This post is also available in: English (الإنجليزية)
تمر اليمن بحرب دامية منذ أكثر من عامين ونصف. ومنذ بداية الحرب يشهد النسيج الاجتماعي في هذا البلد المنكوب تغيرات كبيرة ويحاصرها المرض والموت من كل مكان. انخرط الرجال في نزاعات سياسية ومواجهات مسلحة تركت البلد في حالة من الفوضى وأدخلته في دائرة الصراع السياسي الذي لا ينتهي. خلال هذه الفترة انخفضت نسبة مشاركة المرأة في الساحة السياسية بشكل كبير. وهذا أمر محبط، خاصة أن ذلك حدث في أعقاب اللحظات القصيرة الأخيرة التي كان يصاغ فيها شخصية اليمن الجديد المرجو القائم على استيعاب الجميع. وكان إدماج وتمكين المرأة في طليعة القضايا الاجتماعية المناقشة في فترة تلك الفترة التي أعقبت الثورة. ومع ذلك، فلا تزال المرأة اليمنية تحمل مشعل الأمل في مجتمعنا المتفكك؛ فقد تفوقت العديد من النساء اليمنيات في مهنهن، وحصدن اعترافا دوليا ووطنيا جديرا بأدوارهن كشخصيات .يمنية معاصرة ومتميزة، مما ساهم أيضا في إضفاء صورة إيجابيةعن البلد في الخارج
وعلى الرغم من الإنطباع المبالغ فيه عن كون اليمن بلد محافظ، فإن تاريخه يعكس تحرره تجاه أدوار الجنسين. والعديد من اليمنيين فخورون بأن بلادهم هي منبع القيادات النسائية العظيمة مثل الملكة سبأ التي حكمت اليمن وإثيوبيا وتزوجت الملك سليمان، وهي قصة ذكرت في جميع الديانات الإبراهيمية. وخلال فترة القرون الإسلامية الوسيطة، أيضا، توسدت الملكة أسماء بنت شهاب ( ت.1097) والملكة أروى بنت أحمد الصليحي ( ت.1138) القيادة العليا في اليمن. وقد حكمت الأخيرة أكثر من ٧٠ عاما ووحدت جزءا كبيرا من شبه الجزيرة العربية وعرفت بحنكتها وحكمتها. كما حصلت على .لقب “حجة” في سلم التراتب العلمي الديني. وهو اللقب الذي كان يضفى – فقط – على الرجال في ذلك الوقت
وخلال السنوات الماضية بادرت النساء اليمنيات المعاصرات إلى مناقشة وتناول منظومة القيم الاجتماعية السلبية من خلال عملهن في الفضاء العام ومن خلال اسهماتهن الفكرية والأدبية. وهو الأمر الذي عرض حياتهن للخطر. غير أن ذلك أيضا كان ذا أثر كبير على التطورات الاجتماعية والثقافية والسياسية في اليمن. في الفترة الأخيرة، حازت العديد من النساء اليمنيات على جوائز دولية مرموقة. حيث كانت أول سيدة في الشرق الأوسط تحصل على جائزة نوبل للسلام هي توكل عبد السلام كرمان. إلى جانب ذلك، حصلت نورية ناجي على رتبة الإمبراطورية البريطانية، وهي ناشطة يمنية .أسست منظمة خيرية توفر فرص التعليم لأكثر من ٥٥٠ متسول
خديجة السلامي تستلم جائزتها من الامير كونستانتين في امستردام، ديسمبر ٢٠١٧
خديجة السلامي هي إحدى هذه النساء اليمنيات، وهي مخرجة سينمائية، ووثائقية، ومؤلفة معروفة. وقد أرغمت خديجة على الزواج في سن الحادية عشرة من قريبها، ولكنها تمكنت من الحصول على الطلاق في مقابل تخلي عائلتها عنها. في السادسة عشرة من عمرها، أصبحت خديجة مستقلة، وهو إنجاز مستحيل تقريبا بالنسبة لشابة في ذلك السن. كانت تذهب إلى المدرسة في الصباح وتعمل في محطة تلفزيون ليلا. بعد ذلك، نجحت في الحصول على منحة دراسية إلى الولايات المتحدة ثم انتقلت لاحقا إلى فرنسا. فيلمها ”أمينة“ (٢٠٠٦) يحكي قصة طفلة عروس حكم
.عليها بالإعدام بتهمة قتل زوجها دون أي دليل تقريبا. ويقدم الفيلم لمحة نادرة عن الحياة في سجون النساء في اليمن
أما فيلمها ”أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة“ (٢٠١٥) فهو مستوحى من قصة حقيقية وهي قصة نجود، طفلة في العاشرة من عمرها لجأت إلى القضاء في اليمن لطلب الطلاق. سعت خديجة السلامي إلى تصوير نضال فتيات كثيرات عانين من حالة الزواج المبكر، بمن فيهن نفسها. ترشح الفيلم لجائزة الأوسكار وأصبح أول فيلم يمني يرشح لمسابقة أفضل فيلم أجنبي لعام ٢٠١٦. وفي العام السابق، حصلت على جائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان دبي السينمائي الدولي، ولاقى الفيلم نجاحا كبيرا وحاز على إعجاب الكثير من النقاد والجمهور. في عام ٢٠١٧، حازت خديجة السلامي على جائزة الأمير كلاوس للثقافة، وهي جائزة دولية يمنحها صندوق الأمير كلاوس سنويًا للأفراد والمنظمات الذين يسهمون في الثقافة والتطوير المجتمعي بشكل تقدمي ومعاصر، مع التركيز على أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي. وكان الكاتب الفلسطيني الراحل محمود درويش من ضمن .الحائزين على هذه الجائزة المرموقة
هند الإرياني ناشطة يمنية حصلت مؤخرا على جائزة المرأة العربية لعام ٢٠١٧ لدورها في قيادة حملات إجتماعية وتنموية. وقد استهدفت هذه الحملات العديد من القضايا المهمة، وكان أكثرها شهرة الحملة التي شنتها ضد القات. ويعتبر القات مخدرا خفيفا ويتطلب مستويات عالية من الري لكي ينمو، مما يجعل زراعته قضية حرجة في بلد يواجه حاليا نقصا حادا في المياه. إن قضية القات مسألة مثيرة للجدل حيث أن المزارعين يستبدلون المحاصيل الأخرى بالقات، كونه ينمو بسرعة وعائده الإقتصادي كبير. إلا أن نبات القات له تأثير سلبي جدا على المجتمع، ويواكبه الإدمان ويساهم في ارتفاع نسبة الفقر بين المستهلكين. ودعت الحملة التي قادتها هند الإرياني إلى مقاطعة النبات لما له من آثار كارثية على المجتمع. وركزت حملتها الأخرى على .السلام في اليمن خلال الجولة الأخيرة من محادثات السلام في الكويت
هند الارياني تستلم جائزتها في لندن نوفمبر ٢٠١٧
أفراح ناصر ناشطة يمنية ومدونة تعيش حاليا في السويد. حازت مؤخرا على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين. ونالت هذه الجائزة الدولية المرموقة تقديرا لعملها في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق المرأة والدعوة للمساواة بين الجنسين. أجبرت افراح ناصر على الرحيل من اليمن في عام ٢٠١١ بعد أن تلقت
.تهديدات بسبب عملها
وقد أثبتت النساء اليمنيات، خلال الحرب وفترات الصراع القاتمة، أنهن الأكثر كفاءة في البلد. وعلى الرغم من العادات والتقاليد اليمنية التي تعيق المرأة عن تحقيق كامل قدراتها، فقد أظهرت قدرات قيادية عظيمة وأثبتت أنه إذا تم منحها فرصة المساواة الحقيقية وتم تمكينها من المساهمة في جميع جوانب المجتمع، فإننا سنشهد تحولا كبيرا نحو مستقبل أكثر سلاما، وستنشأ فرص اقتصادية غير محدودة، خاصة وأن النساء يشكلن ٥١٪ من سكان اليمن وفقا للتعداد الأخير في عام ٢٠٠٦. وتشجع هذه الإنجازات النساء اليمنيات الأخريات على التفوق على نظرائهن من الذكور. وفي بعض القطاعات مثل الزراعة، تشكل النساء أكثر من نصف القوة العاملة. وإذا رفعت الحواجز المجتمعية، فإن اليمن سيجني ثمار مجتمع أكثر مساواة، يمنح جميع الأفراد والمواطنين حقوقا متساوية أمام القانون. و على الرغم من أن المساواة بين الجنسين لا تزال قضية عالمية بامتياز، فإن النساء اليمنيات .المذكورات آنفا قد تمكّن من كسر توقعات المجتمع وفرض التغيير