This post is also available in: English (الإنجليزية)
تواجه المرأة في مجتمعاتنا العربية العديد من المشاكل عند خروجها من المنزل إلى العمل أو السوق أو الأماكن العامة، أهمها ظاهرة التحرش التي تتعرض لها النساء بشكل شبه يومي. وفي اليمن أصبح التحرش ظاهرة تؤرق المرأة اليمنية، وأضحى أمراٌ يثير قلقها كلما فكرت في الخروج من المنزل.
وترى عبير سلام، صانعة افلام قصيرة تُقيم في محافظة إب وسط اليمن، أن التحرش بات أمراً معهودا تواجهه المرأة اليمنية كل يوم أينما ذهبت.
وتضيف عبير “للأسف ينظر المجتمع اليمني إلى لمرأة على أنها عورة وكائن غير حر؛ لذلك يعتبر البعض أن التحرش بها أمراً طبيعياً، وفي الغالب تُتهم المرأة بأنها سبب تحرش الرجال بها”.
الصور بإذن من ذي يزن العلوي
ويُعرف التحرش بأنه أي صيغة من الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك جسد شخص ما أو خصوصيته أو مشاعره، وتجعله يشعر بعدم الارتياح أو التهديد أو الخوف أو عدم الاحترام أو الإهانة أو الإساءة أو الترهيب أو الانتهاك وأنه مجرد جسد. و رغم أن التحرش لا يطال فئة معينة .من النساء، فإنَّ المرأة.غير المنقبة والعاملة أكثر عرضة للتحرش، بحسب عبير
وتضيف “المرأة غير المنقبة والعاملة تنال النصيب الأكبر من التحرش لأنها تجرأت وكسرت بعض العادات والتقاليد المغلوطة التي اختلقها المجتمع ليضع على “.النساء مزيداَ من القيود
وترى سلام أن المرأة يجب أن تكون قوية وتواجه كافة التحديات التي قد تواجهها وأن لا تسمح لأي أحد بالتحرش بها أو مضايقتها.
وتقول “من حقي أن أمشي في الشارع فهو ملك عام، ومن حقي أن أعمل، ومن حقي أن أمارس حريتي دون أن يتحرش بي الرجل. لن أسمح لأحد أن يتحرش بي لا بنظرة ولا بكلمة ولا بشيء آخر وسأصده حتى لو اضطررت لصفعه بيدي. على جميع النساء التحلي بالقوة والشجاعة للتصدي لهذه الظاهرة.”
وتعاني معظم النساء في اليمن من التحرش بشتى أنواعه، ما يجعل البعض منهن يفكرن ألف مرة قبل الخروج من المنزل، على حد وصفهن.
(ن.م) امرأة يمنية متزوجة وأم لأربعة أطفال، ترى أن المرأة أصبحت وكأنها حق عام يتحرش بها من يريد، بل إن التحرش قد يحدث حتى في وجود الزوج أو .الأبناء
في أحد الأيام، تعرضت (ن.م) للتحرش أثناء جلوسها بجانب زوجها في إحدى وسائل المواصلات العامة. وعلى الرغم من أنها كانت حاملا في شهرها السادس وكان ذلك واضحا عليها، تحرش بها رجل يجلس في الكرسي الخلفي من خلال تلمس جسدها بيده.”في تلك اللحظة أمسكت يد المتحرش كي يكون دليلاً على أنه تحرش بي وصرخت أمام الجميع بأنه يتحرش بي، وفي تلك اللحظة لم أرَ سوى الضرب الذي تلقاه ذلك المتحرش من زوجي ومن ثم طٌرد من الباص”.
غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد فقد انقلب الأمر سلبا على علاقتها بزوجها. أظهرت (ن.م) شعورها بالعتب على زوجها الذي أصبح يدقق على التفاصيل المتعلقة بمظهرها الخارجي. تقول: “أصبح زوجي يطلب مني تغطية يدي وعينيَّ، ويلومني وكأنني السبب في التحرش. آتساءل لماذا يُلقى اللوم دائماً على المرأة بينما تعطى الأعذار للرجل المتحرش سواء بنظراته أوبكلماته البذيئة أوبشهوته المؤذية؟ السبب، ببساطة، هو أن المجتمع لا يقدِّر المرأة، ويراها فقط من منطلق عقليته المنغلقة التي لا تفكر سوى بالجنس”.
!المرأة سبب التحرش
في الوقت الذي يرى فيه البعض أن الرجل هو أساس التحرش نظراً لقلة الوعي المجتمعي، فإن هناك من يرى أن المرأة هي أيضاً جزء لا يتجزأ من تلك المشكلة.
الصور بإذن من ذي يزن العلوي
ريم عامر، موظفة قطاع خاص، تقيم في صنعاء، ترى أن المرأة هي سبب التحرش بسبب ملابسها وتصرفاتها التي تجذب الرجل.
وتضيف “أنا هنا لا أبريء الرجال، ولكن المرأة هي من تجذب الرجل للتحرش بها من خلال مظهرها وملبسها الضيق واستخدام العطر بشكل لافت، إلى جانب ضحكتها وطريقة كلامها الجذاب. يجب على المرأة أن تنتبه لكل ذلك وأن لا تتيح لهم فرصة التحرش بها”.
وأوضحت ريم أن أساليب التحرش اختلفت عن السابق، حيث أصبح التحرش يستخدم حالياً تحت مسمى الغزل والإعجاب. و أضافت ريم “على الرغم من أن الجيل الجديد مثقف وواعي أكثر من الجيل السابق، إلا أن نسبة التحرش ازدادت أكثر من السابق، والسبب يعود إلى غياب الأخلاق”. وأكدت ريم أن النساء لن يتعرضن للتحرش إنْ هن التزمن بتقاليد مجتمعهن.
ويتفق أحمد طاهر، موظف قطاع عام، مع ريم في أن المرأة هي من تتيح للرجال فرصة التحرش بها . ويضيف “لا يتحرش معظم الرجال سوى بامرأة أعطت لهم مجالاً لذلك وعلى كل امرأة مراقبة أفعالها وتصرفاتها”.
بطالة وغياب الرادع
يعاني اليمن من ظروف سياسية واقتصادية صعبة جراء الصراع الذي يشهده البلد منذ أكثر من عامين ونصف، الأمر الذي أدى إلى ظهور انفلات أمني كبير مع غياب السلطة والرقابة.
وترى وئام أحمد، موظفة قطاع خاص، أن التحرش ازداد بشكل كبير خلال فترة الحرب، نتيجة الفراغ والبطالة في صفوف الشباب الذين لا يجدون ما يشغلون به أوقات فراغهم؛ فليس لديهم “سوى الجلوس على قارعة الطريق والتحرش بالنساء”.
وبالإضافة لذلك، تشير وئام إلى أن غياب القانون الرادع وعدم وجود رقيب أو حسيب يعتبر أيضاً من أهم الأسباب التي أدت إلى توسع ظاهرة التحرش.
وتقول “الرجال المتحرشون استغلوا غياب القوانين والعقوبات واعتقدوا بأنه لم يعد بيد النساء شيء لمواجهة التحرش وأن المجال مفتوح أمامهم كي يقوموا بما يحلو لهم خصوصاً في ظل صمت المجتمع”.
و لم تتضمن القوانين اليمنية اي مواد تعاقب أو تجرم التحرش بشكل صريح. غير أنه يوجد فقط قانون لمعاقبة الفعل الفاضح تتضمنه المادة رقم (273) من قانون الجرائم و العقوبات اليمني. وينص على تجريم أي عمل يسيء إلى الآداب العامة أو الشرف أو القيام بكشف المناطق الخاصة أو التحدث بطريقة مسيئة. وتنص المادة رقم (274) من القانون نفسه على المعاقبة بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بدفع غرامة عن كل من أتى فعلا فاضحا يمكن رؤيته أو سماعه من قبل الآخرين.
الصور بإذن من ذي يزن العلوي
وأكدت وئام أنه يجب توعية المجتمع بمدى خطورة التحرش، وتأثيره السلبي على النساء وأن المرأة كائن حي له حقوق وكرامة مثل الرجل. ومن هنا، فإن على المجتمع أن يقف إلى جانب المرأة لا أن يظلمها.
وتابعت “يجب أن لا يلقى اللوم على المرأة من خلال اي تصرف بسيط تقوم به أو من خلال ملابسها. يجب أن يستوعب المجتمع أن هذه المشكلة سببها الرجل الذي يتحرش دائما بالمرأة حتى وإن كانت مغطاة من رأسها حتى أخمص قدميها”.
ونوهت وئام أن على كل الأسرة تربية أبنائها بطريقة صحيحة مع المساواة بين الذكر والأنثى في الحقوق منذ الصغر. وقالت “لم يكن التحرش موجودا قديماً كما يحكي أجدادنا بالرغم من أن الأمية كانت منتشرة بشكل كبير والسبب يعود إلى وجود الأخلاق والقلوب النظيفة وهذا ما نحتاجه في الوقت الراهن”.
ويتفق عبدالرحمن الجابر، مواطن يمني، مع وئام ويرى أن كل امرأة حرة في تصرفاتها طالما أنها لم تؤذِ أحدا. وأكد أن المجتمع اليمني لا يزال يملك النخوة والشهامة ما يجعله يقف أمام كل متحرش وإلى جانب أي امرأة تستغيث به.
وأضاف “يجب أن يفهم المجتمع أن تلك النظرة خاطئة وأن على الجميع الوقوف أمام أي متحرش وردعه من أجل إنهاء هذه الظاهرة”.
وفي هذا السياق تقول غيداء العبسي، استشارية في النوع الاجتماعي، إن غياب القوانين الرادعة ضد المتحرش ليس الأمر الأساسي الذي قد يعيق مواجهة التحرش في الوقت الراهن، ولكنه يتعلق بالكيفية التي يمكن للضحية أن تتصرف بها في ظل غياب الدولة.
وأشارت العبسي إلى أن “الحل لمواجهة التحرش هو العمل الحثيث من أجل رفع وعي الناس ليكون المجتمع حامياً للضحية ورادعاً للمتحرش لاسيما أن أحد أهم أسباب هذه الظاهرة يتمثل في ثقافة المجتمع ونظرته الدونية للمرأة و اختزالها في الجسد. المجتمع لا يرى فيها إنسانة وذاتا مستقلة لها الحق في السير في الشارع دون التعرض لأي مضايقات مثلها مثل الرجل”.
وبحسب العبسي، وصلت نسبة التحرش في اليمن إلى 90%، كما ورد في آخر إحصائية ذكرت خلال مؤتمر اقليمي انعقد في القاهرة عام 2010 لمناقشة قضية التحرش الجنسي. وذكرت أنه لا يوجد حتى الآن مسح إحصائي أو دراسة محددة عن التحرش خلال فترة الحرب.
وكانت العبسي قد بدأت في السنوات الماضية أول جهد منظم لمحاربة التحرش في اليمن، وأسست مع آخرين عام 2011 حملة “شوارع آمنة” لمناهضة التحرش.
و من وجهة نظر اجتماعية تعد هذه الجهود المدنية مهمة شريطة وجود تكاتف اجتماعي متعدد المستويات لمكافحة هذه الظاهرة. وفي مقدمة هذه الجهود تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة لمناقشة هذه الظاهرة بشكل علني وشفاف بالإضافة إلى تنوير الجيل الجديد في المدارس بخطورة هذه الظاهرة و عواقبها النفسية الفردية والجمعية. ومن ذلك ضرورة تصحيح المفاهيم في المناهج و خطب المساجد وفي وسائل الإعلام بخصوص المرأة و ما يتعلق بذلك من صور نمطية تسهم في تفشي هذه الظاهرة الآخذة في التزايد.