالم التاريخية قد بلغ ٨٨ موقعا. وذلك دون احتساب الأضرار التي لحقت بالمباني في صنعاء القديمة. وفي الواقع، نتوقع المزيد، وليست هذه سوى إحصاءات أولية وما زالت الحرب والصراع يهددان حياة اللجان التي تقوم بعمليات المسح وتسجيل جميع المواقع والمعالم في جميع المحافظات.“ ويوضح “أنتجت الحرب عاملين يهددان تراث اليمن والمناطق السياحية: الأول هو الجماعات
.”الإرهابية والغارات الجوية السعودية، والثاني هو المافيا وتجار الآثار
يحب اليمنيون التمتع بطبيعة وطنهم أكثر من أي شيء آخر من زمن بعيد. في عطلة نهاية الأسبوع، كانت جبال العاصمة صنعاء لا ترى إلا وهي مكتظة بالناس. وكانت صنعاء، خلال العطلات الطويلة، تفرغ من سكانها؛ لأن
.معظمهم يسافرون إلى محافظات وقرى أخرى
يعيش بسام مع عائلته في العاصمة صنعاء منذ عدة سنوات. وقد تحدث بصراحة مع مجلة المدنية عن التغيرات التي طرأت على أنماط الحياة اليمنية خلال السنوات الأربع الماضية. ووفقا لبسام، فإن هذه التغييرات جعلت الحياة أسوأ وأجبرت اليمنيين على العيش بطريقة لا تناسب طبيعتهم. يقول: “ما زلت أتذكر عندما كنت أسأل أطفالي في عطلة نهاية الأسبوع ما إذا كانوا يريدون الذهاب إلى الحديقة، أو تناول الآيس كريم في أي مركز للتسوق، أو الذهاب إلى وادي ظهر، كانت إجابتهم دائما “وادي ظهر!”؛ وذلك لأنهم يحظون بالاستمتاع بالطقس النقي والنظر إلى المعلم الأثري البارز هناك (دار الحجر). أنا وأسرتي نحب السفر والذهاب في نزهات، ولكن بسبب الحرب والوضع الحالي
.”البائس، أصبح السفر إلى أي محافظة صعبا ومكلفا، كما لو أنه سفر إلى الخارج
الصورة بإذن من تمجيد الكهالي
ولم يعد من السهل على جميع اليمنيين، ليس فقط بسام، زيارة الأماكن العامة أو السفر إلى محافظات أخرى. هناك
.العديد من العقبات التي يواجهها المواطنون اليمنيون. وتتمثل إحدى العقبات الرئيسية في انعدام الأمن
تقول بشرى الموسوع، وهي معلمة في مدرسة عامة، إنها كانت تزور تعز بشكل منتظم – سنويا أو مرتين في السنة وأحيانا في عطلة نهاية الأسبوع. وكانت تصل إلى تعز في غضون أربع ساعات، وتتمتع بالمناظر الطبيعية بين صنعاء وتعز. ولكن اليوم، نتيجة للحرب، دمرت بعض الطرق وأصبح من الصعب العبور من خلالها، مما اضطر المسافرين
.وسائقي الحافلات إلى اتخاذ طرق جديدة وعرة وغير آمنة
وتضيف بشرى، أن هناك عشرات الحواجز المتناثرة على طول الطريق، فيقضي المسافر وقتا طويلا في التصريح عن ممتلكاته وأوراقه لنقاط التفتيش. “في الواقع أصبح السفر من صنعاء إلى تعز رحلة معاناة تجاه المجهول. كما أن حياة الركاب عرضة للخطر في أي لحظة بسبب الاشتباكات المتوقعة بين الأطراف المتنازعة. ولهذا السبب لم أسافر إلى
.”تعز منذ عامين
تعتبر عدن من المواقع المفضلة لقضاء عطلة الصيف لدى اليمنيين من جميع المحافظات، غير أنه لم يعد من السهل على أي من الشماليين الذهاب إليها اليوم. مدينة عدن، التي تقع في الجنوب، لديها الشواطئ الجميلة، الخليج والمنتجعات السياحية فضلا عن أن سكانها ودودون. ولا توجد مشاكل أو احتكاكات بين اليمنيين في الجنوب والشمال، إلا أن المشاکل السیاسیة بین الحکومة والحوثیین في صنعاء قد خلقت صعوبات بالنسبة للشمالیین الراغبین في دخول عدن،
.وفي بعض الحالات منعتهم تماما
يقول بسام، ”كل من يريد السفر إلى عدن يجب أن يحصل أولا على تصريح من مجلس التنسيق التابع للمقاومة، وقد يستغرق ذلك أكثر من أسبوع. ولن يستطيع غالبية الناس الحصول على تصريح إذا لم يكن لديهم وساطة أو شخص
.”معروف في قيادة المقاومة
إلى جانب انعدام الأمن وصعوبة إجراءات السفر، فإن ارتفاع تكاليف السفر وارتفاع الأسعار بشكل عام قد أدت إلى حرمان اليمنيين من عيش حياتهم كما يريدون. في ظل هذه الظروف، أصبح همهم الرئيسي كسب لقمة العيش. مرة أخرى يحدثنا بسام أن،”تكلفة الذهاب في رحلة أو السفر أصبحت أربعة أضعاف ما كانت عليه من قبل. بصراحة، لا يمكن أن يتحمل معظم اليمنيين تلك التكاليف اليوم. والسبب الرئيسي هو ارتفاع أسعار النفط من ٢،٥٠٠ إلى ٥،٥٠٠ ريال مقابل ٢٠ لترا فقط. إذا قررت الذهاب في نزهة، أحتاج إلى ٢٠ لترا من البنزين على
.الأقل، بالإضافة إلى تكلفة الطعام التي أصبحت أكثر مما كانت عليه في الماضي
الصورة بإذن من ذي يزن العلوي
وبالطبيعة، يسعى الناس إلى البحث عن الراحة مهما كانت ظروفهم. ولذلك عندما أصبحت الرحلات داخل البلد والمدن صعبة، بدأ اليمنيون بتغيير توجهاتهم نحو السياحة الداخلية، فبدلا من الذهاب في نزهة أو السفر، أصبحوا يذهبون إلى مراكز التسوق والمقاهي. ووفقا لأصحاب المقاهي في صنعاء، فقد كان جميع العملاء في الماضي تقريبا من الأجانب مع القليل من اليمنيين، غير أن الوضع الآن تغير؛ فقد أصبح عدد كبير من اليمنيين من مختلف الأعمار
.يتدفقون إلى مقاهيهم كل يوم
و تروي بشرى تجربتها وتقول: ” في عطلة العيد الأخيرة، لم أستطع السفر إلى مدينتي تعز. ولم أتمكن أيضا من الذهاب في نزهة مع عائلتي بسبب ارتفاع الأسعار وانعدام المرتبات التي لم تسلم منذ أكثر من عام. لذلك قررت أن أذهب مع أصدقائي للاستمتاع بوقتنا في مقهى جديد بالقرب من بيتي اسمه مجمع النخيل. في البداية ترددت لأنها كانت المرة الأولى؛ حيث أن الذهاب إلى مقهى وقضاء بعض الوقت هناك تجربة غير مألوفة بالنسبة لي. ومع ذلك،
.”فوجئت بالحشود هناك، ولم أتمكن حتى من الحصول على مقعد
التكنولوجيا و اضطرار اليمنين إلى الانحصار في مناطقهم المحلية يعدان عاملين مهمين في دفع الناس لزيارة المقاهي ومراكز التسوق.في تلك الأماكن يمكنك أن تشاهد الأطفال مع أهاليهم والمراهقين مع أصدقائهم يتمتعون بالخدمات المتوفرة. في الماضي لم يكن هناك سوى ثلاثة مقاهي في صنعاء، أما اليوم فتوجد العديد من المقاهي والمراكز
.التجارية الجديدة التي فتح معظمها خلال السنوات الثلاث الماضية
ومن ناحية أخرى، فإنَّ أصحاب المقاهي والمراكز التجارية يقدمون خدمات جيدة للناس كالإنترنت والأجواء الهادئة؛ حيث يمكن للناس التمتع ونسيان التزاماتهم اليومية. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن بعض هذه الأماكن تعد فضاءات مريحة للعمل والدراسة. كما إن بعضها يوفر أقساما خاصة بالنساء، وهو الأمر الذي يعد من الامتيازات
.الأكثر جاذبية لمرتادي المقاهي والمراكز التجارية في اليمن
الصورة بإذن من ذي يزن العلوي
وتختتم بشرى الحديث قائلة: ” غيرت الحرب نمط حياة جميع اليمنيين. فقد منعتهم من القيام بأشياء كثيرة. لكن، في الوقت نفسه، أدت الحرب إلى تحول ممارسات الناس بشكل غير مباشر ليتمكنوا من مواصلة حياتهم قدر الإمكان. الناس تتوق للسعادة، وسوف تقبل أي شيء للحصول على بعض الراحة. ولذلك، فإن الكثير من الناس اليوم أكثر
.انفتاحا على فكرة المقاهي ومراكز التسوق